يمكن أن يقال – وهو قول قد يكون مكررا لكنه من ضرورات اليوم – أننا أمام مرحلة جديدة، هي متغايرة لكنها لا تسير وفق أحلامنا ولا وفق تطلعاتنا بل تكاد تكون صادمة ومعيقة أكثر منها منسابة أو ساربة في مجرى التطلعات الوطنية، وتبعا لها لا بد من الوعي بها حتى نضع فرضياتها المحتملة، فالوعي بها هو الوعي بالقدرة وبالسيطرة على مقاليد الزمن الذي يسير وفق قراءات واستراتيجيات تريد له أن يكون فاعلا ومحققا لمصالحها، وتلك الاستراتيجيات وضعت من قبل مختصين في العلوم الإنسانية المختلفة، وهو الأمر الذي يفرض علينا ضرورة التعاطي معه بقدرة ذهنية تفوقه، وتقفز على شروط “الأنا” المظلل في الصناعة والإبداع والابتكار.
لا شك أن الحرب تركت ظلالا قاتما، وعملت على الإخلال بحركة التوازنات في المجتمعات، وهي غير واضحة المعالم كون المجتمع اليوم تتنازعه ثلاثة أبعاد نفسية تنحصر في الخوف، والتربص، والمداهنة، ولذلك لا يمكن الوثوق بالظاهر وإن بدا شكله واضح المعالم، فالتناقض في المجتمع العربي قديم، ومحاولة التآلف فيه والتناغم تحتاج زمنا غير قصير على أن يمتاز ذلك الزمن بالاستقرار والرفاه، وبحيث ترتبط الفئات الاجتماعية بمصالح مع السلطات، ومثل ذلك غير متحقق في مثل الظروف التي يمر بها المجتمع العربي اليوم على وجه العموم، كما أن الشرخ والهوة اتسعت بالقدر الذي لا يمكن ردم الصدع فيه، ولذلك فكل المحاولات لردم الصدع ستكون فاشلة، فالعدو الذي نواجهه ليس محدودا ولا قليلا بل يملك قدرات مهولة ..مهنية ومادية وتقنية وأمام مثل ذلك تكون نسب النجاح ضئيلة في السيطرة والردم، مع قناعتنا وثقتنا المطلقة في تدابير الله، لكن تدابير الله تسير وفق قانون فطري، يقول تعالى : ” فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون “.
تبدو المرحلة اليوم أخطر منها بالأمس، وإذا استغرقتنا مشاعر الانتصار فلنعلم أن عوامل الانكسار قد تسللت إلى واقعنا، ولعل الواقع يبعث إشاراته اليوم، فهو يقول : أن ثمة متغيراً قادماً، وأن التحالف الذي شن عدوانه على اليمن لا يمكنه التسليم للهزيمة بل سوف يجتهد ما وسعه الجهد على تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة ولو في حدودها الدنيا، فهو لا يريد يمنا مستقرا أبدا ولا أمة مسلمة مستقرة، ولن يسعى إلا إلى تنمية عوامل الصراع والتفكيك وتجزئة الهويات وبعث عوامل القلق والاضطرابات في المجتمعات، وقد يستخدم كل الأوراق المتاحة، ومؤشرات المرحلة بدأت وقد يلاحظها المتابع في الجدل الدائر في منصات التواصل الاجتماعي وهو جدل تديره أجهزة استخبارية لأغراض استراتيجية وسياسية يحاول من خلالها قياس الرأي ويعمل على استغلال مساحات التصدع في بنية المجتمعات والوضع الاجتماعي العربي – كما هو في واقعه مع تداعيات الأحداث والحروب والصراعات – يعيش مرحلة غليان وتعمل الآلة النفسية والإعلامية على تنمية مشاعر الغضب وهناك نشاط محموم يسعى إلى إيقاظ مشاعر التنافر والغضب ويعمل على تفكيك عرى المجتمع وتعويم الهوية واستغلال كل ذلك سياسيا وأمنيا وعسكريا، وقد يترك ذلك أثرا كبيرا على النسيج الاجتماعي والوطني، سواء اليوم او في المستقبل المنظور ولذلك فالترميم يبدأ من بوابة الحوار مع المجتمع وقواه الفاعلة حتى تشعر بوجودها وقيمتها في معادلة الحياة وبذلك نقطع الخطوط التي ينفذ منها العدو أو نحد منها .
لقد بلغ المستعمر غاياته ووصل إلى مراحل متقدمة، ونحن كأمة ننساق وراء الأشياء دون وعي، ودون إدراك لما يحدث، أو قراءة للأثر المترتب على التفاعلات، ولم نستبين الرشد إلى يومنا المشهود، وهو يوم يشهد كل التفاعلات الثقافية التي تستهدف القيم وتقاليد المجتمعات الإسلامية وتطبيقاتها، فالمرأة المحافظة بدأت تخرج في بث مباشر على منصات التواصل الاجتماعي كي تتحدث عن تجاربها المخلة بالشرف ومغامراتها العاطفية في سابقة لم تكن معهودة في كثير من المجتمعات العربية .
ما يحدث في مجتمعاتنا العربية، منذ بداية الألفية إلى اليوم – ليست حربا على الإرهاب ولا اضطرابات اجتماعية ولا ثورات ولا قلاقل وفتن بل حركة استهداف تدار من قبل الماسونية العالمية ومحافلها في بعض العواصم العربية، فهي حركة تهدف إلى هدم التطبيقات الدينية لدى الشباب المسلم حتى لا يكون ارتباطه بالدين ارتباطا قويا ومتينا بل يكون ارتباطا هشا وسطحيا حتى يسهل على العدو التغلغل إلى البناءات الثقافية فيحدث فيها تبدلا وتغير، ويمكن قياس ذلك على حركة التطبيع مع الكيان الصهيوني وننظر إلى الجدل الفكري حول هذه الفكرة في منصات التواصل الاجتماعي، وبالعودة إلى الماضي، والى الموقف العربي الشعبي من التطبيع نجد موقفا واحدا منه في عموم الشعوب العربية عكس الأمر اليوم، الأمر الذي فرض نفسه على القرار السياسي العربي بالأمس أو اليوم مع الفوارق طبعا بين الأمس واليوم .
المعركة العسكرية التي نشهد تفاصيلها اليوم بين محور المقاومة وبين إسرائيل ومن تحالف معها من المطبعين العرب ليست سوى معركة شكلية لا تهدف إلا إلى شيئين اثنين هما: توسيع دائرة الاضطرابات والتصدع في بنية المجتمع وزعزعة الكيانات، والسقوط القيمي من خلال الكلام المبتذل في الرذائل وصولا إلى مرحلة الهدم للقيم والمثاليات والنظرية الأخلاقية العربية والإسلامية، وهو ما نراه واقعا ملموسا من خلال التداول في منصات التواصل الاجتماعي وقد يكتب أو يقال صراحة ودون حياء وهو كلام كان يعد في الأمس القريب من الموبقات المهلكات التي لا أحد يجرؤ على قولها .
زبدة القول.. نحن اليوم مطالبون بالوعي بالمعركة التي يشنها الغرب على قيمنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا وعلى ثقافتنا وهويتنا الحضارية والثقافية والإيمانية، ومثل ذلك يتطلب وعيا موازيا وحوارا مع المجتمعات والنخب الثقافية والسياسية حتى تتوحد الجبهة دون اختراق، وبدون ذلك نحن نهدر الطاقات في غير طائل.