قائد الثورة: أبرز ما يعنينا بداية العام الهجري الجديد العمل على تشكيل الحكومة وتصحيح وضع القضاء

بارك للشعب اليمني والأمة الإسلامية والشعب الفلسطيني ومجاهديه بذكرى الهجرة النبوية

لا بد من التعاون الشعبي والتفهم لمتطلبات مسار التصحيح والتغيير لأننا نعمل في ظروف معقدة

الخيار الصحيح لكل المسلمين للنهوض بالأمة وريادتها هو العودة إلى أصالة الإسلام والتمسك بمبادئه

سنقابل كل شيء بمثله البنوك بالبنوك ومطار الرياض بمطار صنعاء والموانئ بالميناء

الأمريكي يريد توريط السعودي في حرب شاملة والعودة بالوضع معنا إلى ما كان عليه في ذروة التصعيد

على السعودي أن يدرك أنه لا يمكن السكوت على خطواته الرعناء الغبية وأن يكف عن مساره الخاطئ

انطلاقة شعبنا وموقفه في معركة الفتح الموعود كانت مميزة ومؤثرة على الأعداء بتوفيق الله

التورط مع الأمريكي والإسرائيلي فيه خسارة للمصالح السعودية وأمنهم وجلب الخطر على نفطهم

انشغالنا بالمعركة المباشرة لإسناد غزة لا يعني أننا لن نستطيع أن نعمل شيئاً تجاه خطواتهم

الثورة /

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
بمناسبة دخول العام الهجري الجديد، نتوجَّه بالمباركة والتهاني إلى شعبنا اليمني المسلم العزيز، ومرابطيه المجاهدين في كافة الجبهات، وكافة التشكيلات العسكرية والأمنية، التي تؤدي واجبها الدين في الجهاد في سبيل الله تعالى، وخدمة شعبنا اليمني المسلم، كما نتوجه بالمباركة والتهاني إلى أمتنا الإسلامية كافَّة، وفي المقدمة والشعب الفلسطيني المظلوم، ومجاهديه الأعزاء.
ومناسبة دخول العام الهجري هي تلفت نظرنا جميعاً كمسلمين إلى ما يعنيه اعتماد الهجرة النبوية، لتكون هي الأساس في التاريخ للمسلمين، يعتمدونها أساساً لهم في التاريخ، فارتبط تاريخهم بها، وهذا يدل على أهميتها الكبيرة جداً، وما لها من دورٍ مهمٍ في ميلاد الأمة الإسلامية وقيامها، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً، ولذلك سنتحدث في بداية هذه الكلمة عن هذا الموضوع؛ لاستلهام الدروس والعبر، التي نحن في هذا العصر في أمسِّ الحاجة إليها.
بمثل ما تشدنا مسألة الهجرة إلى استذكار الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، ورسالته، وما بذله من جهود في هداية الناس، وإنقاذ المجتمع البشري، وفي مقدمته العرب آنذاك، فرسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هي رحمة، رحمةٌ للعالمين جميعاً، وفي المقدمة للمجتمع العربي؛ ولذلك قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: الآى107]، لذلك تشدنا هذه الذكرى إلى الرسالة الإلهية، بأهميتها، وعظمتها، وحاجتنا إليها في كل زمانٍ ومكان، فهي إرث الرسل والأنبياء، وخاتمة الرسالات، والمشروع المنقذ الإلهي للعالمين جميعاً، وقد تجلَّت عظمة الرسالة الإلهية في حركة الرسول “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” بها، وأثمرت جهوده وجهود المسلمين الذين نصروه، وجاهدوا معه، في الانتقال بالعربي آنذاك من حالة الضياع التي كانوا فيها، من شركٍ، وجهلٍ، وأميةٍ شاملة، وخرافةٍ، وشتاتٍ، وفرقةٍ، وانقساماتٍ، وَتَدَنٍ في الأخلاق والقيم… إلى غير ذلك، وحالة الظلمات، ظلمات الجاهلية، والضلال المبين، الانتقال بهم من كل ذلك إلى النور والهدى، فنقلهم ليكونوا أمةً مُوَحِّدةً وَمُوَحَّدةً تحت راية الإسلام، ورائدةً في المجتمع البشري، وحاضرةً في الساحة العالمية بما يميزها، من نور الإسلام، ومبادئه، وقيمه، وأخلاقه، ومشروعه الحضاري العظيم.
وقد كانت هجرة النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” من مكة، بعد اليأس من المجتمع القرشي، وإكمال المهمة للدور المكي في مرحلته تلك، إلى المدينة، حيث الأنصار من الأوس والحزر، القبيلتان اليمانيتان، بما حظي به الأنصار من مؤهلاتٍ بالدور العظيم، والشرف الكبير، في الاحتضان للرسالة الإلهية، وحمل راية الإسلام، وقد بيَّن الله في القرآن الكريم المؤهلات الراقية للأنصار، للقيام بذلك الدور المهم والعظيم في النهوض تحت راية الإسلام، قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: الآية9]، صَدَقَ اللهُ العَلِي العَظِيم.
وقد جمعت هذه الآية المباركة المؤهلات الضرورية للنهوض بالمشروع الإلهي، المتمثل بالرسالة الإلهية، بالإسلام والدين الإسلامي العظيم، وهي مهمةٌ، ولابدَّ منها لأي مجتمعٍ ينهض بالإسلام وتحت راية الإسلام، في أي زمان، وفي أي مكان:
وفي بداية هذه المؤهلات، في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ}:
كان من الملفت هو هذا التعبير: أن يقول: {تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}، فكأنهم سكنوا إلى الإيمان، واستوطنوه واستقروا فيه كما سكنوا في ديارهم، وهذا يُعبِّر عن الانتماء الإيماني الراسخ المتمكِّن، الذي لا تزلزله الشدائد ولا الإغراءات، فلا يتغيرون بفعل الشدائد عن انتمائهم، وعن ثباتهم، ولا بفعل الإغراءات والعوامل المؤثرة الأخرى، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً، عبَّرت عنها الآية المباركة بهذا التعبير: {تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}، فكأنهم سكنوا في الإيمان واستوطنوه، واطمأنوا إليه كما يطمئن الإنسان ويستقر في داره، وهذا شيءٌ مهمٌ جداً، فتميّزوا بانتمائهم الإيماني الثابت، الراسخ، المتمكّن، الذي جمع ما بين التزام العبادة والتزام المسؤولية، وليس مثل انتماء البعض من الأعراب، الذين حكى الله قصتهم في (سورة الحجرات): {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: من الآية14]، فكان هناك فارق بين هذين النموذجين:
نموذج يُعبِّر القرآن الكريم عن مدى انتمائه الإيماني، وثباته، ومصداقيته في الانتماء الإيماني، بهذا التعبير العظيم، الذي يعبِّر بشكلٍ جلي عن مستوى الرسوخ، والثبات، والتمكُّن، والاستقرار.
وعن تلك الحالة التي هي حالة كلامية، ولكنها بعيدة عن المصداق الواقعي للإيمان.
فانتماؤهم– بالنسبة للأنصار- انتماؤهم الإيماني كان يجمع بين التزام العبادة، والتزام المسؤولية، والمناصرة، والجهاد، والتضحية؛ فحملوا الإسلام كمشروع، ورسالة، ومسؤولية، وعملوا لإقامته، لإحيائه، لرفع رايته.
ثم كانت الميزة- وهذه ميزة أساسية، ومن أهم المؤهلات الضرورية- ما كان أيضاً- وهي مرتبطة بهذا الجانب- كان من المؤهلات المهمة: أنهم كانوا نواةً، ومجتمعاً، ودائرة قابلةً للنمو والتوسع والبناء:
ليسوا أنانيين، منغلقين على أنفسهم بعصبيات، أو مصالح ضيقة، أو حسابات ضيقة، هم ذائبون في الإسلام، همهم هو راية الإسلام، ورسالة الإسلام، والمشروع الإسلامي، والمناصرة الصحيحة، الصادقة، الجادة للرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”؛ ولذلك عبِّر عنهم بهذا التعبير المهم: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، بعظيم محبتهم للإسلام، وذوبانهم فيه، وحرصهم على كل ما يمثِّل عامل قوة في الانتصار، وفي إقامة الإسلام، وفي التمكُّن من النهوض في المشروع الإلهي في الأرض، فهم كانوا على هذا المستوى، على هذا النحو: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، يفرحون ويحبون من يهاجر إليهم؛ لأنهم يجدون فيه لبنةً في بناء صرح الإسلام العالي والشامخ، والبنيان العظيم للإسلام، فهم يحبونه؛ لمحبتهم العظيمة للإسلام، ولوعيهم بأهمية الدور لكل ما يمثل عامل قوة في بناء الأمة الإسلامية، وذوبانهم في خدمة الرسالة الإلهية، إضافةً إلى أنهم يحملون قلوباً زكت، ونفوساً زكت بالإسلام وبالإيمان، ليست مليئة بالأنانية والأحقاد، والحسد، والعقد.
وقلوب في نفس الوقت- وميزة هي أيضاً مرتبطة بهذه المؤهلات، ميزة مهمة للغاية- قلوبٌ تحمل إرادة الخير للآخرين، وسليمةً من الحسد والضغائن:
لأنك عندما تتحمل في إطار هذا المشروع العظيم نشر الرسالة الإلهية وهدى الله، لِيَعُمَّ بخيره ونوره الآخرين، لابدَّ أن تحمل إرادة الخير للآخرين في قلبك، وفي نفسك، هذه مسألة مهمة جداً، إذا لم تحمل هذه الإرادة، إذا لم يكن لديك هذا التوجه، هذه النفسية والروحية؛ فستكون أبعد ما تكون عن التحرُّك الجاد، الصادق والواعي، المشرف والعظيم في إطار هذه المسؤولية المقدسة، لنشر الإسلام، وحمل رايته، والنهوض بمشروعه.
وعبَّر عن هذه المسألة بقوله تعالى: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}، (لَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً): لا حسد، ولا ضغائن، ولا حساسيات، ولا عُقد… ولا أي شيء مما يبعث عليه الطمع، أو الرغبة، أو الحسابات والمصالح الشخصية… أو غير ذلك، (مِمَّا أُوتُوا) يعني: مما يؤتى المهاجرون، مما يعطى لهم: سواءً على المستوى المادي، أو على المستوى المعنوي، فليست لديهم حساسيات تجاه الآخرين، وما يعطى للآخرين في إطارهم الإسلامي، وفي إطار مجتمعهم كنواه مسلمة مكونة من المهاجرين والأنصار، وهذه ميزة مهمة؛ لأنَّ من أهم وأخطر عوامل الفرقة وأسوئها هي: الحساسيات والعُقَد، النابعة من الحسد تجاه ما يؤتى الآخر، ممن هو في صفك، في إطار أمتك، في إطار مشروعك العظيم، عندما تنتشر حالة الأنانيات والحسد، لا تبقى معها أُلفة، ولا أُخوَّة، ولا تعاون، ولا تفاهم، ولا وئام، ولا يتحقق التوحُّد المطلوب، المطلوب شرعاً، والمطلوب واقعاً للنهوض بالمشروع الإلهي، وفي نفس الوقت تمثيله، وتجسيد قيمه وأخلاقه، فهذه ميزة تدل على سلامة صدورهم من آفة الأنانية، والحسد، والعقد… وغير ذلك.
ثم أيضاً المزية الرابعة، وهي ذات أهمية كبيرة جداً، وتعتبر في موقعها في الأخلاق والقيم ذات مستوى متقدم، وعالٍ، وراقٍ جداً، قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}:
يحملون روحية العطاء والإحسان والتقدمة، إلى درجة الإيثار على النفس، حتى مع الظروف الصعبة، ومع الفقر والحاجة، فهم يحملون هذه الروحية الممتازة العظيمة جداً، وهي مؤهلةٌ كبيرة جداً للنهوض والمسؤولية، عندما يكونون من يتجهون في إطار المشروع الإلهي بهذه النفسية، بهذه الروحية: روحية العطاء، البذل، التقدمة، يقدِّمون الجهد، يقدِّمون المال، لا يبخلون بشيء، وهم سليمون من الحساسيات والعقد والأنانيات، التي تسبب الفرقة، وتثير الخلاف، والنزاع، والشقاق، والأطماع، والتغالب على الأطماع.
ثم يختمها بختامٍ عظيمٍ ومهم، له علاقةٌ بها بكلها، وهو قوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}:
بتلك المواصفات التي تقدمت، وقاهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من شُحّ النفس، وَشُحّ النفس يعتبر من أخطر العوائق المعوّقة عن الفلاح، التي تعيق الإنسان عن الفلاح بما يعنيه: من الضفر بالخير، والفوز بالخير، والنجاح في الوصول إلى الأهداف العظيمة، والضفر بالمطلوب الذي يسعى الإنسان لتحقيقه، وفي المشروع الإلهي، في المشروع الإسلامي، في مشروع الرسالة الإلهية، الإنسان يسعى لتحقيق أهداف عظيمة ومقدسة في الدنيا والآخرة، والغاية عظيمة: رضوان الله، والجنة، والنجاة من عذاب الله، والثمرة العاجلة في الدنيا: العزة والكرامة، والحريَّة بمفهومها الصحيح، والعدل والخير، أهداف عظيمة جداً، ونجاحات ذات أهمية كبيرة للإنسان، في سموِّه الإنساني، وفي كرامته الإنسانية، وأيضا فيما يأمله كإنسان مؤمن من أهدافٍ إيماني.
فأمكن بتلك المواصفات العظيمة، التي تعني السلامة من شُحِّ النفس، الذي هو أخطر المعوّقات، فالسلامة منه ساعدت على الفلاح، على النجاح؛ ولهذا كانوا حاضنةً ناجحة، الأنصار حاضنة ناجحة، نجحت في تحركها بالمشروع الإلهي، في أن تذوب كأمة، كنواة، مع المهاجرين لتكوين مجتمعٍ واحد، والنهوض بحمل المشروع الإلهي، والرسالة الإلهية، وحمل راية الإسلام، فتحققت النجاحات الكبيرة، والانتصارات العظيمة، التي تغيَّرت بها حالة العربي جميعاً آنذاك وانتقلت بهم إلى واقعٍ مختلف، بالرغم من أن التحديات كانت كبيرة وكثيرة، في محيطهم على المستوى العربي، ومحيطهم على المستوى العالمي، لكن بتلك المواصفات أمكن لهم أن يحظوا برعاية الله، وتأييد الله، ومعونة الله، ونصره، وكان لديهم القابلية لأن يتحركوا بالمشروع العظيم الإلهي.
فإذاً يتبين لنا خطورة الشُح، الشُح بما يعنيه من نفسية الأخذ، والاستحواذ، والأنانية، وعدم إرادة الخير للآخرين، الذي هو مصابٌ بشُح النفس، ريد أن يأخذ ولا يريد أن يعطي، يريد أن يستحوذ على الأشياء هو لنفسه، يتمحور دائماً حول ذاته، حول ما يتصور أنه يمثل مصالح شخصية له، يجعل ذلك فوق كل شيء، فوق كل الاعتبارات، فوق كل الأمور، مهما كانت عظيمة ومهمة، وهي نظرة خاطئة؛ لأن الخير الحقيقي، والمصلحة الفعلية للإنسان، هي: عندما يذوب في الله، وعندما يتَّجه الاتجاه العام ضمن أمة، في مشروعٍ إلهيٍ عظيم، هذا عائدته لك شخصياً عائدٌ عظيم، ثمرته ثمرةٌ كبيرة، عواقبه هي العاقبة التي وعد الله بها المتقين في الدنيا والآخرة.
ولكن عندما ينفصل الإنسان من التَّوجُّه العام، إلى التمحور حول الذات والحسابات الشخصية؛ يصبح مكبلاً ومقيداً بالأنانية، بالحساسيات والعقد، بالنظرة الضيقة والحسابات الضيقة؛ وبالتالي لا يحمل روحية العطاء، روحية التقدمة، روحية البذل للجهد، والبذل للعمل، والإيثار على النفس، مثل: تلك المواصفات العظيمة، ولا يسلم قلبه من حمل العقد والأحقاد، بدلاً من: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، يمكنه أن يحمل في قلبه العقد، بل إلى درجة الكراهية أحياناً، لمن هم من رفاقه في إطار المشروع الإلهي، والمسؤولية الجهادية والإيمانية؛ فيصبح قلبه ممتلئاً بالعقد، والأحقاد، والضغائن، ليس قلباً سليماً، ليس صافياً بالمحبة الصادقة؛ بل هو مُعقَّد، هذا يؤثِّر حتى على مستوى التوحد، وبذل الجهد الجماعي، والتعاون اللازم، الذي لابدَّ منه لانتشار نور الإسلام، ولانتصار المشروع الإلهي، لابدَّ من أمة مُوَحَّدَة، وَمُوَحِّدة لله تعالى، متآخية، متعاونة، تسود بينها الألفة، والمحبة، والوئام، والتفاهم، والتعاون على البر والتقوى، فإذا دخل الشُّح؛ تفرَّع عنه:
الأنانية.
الأحقاد.
العقد.
الحسابات الشخصية.
التمحور حول الذات.
الحسابات الضيقة.
بدلاً من أن تنظر نظرة الإسلام: ما الذي يمثل قوةً للأمة، ما الذي فيه الخير، ما الذي يؤدي إلى انتصار أمتك التي أنت منها؛ تحسب دائماً حساب واقعك أنت، شخصيتك أنت، مصالحك الشخصية في حدودها الضيقة فقط؛ هذا يُكَبِّل الإنسان عن مستوى العطاء، عن مستوى ما يُقدِّم، عن مستوى العمل، يترك الكثير من الأعمال، لا يُقدِّم الكثير من الأشياء؛ لأنه يحسب دائماً الأمور بالحسابات الضيقة، من منظوره الشخصي، ومصالحه الشخصية، وهي حالة خطيرة جداً، يؤثِّر ذلك على الإنسان؛ ولذلك لا يتحقق الفلاح، بما يعنيه من: ضفرٍ بالخير، وفوزٍ، ونجاة، الذي وعد الله به المؤمنين: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}[المؤمنون: الآية1]، هم في هذه الحياة هم الفائزون، الذين يضفرون بأعظم وأسمى ما يمكن أن يضفر به أحد ويفوز به أحد، فوزهم لا مثيل له أبداً، ما يتحقق لهم من النتائج والغايات العظيمة في الدنيا والآخرة لا مثيل له أبداً، المستقبل الأبدي هو لهم، لصالحهم: رضوان الله، وجنته، والسلامة من عذابه، في الدنيا يتميزون عن كل المجتمع البشري، بما تميزوا به من نور الإسلام وهداه، وتجسيد قيمه وأخلاقه، وما يترتب على ذلك في واقع حياتهم: على مستوى سموِّهم الإنساني، وعلى مستوى النتائج في الواقع، فلا فلاح ولا نجاح، ولا فوز ولا ضفر، ولا وصول للأهداف العظيمة المُقدَّسة، لا لشخص، ولا لمجتمع، ولا لأمة؛ إلَّا بالخلاص من الشُّح؛ لأنَّ الإنسان في حالة الشُّح، يجمع بين الطمع وبين البخل، وبين السيطرة، والاستحواذ، والتغلُّب، والأنانية، والنظرة الشخصية، والتمحور حول الذات، كلها أمور تبعثر الأمة، تفرقها، تَحُوْل بين أن تتجه أي أمة أو أي جماعة اتجاهاً صحيحاً، قائماً على التكامل، على التعاون، على تضافر الجهود، على توجيه جهدٍ جماعيٍ منسقٍ في اتجاه تحقيق نتائج معينة، والنهضة بأعمال معينة، وهذا واضحٌ في الآية المباركة: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
يكون دور الإنسان إذا سلم من الشُّح يكون دوراً بنَّاءً مثمراً، يكون مجهوده قوياً، نفسه زاكية، هو غير مكبَّل في التحرك بكل طاقاته وجهوده، للإسهام في نصرة الإسلام وخدمة قضيته، والنتيجة هي الفلاح؛ ما نعطيه لأجل الإسلام، ما نعطيه في سبيل الله تعالى، ثمرته لنا، كما حصل في واقع المسلمين الأوائل: كانت النتيجة لصالحهم: عِزَّةً، حُرِّيَّةً، كرامةً، سمواً؛ حتى أصبحوا الأمة الرائدة في الأرض.
وللأسف الشديد فالشح حالة حاضرة في هذه المرحلة في واقع المسلمين وبشدة، وعائق خطير، عائق خطير في واقع الأمة، معوِّق عن الخير، ويَحُوْل بين الأمة وبين الفلاح والنجاح والضفر، أن تكون أمة ناجحة، أمة تخرج من حالة الفشل والإخفاق والخسارة؛ لأن البديل للفلاح هو الخسارة، هو الفشل، هو الضياع هو الإخفاق، لا ترتفع للأمة راية، ولا يقوم لها بنيان، إذا بقيَّت في حالة الشُّح.
وحذَّر الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” في نصوص كثيرة من الشُّح:
من ضمن ذلك: فيما روي عنه قوله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”: ((إِيَّاكُمْ وَالشُّح فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّح، أَمَرَهُمْ بِالكَذْبِ فَكَذَبُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالظُّلمِ فَظَلَمُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا))، الإنسان بالشح يكون على قطيعة حتى مع البعض من أقاربه وأرحامه، مع إخوته في الجهاد في سبيل الله في الإسلام، مع مجتمعه، يدخل في حساباته الضيقة تلك؛ فيكون مُؤْثِراً لها على كل شيء.
يقول أيضاً فيما روي عنه: ((لَا يَجْتَمِعَ الشُّح وَالإِيْمَان فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَداً))، فعلاً الإيمان حاله في مبادئه، في قيمه، في أخلاقه، في أثره، في الإنسان تتنافى تماماً مع الشُّح.
يقول أيضاً في سياق نصٍ آخر: ((وَاتَّقُوا الشُّح))، يعني: احذروه، احذروه، اسعوا للوقاية منه، فيما يَقِيكُم منه، ((فَإِنَّ الشُّح أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُم عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ))، يصل بالإنسان إلى ذلك المستوى: إلى التوحش، لمصالحه الشخصية وحساباته الشخصية يفقد إنسانيته، يفقد الرحمة، القيم العظيمة التي تميِّز الإنسان كإنسان، ويتحوَّل إلى متوحش، هائج وشرير؛ من أجل مصالح شخصية ضيقة، مستعد حتى أن يسفك دماء الآخرين، يكرههم، يبغضهم، يعاديهم، يتحرش بهم، يدخل في مشاكل كبيرة معهم، يستفزهم، ويصل معهم إلى درجة سفك الدماء، حالة خطيرة جداً، وهو حالة ينبغي الحذر منها، في تأثيرها السيئة على الأمة، على الإنسان كشخص.
لذلك ينبغي الحذر من الشح، وفي المقابل ينبغي السعي لحمل المؤهلات العظيمة التي حازها الأنصار آنذاك، لماذا؟ لأنَّها مؤهلات ضرورية، ضرورية لأي مجتمعٍ يحمل راية الإسلام والجهاد، ويتحرك لنهضة المسلمين، ولبناء الحضارة الإسلامية في أي زمن، في أي زمنٍ لابدَّ من هذه المؤهلات، وجديرٌ بشعبنا اليمنى المسلم العزيز، يمن الإيمان والحكمة، الذي قال عنه رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”: ((الإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، أن يرث من آبائه الأوائل هذا الدور العظيم، في حمل راية الإسلام والجهاد، وأن يكون الإسلام هو مشروعه في هذه الحياة بهذه المؤهلات، مؤهلات عظيمة وراقية، وضرورية لهذا الدور، مرتبطةٌ به تماماً.
ومن المهم أيضاً، من المهم جداً لكل المسلمين أن يكون من أهم الدروس من هجرة النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: والوعي بأسباب خسارة مجتمع مكة القرشي، وفوز وفلاح مجتمع الأنصار في المدينة، أن يكون من أهم الدروس والتمسُّك بأصالة الإسلام، وتجسيد قيمه، والحذر من الزيغ، المجتمع المكي لم يفلح آنذاك، خسر، خسر أشرف دور، وأقدس مهمة: أن يكون هو الذي ينشر نور الإسلام، ويحمل راية الإسلام، ويحظى بالشرف العظيم، واتَّجه في اتجاه آخر، لمحاربة النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”؛ أمَّا مجتمع الأنصار فهو المجتمع الذي أفلح، ونجح، وضَفِر، وفاز بالشرف العظيم، وبالنتائج العظيمة التي لها مكاسب كبيرة جداً في الدنيا والآخرة؛ فيتضح في خيارات الأمم، وخيارات الشعوب، وخيارات المجتمعات، ما هو الخيار الصحيح.
خيارنا الصحيح كمجتمعٍ يمنيٍ مسلم، والخيار لكل المسلمين جميعاً في كل الدنيا، هو: العودة إلى أصالة الإسلام، والتَّمسُّك بمبادئه وقيمه التي تنهض بالأمة، ثمرتها للأمة، للمسلمين؛ ليعودهم إلى الدور المفترض بهم، إلى دورهم الحقيقي، ومسؤوليتهم المقدسة، التي تجعل منهم هم الأمة الرائدة في كل الدنيا، الرائدة للمجتمع البشري، التي تنشر نور الإسلام، ومبادئه، وقيمه، ونحن في هذه المرحلة في الجاهلية الأخرى أحوج ما نكون إلى الإسلام؛ لأننا نرى القوى الأخرى المناوئة للإسلام، والمحاربة للإسلام، كيف تنحط بالمجتمع البشري عن قيمه الإنسانية، وعن الأخلاق البديهية والفطرية، وكيف تنشر الظلم والفساد والإجرام في الدنيا، وتسبب الشقاء للمجتمعات، وتنشر في كل أرجاء الدنيا الضلال والفساد، كمهمة أساسية لها، وهي التي ارتبطت بالشيطان، ارتبطت بالشيطان وأصبحت تتحرك تتحركاً شيطانياً لإفساد المجتمعات البشرية، وإغوائها وإضلالها؛ وبالتالي يتَّجه أثر ذلك في واقع المجتمعات البشرية، إلى حالة الشقاء بكل ما تعنيه الكلمة؛ ولذلك نرى الواقع العالمي اليوم- حتى في مختلف المجتمعات- واقعاً يعاني من أزمات كثيرة في كل شيء: أزمات سياسية، أزمات اقتصادية، أزمات اجتماعية… مختلف الأزمات، وكل تلك المعاناة صنعها أولئك الأشقياء، الضالون، المجرمون، من قوى الشر والاستكبار والطاغوت، الذين يتحركون تحركاً وامتداد للشيطان في إغوائه للبشر وعدائه للبشر؛ لابدَّ أن يُقابل ذلك بالإسلام، بمشروعه العظيم، الإسلام كرسالة، والإسلام كمشروع، يُنقذ البشر، يحررهم من العبودية للطاغوت، يحفظ لهم القيم الأصيلة الإنسانية الفطرية الإلهية، التي تحقق لهم الخير، وتسمو بهم، وتحميهم من التبعات والآثار السيئة للفساد، والضلال، والباطل، والشر، والإجرام، والظلم، والطغيان.
فالمسلمون بحاجة إلى أن يعودوا إلى أصالة الإسلام، لا أن يتَّجهوا ضمن خضوعهم لقوة الطاغوت والشر، التي تبعدهم عن أصالة الإسلام، عن نوره، عن مشروعه العظيم، أن يتجهوا إلى الزيغ، وهذا ما هو حاصلٌ بالنسبة لبعض الأنظمة العربية، وفي المجتمع الإسلامي- في مناطق متعددة وللأسف الشديد- وصل الحال ببعض الأنظمة العربية أن ترتبط باليهود الصهاينة، وبمعاهد ومؤسسات هي مؤسسات تابعة لليهود الصهاينة، ومن مؤسساتهم المعروفة بلا إشكال- يعني: شيءٌ ثابت، ليس مجرد اتهامات، وحقائق ثابتة ومعروفة- في أن يغيروا المناهج الدراسية لصالح اليهود، فيما يُدَجِّن شعوب هذه الأمة لليهود الصهاينة، وفيما يرسِّخ نظرة خاطئة، وجاهلة وسخيفة، إلى أعداء هذه الأمة من اليهود الصهاينة وأعوانهم، أعوانهم من الكافرين والمنافقين، كلها تُدَجِّن الأمة لهم، وتُخضع الأمة لهم، وتُقدِّم نظرة غير صحيحة، غير واقعية لهم، وكأنهم هم من يحملون الخير للمجتمع البشري، بكل ما هم عليه من إجرامٍ واضح، لو لم يكن إلَّا ما يحصل حالياً في غزة منذ بداية عدوانهم الأخير على قطاع غزة، وما حصل من دعم ومساندة لهم من الأمريكيين، وبعض الدول الأوروبية، وما يتجلَّى في العالم من اتجاه للانحدار بالمجتمع البشري، على يد اليهود الصهاينة وأعوانهم من الكافرين والمنافقين، الانحطاط بالمجتمع البشري إلى الهاوية، والانحدار به إلى الهاوية؛ لنبذ الأخلاق، للتنكر للقيم، للتوحش، للدناءة والانحطاط، وصولاً إلى الظاهرة التي انتشرت في المجتمعات الأوروبية، من اختيار البعض من البشر إلى أن يحوِّلوا أنفسهم وكأنهم بشكل حيوانات أخرى: كلاب، وقردة… وغير ذلك، ذلك الاتجاه هو اتجاه يستهدف البشرية؛ لإذلالها وإهانتها، وفقاً للنظرة اليهودية التي تعتبر بقية البشر غير بشر حقيقيين، هذه نظرة بالنسبة لهم نظرة معتمدة، وفكرة قائمة، ويتحركون على أساسها، ويريدون أن يتَّجهوا بالمجتمعات البشرية لتقِّدم شواهد على ذلك: أنهم ليسوا ببشر حقيقيين، حتى في عالمنا العربي، في عالمنا الإسلامي يريدون من ابناء هذه الأمة أن يتحولوا إلى وضعية يقدِّمون فيها الشاهد على أنهم ليسوا بشراً حقيقيين، ويعترفوا على أنفسهم بذلك، هذا شيءٌ مؤسف!
هجمة التزييف كبيرة وخطيرة، وهدفها: تدجين المسلمين لأعدائهم اليهود الصهاينة، وأعوانهم من الكافرين والمنافقين، وهي تعمل بشكلٍ واسع في تغيير المناهج الدراسية وفق ذلك التوجه، كما هو حاصل في السعودية، والإمارات، ومصر، والمغرب، بإشراف وتقييم من لجان وجهات يهودية إسرائيلية.
وكذلك الهجمة الإعلامية، والحرب الناعمة في شقيها (الإضلال الفكري، والإفساد الأخلاقي)، هي هجمة غير مسبوقة على أبناء هذه الأمة، غير مسبوقة في وسائلها، وأدواتها، ووسائلها، وتستهدف المسلمين؛ بهدف السيطرة عليهم عبر ذلك، استهداف خطير جداً، استهداف خطير، وهدفه السيطرة الكاملة على الإنسان، الإنسان المسلم، ويشتغلون بذلك في بقية المجتمعات البشرية.
أيضاً مسار الاستقطاب للخيانة، والعمالة، والاختراق للمجتمعات والشعوب والدول، تحت هذا العنوان، في هذا المسار نفسه، مثلما لاحظنا في بلدنا، فيما يتعلق بالخلايا التي كانت تعمل لصالح العدو في مختلف المجالات، ولا يزال هناك خلايا، البعض منها سيكشف النقاب عنها قريباً إن شاء الله.
لذلك ينبغي الحذر، وأن تكون مثل هذه المناسبة المباركة: العام الهجري، دخول العام الهجري… وغير ذلك من المناسبات، مما تستفيد منه أمتنا، في التحصين لوضعها الداخلي من الاختراق المعادي الحقود، المفسد المضل لها، وأن تكون أيضاً من العوامل المهمة لاستنهاض الأمة، للعودة إلى أصالة الإسلام، والنهوض وفق دورها ومسؤوليتها الحقيقية.
كذلك بالنسبة للأخوة المسلمين في المجتمعات الغربية، والبلدان التي هم فيها أقلية، من المهم أن يحرصوا على تجسيد قيم الإسلام، وإظهار عظمته، وجمال قيمه وأخلاقه، وأن تكون أيضاً كلمتهم موحدة، بما يساعدهم على أن يحافظوا على أنفسهم، وأن يحظوا بحقوقهم، وأن يكون إسهامهم في بلدانهم إسهاماً عظيماً، قيمياً، أخلاقياً، مُصلحاً… إلى غير ذلك.
أيضاً فيما يتعلَّق ببداية العام الهجري، هي أيضاً فرصة للإنسان، فرصة مهمة جداً، بالنظر إلى انتهاء عام وبداية عامٍ جديد، هذه المناسبة هي مهمة ليلتفت الإنسان إلى واقعه الشخصي، على المستوى الشخصي؛ لتقييم نفسه، بدءاً بعلاقته بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كمرتكز أساس لبقية الأمور، لبقية التفاصيل، لبقية المواضيع، وأيضاً التقييم على مستوى جماعي، كأمة منطلقة، وكمن تربطهم مسؤولية واحدة، توجه واحد، تقييم الإنسان لأدائه لمسؤولياته على المستوى الشخصي، وفي إطارٍ جماعي، وبناءً على ذلك: يدرك الإنسان جوانب النقص والقصور لديه، ويتحرك بعزمٍ جديد، وانطلاقةٍ جادة، مستعيناً بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، منطلقاً على أساس الاهتمام بأولويات مهمة وواضحة ومحددة، في إطار مسؤولياته.
الأعوام التي تمضي من عمرك، من حياتك، ما مضى هو من عمرك الذي يطويه الزمن، وصولاً إلى الأجل، ثم الرحيل من دار الفناء؛ لذلك من المهم جداً للإنسان أن يأخذ بعين الاعتبار هذه المراحل الزمنية، ما مضى كعام هو عامٌ من عمرك، الذي يطويه الزمن، وينتهي بالأجل، لتنتقل من دار الفناء، إلى الدار الآخرة، أمامك المسؤولية، والحساب، والجزاء، لا يغفل الإنسان ويفرِّط ويضيع الوقت ثم يندم، عندما يحين الانتقال من هذه الحياة، هذا على مستوى البعض من الدروس والعبر ذات الأهمية الكبيرة جداً لنا للاستفادة من هذه المناسبة.
فيما يتعلَّق بالمحاور الأخرى:
من أبرز ما يعنينا في بداية هذا العام، وفي هذا العام بشكلٍ عام في بلدنا، وضمن اهتماماتنا ومسؤولياتنا، هو: العمل على تشكيل الحكومة، وكذلك الانطلاقة في تصحيح وضع القضاء:
كُنَّا أعلنا هذه المسألة في كلمتنا في ذكرى المولد النبوي الشريف، ولكن طرأ من بعد ذكرى المولد النبوي ما طرأ من الأحداث: طوفان الأقصى، وتطورات الوضع في فلسطين، فاتَّجهنا بأولويتنا للاهتمام بذلك، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، وهي أولوية تستحق منَّا، بحسب أهميتها الدينية، والإنسانية، والأخلاقية، تستحق منَّا أن نعطيها الاهتمام، ومع ذلك بقي ضمن اهتماماتنا الأساسية التحضير المستمر في عملٍ مستمر للتغيير الحكومي، وكان العمل في عدة مسارات أساسية:
منها مراجعة هياكل ونُظُم الحكومة، ووزاراتها، ومؤسساتها، وتشخيص مكامن الخلل، والتضخم، والتداخل فيها، ومن ثَمَّ إعادة تصميم الهياكل، والأهداف، والمهام من جديد، وهذا المسار تطلَّب جهداً ووقتاً، مع استقبال أيضاً المقترحات والأفكار الكثيرة التي وصلتنا، من كثير من الشخصيات والجهات، ومراجعتها، والتدقيق فيها، والاستفادة منها.
المسار الثاني: كان هو استقبال الترشيحات، والاقتراحات المتعلِّقة بمسألة التعيينات، والمسؤولين، والموظفين، ودراستها، وإخضاعها للتدقيق، والفحص، وللتقييم وفق مجموعة من المعايير، وبالمناسبة وصل إلينا الآلاف من الأسماء المقترحة، والمرشَّحة.
والمسار الثالث: هو إعداد موجِّهات برنامج عمل الحكومة؛ لضبط مسار عملها بعيداً عن الشتات، وبما يساعدها على تحديد أولوياتها وفقاً لذلك.
هذه كانت ثلاث مسارات تأخذ جزءاً أساسياً من الوقت والاهتمام، وبشكلٍ مستمر، مع الشواغل الأخرى، ومع الأولوية الكبرى فيما يتعلَّق بـ (معركة الفتح الموعود والجهات المقَّدس)، وهناك تفاصيل كثيرة سنتحدث- إن شاء الله- عنها مع إعلان الحكومة، في كلمة مخصصة لذلك، مع نقاط أخرى مهمة تتعلق بهذا الموضوع إن شاء الله، هذا ما سنحرص عليه- إن شاء الله- في بداية هذا العام، خلال شهر محرم وشهر صفر، كذلك فيما يتعلَّق بوضع القضاء.
طبعاً قد يرى الكثير من الناس أنَّ تشكيل الحكومة تأخر من بعد الإعلان عن هذا الموضوع، في كلمة ذكرى المولد النبوي الشريف، وفعلاً تأخر، لكن لمجموعة أسباب، كما قلنا: في مقدِّمتها دخولنا في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس) نصرةً للشعب الفلسطيني، ولأن المسألة لم تكن فقط مجرد مسألة عدة أشخاص ليأخذوا هذا الدور، وليكونوا في هذه المسؤولية، مسار كان لابدَّ فيه من عمل مستمر، ويحتاج أيضاً إلى عمل مستمر، ومواكبة مستمرة، وبما في ذلك: السعي لتطهير مؤسسات الدولة؛ لأن وضع الوزارات ومختلف الجهات الرسمية هو ملغم بالعناصر التي تعمل على الإفشال، على الإخفاق، على الإعاقة، وتعمل أيضاً على الإفساد للأمور، ودورها يخدم أعداء هذا الشعب، وأعداء هذه الأمة، وإن شاء الله يستمر العمل في ذلك بكل ما يلزم له بإذن الله تعالى، ولا يقتصر الأمر على هذا، نحن- إن شاء الله- مع استكمالنا للموضوع الحكومي، ثم الاستكمال كذلك للموضوع القضائي، نتَّجه- بإذن الله تعالى- إلى بقية الجهات والمؤسسات، التي تحتاج إلى عمل، وإن شاء الله بوتيرة تكون أسرع بإذن الله.
هذا لابدَّ فيه أيضاً من التعاون الشعبي، ومن التفاهم الشعبي؛ لأننا نعمل في ظروف معقَّدة، الأعداء يحاربوننا بكل الأشكال، يعني: هناك عدوان أمريكي وبريطاني، ومواجهة مع الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، وهناك أعوانهم، الموالون لهم من العرب، ومن البلد، الذين يعملون ضد شعبنا العزيز في كل المجالات.
الحرب ليست فقط مجرد حرب عسكرية، بل هي في الجانب الاقتصادي بأكبر منها في الجانب العسكري، وهي كذلك في بقية المجالات: حرب في المجال السياسي، حرب في المجال الاجتماعي… حرب بكل الأشكال، وعدوان شامل، واستهداف كامل، فلابدَّ من التعاون والتفهُّم للمتطلبات اللازمة لمسار التصحيح والتغيير، وأيضاً للمعوقات، وكيفية معالجتها بحكمة.
المحور الثالث في كلمتنا هذه يتعلق بـ (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس):
بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وبتوفيقه كانت الانطلاقة لشعبنا العزيز، ولموقفنا المتميز في هذا البلد رسمياً وشعبياً، هذا كله بتوفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما وفَّق الله له في إطار هذا الموقف، من أعمال مؤثِّرة على الأعداء، وتأثيرها واضح، والأعداء يعترفون بذلك.
كان فيها المسار العمليات المتعلَّق بالعمليات البحرية، في البحر الأحمر، وخليج عدن، وباب المندب، والبحر العربي، وصولاً إلى المحيط الهندي، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، المسار العملياتي، والمسار التقني، وكلاهما أذهل الأعداء، أذهل الأمريكيين، أذهل البريطانيين، واندهش منه الإسرائيليون، وهم يتحدثون عن أنهم يدرسون ذلك، ويستفيدون من ذلك، لقد فاجأهم الابتكار غير المألوف، وهذه من أهم المميزات، التي إنما كانت بتوفيق من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
عندما بدأت العمليات التي قامت بها القوات المسلحة في بلدنا، لمناصرة الشعب الفلسطيني، كان الأمريكي يتصوَّر أنَّ بإمكانه أن يوقف هذه العمليات، بالنظر إلى إمكاناته الضخمة على المستوى التقني، على المستوى العسكري، بالرغم مما يمتلكه أيضاً على مستوى التكتيك من خبرات، وكان واضحاً في تصريحاتهم في البداية أنَّ لديهم اطمئنان إلى أنهم سيحققون هذا الهدف، ولكنهم فوجئوا، كل ما يمتلكونه من تكتيك وخبرة، ومن إمكانات، وتقنيات، ووسائل، لم يفدهم شيئاً، كل ما كانوا يحسبون حسابه أنهم سيعملونه، هم يمتلكون:
إمكانيات ضخمة في مجال الرصد، والمراقبة، والاستطلاع، والحصول على المعلومات: يمتلكون الأقمار الصناعية، طائرات الاستطلاع المتطوِّرة، يمتلكون وسائل كثيرة جداً تساعدهم على الرصد، إضافةً إلى جواسيسهم الذين ينشطون بكثافة.
ويمتلكون- في نفس الوقت- الإمكانات القتالية المتطوِّرة: الطائرات، الصواريخ، القنابل، القاذفات والبوارج التي تستهدف من البحر إلى البر.
فهم كانوا يطمئنون إلى أنهم من خلال رصدهم المستمر بالوسائل المتطوِّرة، والإمكانيات الضخمة، سيرصدون أي تحرُّك للصاروخية، أو البحرية، أو للطيران المسيَّر، ويستهدفونه على الفور، وأنهم سيستهدفون المصانع في بلدنا، التي تنتج وتصنع الصواريخ، والطائرات المسيَّرة، والزوارق البحرية الحربية… وغير ذلك، وكانوا مطمئنين إلى أنهم متمكِّنون في هذا الجانب، وكانت تصريحاتهم يَظهَر فيها الغرور، والكبرياء، والطغيان، كما هي العادة بالنسبة لهم، لكنهم فوجئوا إلى أنهم لم يتمكنوا من ذلك، فلا هم تمكَّنوا من تدمير المصانع، ولا المخازن، ولا إيقاف العمليات، ولا الحد منها، فوجئوا بأن هناك تكتيكات ممتازة جداً، ووفَّق الله لها الإخوة المجاهدين الأعزاء في الصاروخية، والبحرية، والتصنيع… وكذلك مختلف التشكيلات المعنية بالعمليات، تكتيكات جديدة، انبهروا منها، نظروا إليها كمدرسة جديدة في المجال القتالي، وقالوا هم في وسائلهم الإعلامية، بما عبَّر به ضباطهم، خبراؤهم، مسؤولوهم: [بأنها مدرسة يستفيدون منها هم في مناطق أخرى، وحروب أخرى، وأحداث أخرى]، فأصبح الأداء المميز- بتوفيقٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- لقواتنا المسلحة، نموذجاً ناجحاً مميزاً، انبهر منه الأعداء واعتبروهم مدرسة جديدة، فيها ابتكار، فيها خروج عن المألوف، فيها تجاوز وتغلُّب لما لدى الأعداء من تقنيات وتكتيكات يعتمدون عليها؛ ولذلك كان واقع الأعداء الفشل الواضح، وتحوَّلت التحديات بالنسبة للإخوة المجاهدين إلى فرص، وظهر فشل الأعداء بشكلٍ كبير.
ظهر أيضاً حجم التأييد الإلهي، والمعونة من الله تعالى، فوق ما يتخيله الناس، أنا أؤكد على هذه الحقيقة، الذي منَّ الله به من المعونة، والنصر، والتأييد، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، فوق ما يتخيله الناس، يحتاج استيعاب، إلى تأمل، إلى تفهم؛ لأن هناك حقائق واضحة، ووقائع، وقائع تثبت هذه الحقيقة، الأحداث من جهة، ما حصل ويحصل، واعترافات الضباط، والمسؤولين، والخبراء، والدراسات لدى الأعداء من جهة أخرى، يمكن للإنسان أن يتحقق من هذا، ويتَّضح له ذلك، فهزيمة القوة البحرية، وفشلها، وما حدث لحاملة الطائرات، التي كانت أعجوبة لدى الأمريكيين، والدول الغربية، فيما يمتلكه الأمريكي من قدرات عسكرية، كان يخيف بها الآخرين، يكفي عندما يتأزم الوضع بينه وبين الصين، أو أي دولة أخرى، أن يبعث حاملة الطائرات؛ ليرجف، ويخيف، وليحاول أن يزرع الهزيمة النفسية، وأن يضغط.
أمَّا حينما يبعث حاملة الطائرات ويرسلها للعرب، فهي الحالة الغريبة جداً، مستوى الرعب، والذعر، والانهزام، والضعف، إلى درجة رهيبة جداً، هذا واضح في الواقع العربي، ما إن تأتي حاملة الطائرات لتصل إلى الخليج، أو لتصل إلى البحر الأحمر، أو إلى البحر الأبيض المتوسط، إلَّا ويخضع الزعماء العرب بمعظمهم، ويخشعون، وترتعد فرائصهم، ويتراجعون عن أي شيءٍ لا تريده أمريكا، ويوافقون على أي شيءٍ تطلبه منهم أمريكا، يخضعون خضوعاً مطلقاً لأمريكا.
ففي إطار أن تأتي أمريكا بحاملة الطائرات، لتكون ضمن وسائلها، وما تعتمد عليه في مواجهتها، في عملية الإسناد: إسنادها للعدو الإسرائيلي ضد بلدنا، فإذا بها يتغير حالها تماماً؛ لأنها أصبحت مستهدفة بالنسبة لقواتنا المسلحة، جعلت منها هدفاً أساسياً، وصيداً ضخماً، وأصبحت مطاردةً بكل ما تعنيه الكلمة في البحر.
كان الإخوة الأعزاء المجاهدون في الصاروخية، والمسيَّرة، والبحرية، يبحثون عنها بحثاً، يحاولون أن يعرفوا أين هي بالتحديد؛ ليستهدفوها، وعندما يحصل أي استهداف يتوجه نحوها، كانت تهرب، ومن هروب إلى هروب، وهي تهرب من هنا إلى هناك، تحوَّلت مهمتها في البحر إلى مهمة هروب، بدلاً من مهمة الهجوم، وحالة الضغط النفسي، والرعب، والذعر، والخوف لدى طاقمها، والعاملين عليها، كانت واضحة، وهم يتحدثون هم عن ذلك، وصل الحال بكثيرٍ منهم إلى المرض النفسي، والأزمات النفسية الكبيرة جداً، والحالة- كذلك- مع بقية القطع الحربية، تقوم بمهمة الهروب بأكثر من أي مهمة أخرى.
كذلك فيما يتعلِّق بفخر الطائرات الأمريكية في الطيران غير المأهول [MQ-9]، [MQ-9] حالها أيضاً اتَّجهت إلى أن وصلت إلى اليأس في أن يكون لها دور فاعل ومعتمد عليه، لإنجاز المهمات التي تعوِّل عليها أمريكا، عندما كانت تضرب، وتستهدف، وتسقط باستمرار، وهذا مؤثِّر على الأمريكي، وهناك تقارير كثيرة، وتصريحات كثيرة، واعترافات كثيرة، من مسؤوليهم، وضباطهم، وأصحاب الدراسات والخبرات لديهم، بهذا الشأن، فما حصل لهم أن [تبوِّر] طائرات [MQ-9]، وأن [تبوِّر] حاملة الطائرات بنفسها، إلى درجة أن يقولوا عنها في أمريكا: أنه يظهر أنها أصبحت سلاحاً قديماً، عفا عليه الزمن، لم يعد بإمكانها أن تؤدِّي الدور الذي كان لها سابقاً؛ لأنها أصبحت في محل عامل ضغط عليهم؛ تُستهدف، وتنشغل بمهمة الهروب من هنا إلى هناك، وتمثل هذه إشكالية كبيرة عليهم، هذا الشيء مهم جداً، وتطور كبير في مسار الأحداث، ومن مصادق وشواهد التأييد الإلهي العظيم.
استخدام قواتنا المسلحة للصواريخ البَالِسْتِيَّة، ضد أهداف بحرية متحرِّكة، وكذلك القصف بمديات بعيدة إلى المحيط الهندي والمتوسط، كل ذلك نجاحٌ عظيم بمعونة الله وتأييده، انبهر منه الأعداء، وتفاجأوا به، وحسبوا له حسابه، واعتبروا مسألة استخدام الصواريخ البَالِسْتِيَّة ضد أهداف بحرية متحرِّكة: أنه لأول مرة في التاريخ يحصل.
ومع الفشل العسكري الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، ومع النجاح الكبير، والانتصار العظيم، الذي منَّ الله به في إغلاق البحر الأحمر على الحركة الملاحية الإسرائيلية، وتعطيل- أيضاً- قرابة النصف من الحركة الملاحية للعدو الإسرائيلي، فيما يتعلق بحركته إجمالاً، منعه في البحر الأحمر، إلى درجة تكاد تنعدم أي حركة تابعة للعدو الإسرائيلي، والتأثير عليه على المستوى الإجمالي بالنظر إلى بقية الموانئ.
الأمريكي فشل فشلاً واضحاً، ومعه البريطاني تابعه الذليل، على الحفاظ والحماية للملاحة الإسرائيلية، وما كان لذلك أيضاً من تأثير اقتصادي على الإسرائيلي، تأثير اقتصادي كبير على الأمريكي، على البريطاني، إلى درجة أنَّه لا شك أنَّ للتأثير على الاقتصاد البريطاني علاقة بسقوط الحكومة التي سقطت في هذا الأسبوع، وأتت بعدها حكومة أخرى؛ لأن هذا كان له تأثير كبير جداً في الواقع البريطاني.
فمع كل هذا، الأمريكي وقع في مأزق، مأزق حقيقي؛ لأنه يواجه الأعباء، وتورَّط في مشكلة، تحمَّلها هو البريطاني مع الإسرائيلي، وخلافاً للعادة، يعتاد دائماً أن يتورَّط معه الآخرون، وأن يتحمَّلوا أعباءً كبيرةً معه، وأن يكونوا شركاء في الخسارة معه، هذه المرة هو تورَّط، وقد حاول بكل جهده أن يورِّط الآخرين، حاول أن يورِّط الأوروبيين، حاول الأوروبيون أن يتعاملوا بذكاء مع ضغوطه، مع أنَّ البعض منهم أرسلوا بارجاتهم إلى البحر الأحمر، وقالوا: [في مهمة دفاعية بحتة]، فكانوا في حالات معينة يشاركون في الاعتراض للطائرات المسيَّرة، لكن دون أن يقصفوا إلى بلدنا بأي شيء، أن يقصفوا من البحر إلى بلدنا، هذا تجنبوه تماماً، ومع ذلك كانت تمثل هذه مشكلةً لهم، تدخلهم مع الأمريكي في البحر الأحمر لاعتراض المسيَّرات التي لا تستهدفهم أصلاً، مثَّل هذا مشكلةً كبيرةً عليهم، وأعباء واضحة، ولكن حاولوا بهذه الطريقة أن يتعاملوا مع الضغوط الأمريكية عليهم.
هناك أيضاً الكثير من دول العالم التي تعاملت بذكاء، وفطنة، وحكمة، تجاه هذا الموضوع، فرفضت أن تشارك مع الأمريكي بأي شكلٍ من المشاركة، فيما يقوم به في البحر الأحمر، والبحر العربي، من إسناد للعدو الإسرائيلي، وسعي لحماية الملاحة الإسرائيلية، وعدوان على بلدنا، وهذا شيءٌ مهم بالنسبة لكل الدول التي تتحرر من التبعية العمياء للأمريكي، والخضوع المطلق للأمريكي، أكثر دول العالم لم تتورَّطوا، ودخلت في تنسيق مباشر معنا في هذا البلد، وتعتبر حركتها الملاحية آمنة، وتمر بسلام.
ومن أكبر ما فشل به الأمريكي: فشله في توريط الدول المطلة على البحر الأحمر في المشاركة معه لإسناد العدو الإسرائيلي، وحماية السفن الإسرائيلية، وهذا قد أشدنا به كثيراً، وفي كلمات متعددة، وكررنا الإشادة بموقف الدول التي تفهَّمت هذا الدور.
فشل أيضاً في استغلال الدول العربية والمجاورة في القصف على بلدنا من داخلها، ومن قواعدها ومطاراتها، وهو مستمرٌ في محاولته هذه.
الكل يعلم أنَّ المسألة مرتبطة بموقفنا المناصر للشعب الفلسطيني، ومجاهديه الأعزاء، وأنَّ الأمريكي في هذه المعركة أعلن عدوانه على بلدنا تبعاً لذلك؛ لأنه يسند العدو الإسرائيلي، ويريد أن يحمي حركة سفنه في البحار، هذه مسألة واضحة، مسألة واضحة تماماً، والكل يعرف هذا، وهناك تصريحات لكثير من زعماء العالم، ومن مسؤولي الدول، من وزراء في دول كثيرة يتحدثون وهم يعترفون بهذه الحقيقة، ويعبِّرون عنها بوضوح، وهي مسألة واضحة تماماً، الكل يعلم أنَّ المسألة مرتبطة بذلك، فنحن في بلدنا العزيز، مع الطرف الفلسطيني، مع غزة والمجاهدين في فلسطين، ومع الشعب الفلسطيني، والأمريكي هو مع الإسرائيلي، وهو يواجهنا إسناداً منه ودعماً للعدو الإسرائيلي، يقف مع الإسرائيلي في عدوانه الوحشي، الهمجي لإبادة الشعب الفلسطيني، وواضح أنَّ الأمريكي مستمر في محاولاته لتوريط الآخرين، على وجه الخصوص: بعض الأنظمة العربية، في مقدِّمتها: النظام السعودي.
الأمريكي لمَّا فشل عسكرياً؛ أرسل إلينا برسائل: بأنَّه سيدفع النظام السعودي إلى خطوات عدوانية ظالمة، وسيئة، وضارة بالشعب اليمني، يستهدف بها الشعب اليمني، أرسل إلينا بهذه الرسائل، ثم حصلت بعض الزيارات الأمريكية إلى السعودي، عدة زيارات ولقاءات، تدفع بالسعودي لأن يتورَّط في تلك الخطوات العدوانية ضد شعبنا اليمني.
الأمريكي- كالعادة- من أهمِّ ما يركز عليه هو: المجال الاقتصادي، لماذا؟ لأنه يعرف أنَّ الجانب الاقتصادي يُلحق الضرر بكل الناس، بكل المجتمع، بكل الشعب، عندما تكون المعركة عسكرية، يكون دائماً الاستهداف العسكري في أغلب الأحوال في مستويات معينة، إلَّا إذا تورَّط وحاول أن يدخل في قصف عشوائي للمدن والقرى، وإلَّا إذا بقيت المواجهة مع الجانب العسكري، فعادةً ما تكون الأضرار محدودة، تتعلق بالجانب العسكري، ولكنه فيما يتعلَّق بالجانب الاقتصادي، هو يحاول أن يُلحق الضرر بكل المجتمع، بكل الناس، بكل الأسر، بكل الأهالي، ويحاول أن يضايق على المجتمع في معيشته، وهو يعرف أنَّ مجتمعنا يعاني معاناة كبيرةً جداً في الوضع الاقتصادي؛ نتيجةً للعدوان في كل هذه السنوات منذ بداية العدوان الأمريكي السعودي على بلدنا، والحصار الشديد، والسيطرة على الثروات الوطنية: (النفط، والغاز)، والمؤامرات الكبيرة، والتدمير الشامل الذي حصل منذ بداية العدوان على بلدنا، كل يوم في العام هناك ذكرى لمظالم، لمجازر، لأحداث، لدمار، لخراب من العدوان الأمريكي السعودي على بلدنا، كل يوم، في كل السنة، في كل يومٍ منها هناك مجموعة مجازر، أحداث، تدمير، اعتداءات ظالمة، العدو قصف في بلدنا كل شيء، دمَّر مختلف الأشياء، واستهدف فيما استهدف أيضاً الجانب الاقتصادي والمعيشي للشعب اليمني، فاتَّجه لتوريط السعودي في خطوات معادية، ظالمة، إجرامية، تهدف إلى إلحاق الضرر بالشعب اليمني بشكلٍ عام، في مقدِّمتها: الضغط بنقل البنوك من صنعاء، وهذه خطوة جنونية، وغبية، ولا أحد في العالم يفكِّر بهذه الطريقة، يعني: ليس هناك بلد في العالم يقال له: [يجب أن تنتقل من عاصمتك كل البنوك، ولا يبقى فيها ولا بنك]، لماذا هذه الخطوة الحمقى، الجنونية، الغبية، الإجرامية، العدوانية، غير المنطقية أصلاً، والتي لم تحصل في كل الدنيا، ولا أحد يطلبها من أي دولةٍ في العالم؛ لأن الأمريكي يعرف أنَّ لها تأثيرها السيء على الشعب اليمني، الضار بالمجتمع اليمني في واقعه المعيشي، في عملته المتداولة، في واقع الأسعار… وغير ذلك، والنشاط التجاري، وما يتعلق به.
طبعاً النظام السعودي أقدم على هذه الخطوة؛ خدمةً لإسرائيل، وطاعةً لأمريكا، المعركة القائمة هي معركة بيننا وبين العدو الإسرائيلي، والأمريكي، والبريطاني، أي طرف في هذه المعركة يفعل شيئاً ضد بلدنا، فهو يفعل ذلك خدمةً لإسرائيل، خدمة لإسرائيل، خدمة لإسرائيل، طاعةً لأمريكا، استجابةً للأوامر والتوجيهات الأمريكية، فهو يفعل ما يفعل في سياق المعركة ضد هذا البلد؛ لأنه يقف في صف الإسرائيلي، والأمريكي، والبريطاني.
نحن حاولنا أن نوجِّه النصائح والتحذير، وأن نبعث بالرسائل عبر كل الوسطاء، وعبر كل القنوات، وعبر كل الذين يحاورون ويفاوضون: أَنْ تراجعوا عن هذه الخطوة، كفوا عن هذه الخطوة الجنونية، الحمقى، غير المنطقية، والتي لا سابقة لها في كل الدنيا، ولكن حتى الآن لا يزالون يماطلون.
اتجهوا إلى خطوة أخرى: تعطيل مطار صنعاء، وإيقاف الرحلات، التي هي رحلات محدودة جداً إلى الأردن، للمرضى، والمسافرين بهدف العلاج، يعني: في نطاق محدود للغاية، وهامش ضيِّق جداً، وأرادوا أن يوقفوا هذه الرحلات، وعملوا على إيقافها، قلنا لهم: هذه خطوة سلبية، استمرت التصريحات التحريضية من الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني للسعودي، على أن يسعى أيضاً إلى وقف الميناء، وإغلاق الميناء، ومنع الحركة للسفن إلى الميناء، بمعنى: أنَّهم يريدون أن يورِّطوه في العودة بالوضع معنا إلى ما كان عليه في ذروة التصعيد، أثناء التسع السنوات الماضية، وهذا معناه ماذا؟ أن يورِّطوه في حربٍ شاملة، وتصعيد بأقسى مما كان عليه الوضع سابقاً، وأن يخسر هو في ذلك، يتورِّط من أجل الإسرائيلي فقط، ليس له قضية، ليس له ما يبرر هذه التصرفات العدوانية، الحمقى، الغبية، الإجرامية، الظالمة، التي تهدف إلى الإضرار الشامل بشعبنا العزيز، لم يكفه ما قد فعل في كل هذه السنوات الماضية، لم يكفه ما هو حاصل من احتلال مساحة كبيرة من البلد، من سيطرة على الثروات النفطية لهذا الوطن، ما يعمله دائماً من تجييش مرتزقة وعملاء خوانة، من أجل أن يقاتلوا شعبهم، لا، لم يكفه كل ما قد عمله، حتى يتَّجه إلى خطوات جنونية، غبية، لا يمكن أبداً أن نقف مكبَّلين، مكتوفي الأيدي أمامها.
إذا كان في حسابات النظام السعودي: أننا بانشغالنا بالمعركة المباشرة بيننا وبين الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لن نستطيع أن نعمل شيئاً تجاهه، عندما يُقدِم على مثل هذه الخطوات الجنونية، الغبية، التي يريد أن يبيد فيها شعبنا بالجوع، والمرض، والأوبئة، والحصار الشديد، فهو مخطئ؛ لأننا سنعتبر ما سنقوم به في التصدي لعدوانه ذلك، هو في إطار معركتنا لمواجهة الأمريكي، هو فيما يفعل، يفعله خدمةً لإسرائيل، طاعةً لأمريكا، جزء من المعركة مع أمريكا؛ ولذلك نحن في مثل هذه الحالة لن نقف لنتفرج على شعبنا يتضور جوعاً، ينهار وضعه الاقتصادي بأكثر مما هو قائم.
الوضع القائم لا يطاق، شعبنا يصبر على ما لا يصبر عليه أيُّ شعبٍ في الدنيا، هو يصبر لاعتبارات مهمة؛ لأنه يثق أنَّ هناك معركة مهمة، موقف كبير، قضايا أهم، أولويات مهمة، شعبنا يصبر؛ لأنه آثر الشعب الفلسطيني على نفسه، وعلى قضاياه؛ لأنه امتداد لأجداده الأوائل، الذين قال الله عنهم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: من الآية9]، شعبنا يُؤْثر على نفسه، يوجِّه كل اهتمامه، كل طاقاته، كل جهوده لمناصرة الشعب الفلسطيني، ويجعل ذلك أقدم من قضاياه، وفعل لنصرة الشعب الفلسطيني بأكثر مما فعل وهو يخوض معركته المباشرة لنفسه.
فعلى السعودي أن يدرك جيداً، أنه لا يمكن أبداً أن نسكت عن مثل تلك الخطوات الرعناء، الحمقى، الغبية، عليهم أن يكفوا عن هذا المسار الخاطئ، وإلَّا سنقابل كل شيء بمثله، البنوك بالبنوك، سنقول: على البنوك في الرياض أن تنتقل من كل الرياض، وأن تذهب، هل تقبلون بهذا؟! هل تعتبرون هذا شيئاً منطقياً؟! فلماذا تريدون أن تفرضوه على بلدنا؟! حماقة، وغباء، وعدوانية، وجهالة، وحقد أعمى، الأمريكي يدفع بكم إلى أمور غبية جداً، وعدوانية جداً،
هل تقبلون بأن تغلق كل المطارات في السعودية، وأن تنقطع الرحلات، أن تغلق الموانئ؟ نحن سننطلق لمقابلة كل خطوة بمثلها، مطار الرياض بمطار صنعاء، البنوك بالبنوك… وهكذا: الموانئ بالميناء، لن نقبل منكم أبداً أن تتجهوا اتِّجاهاً عدوانياً، إجرامياً، أحمقاً، غبياً، لا أحد يفعل مثله في كل الدنيا، من يطلب من مثل هذه الخطوات في كل العالم؟! هذه أمور غريبة جداً، وحُمْق رهيب جداً، لا ندري ما سبب هذا الحمق والضلال والعياذ بالله؟!
إذا كنتم مقتنعين أن تتورَّطوا للأمريكي خدمةً للعدو الإسرائيلي، ولم تكتفوا بما تفعلونه، تقدِّمون المال للأمريكي، تقدِّمون المال للإسرائيلي تقدِّمون المال لليهود، وتقدِّمون الدعم الإعلامي الكامل لمصلحة العدو الإسرائيلي بوضوح، إعلامكم يخدم العدو الإسرائيلي بوضوح، يكفي أن يتابع الإنسان قنواتكم، والمسألة واضحة تماماً، أنَّه يدعم العدو الإسرائيلي، وليس داعماً للشعب الفلسطيني.
إذا كنتم مستمرون على سلبيتكم، إلى درجة أنَّ الحركات الفلسطينية المجاهدة لا تزال مصنَّفةً عندكم بالإرهاب؛ لسببٍ واحد هي: أنها تواجه العدو الإسرائيلي، وتسعى لتحرير أرضها ومقدَّسات الأمة في فلسطين.
إذا كنتم بهذا المستوى من السلبية، لم يكفكم ذلك، وكنتم تريدون الإقدام على ما هو أسوأ، وأخطر، وأكبر، وأن تتورَّطوا، وتخسروا مصالحكم، أمنكم، استقراركم، وتجلبوا الخطر على نفطكم، وعلى مخزونكم النفطي الضخم، وإمكاناتكم الاقتصادية، وتجروا المشاكل، فهذا هو خياركم، ماذا نفعل لكم إذا كنتم إلى هذا المستوى من الغباء، والعمالة للأمريكي، والعمالة للإسرائيلي؟! أنتم تفعلون كل شيء من أجل الإسرائيلي، تغيِّرون مناهجكم الدراسية، تسخِّرون له وسائلكم الإعلامية، تقدِّمون له المال جزية، وتقدِّمون للأمريكي كذلك، إذا كنتم تريدون ما هو أسوأ، فعواقب ذلك عليكم خطيرة، تأكدوا، عواقب ذلك خطيرة عليكم.
نحن عندما تلجئونا إلى خيارات لا مناص لنا منها، سنتحرك بكل قناعة واطمئنان؛ لأننا أصلاً في المشاكل، أصلاً في الحرب، أصلاً في الحصار، أصلاً في المعاناة، ليست المسألة أننا سنسمح لكم بالقضاء على هذا الشعب، وإيصاله إلى مستوى الانهيار التام، لكي لا يحصل مشكلة، فلتحصل ألف ألف مشكلة، ولتصل الأمور إلى أي مستوى كانت، إلى أي مستوى كانت؛ لأننا سنتحرك من واقع إيماننا بقضيتنا العادلة، بمظلوميتنا الواضحة، نحن أصحاب قضية عادلة، ومظلومية واضحة، ومستعدون أن نعمل ما يلزم من أجل ذلك.
أنتم إلى الآن لا زلتم تعتقلون من رجال حماس، تزجُّون بهم في السجون، وحاكمتموهم، وأدنتموهم لسبب واحد: أنَّ حماس تجاهد ضد العدو الإسرائيلي، وأنتم تجرِّمون الموقف ضد العدو الإسرائيلي، وحتى بعد أن عرضنا عليكم الإفراج عنهم مقابل أن نسلِّمكم أسراكم عندنا من الطيارين، يعني: من أهم الأسرى، لم تقبلوا بذلك من أجل العدو الإسرائيلي، عجيبٌ أمركم! ألا يكون لطياريكم من القيمة والأهمية بمستوى أن تفرجوا عن أولئك المعتقلين من حركة حماس، بل تضحون من أجل الإسرائيلي حتى لو كان الأسير هو طيار لأجل الإسرائيلي، هذه حالة غريبة جداً!
الأمريكي يحاول أن يورِّطكم، فإذا كنتم تريدون أن تتورَّطوا فتورطوا، وجربوا، إذا كنتم تريدون الخير لأنفسكم، والاستقرار لبلدكم، وأن تتجهوا الاتجاه الاقتصادي الآمن المستقر، فذلك لن يتحقق إلَّا بأن تكفوا مؤامراتكم على بلدنا؛ أمَّا أن تتجهوا للتصعيد العدواني الهادف للإيصال ببلدنا وشعبنا إلى الانهيار، ولم يكفكم ما قد فعلتم وتفعلون، فهذا ما لا يمكن أن نقبل به أبداً.
الأمريكي إذا نجح في توريطكم، فهو غباءٌ رهيبٌ من جانبكم، وخذلانٌ كبير؛ أمَّا نحن فمن حقنا الطبيعي التصدي لأي خطوة عدوانية مضرة بشعبنا، وإذا تورطتم أكثر؛ يكون التصعيد من جانبنا أكثر، ولا تعوِّلوا على الأمريكي، هو فاشل، فشل حتى في حماية حاملات طائراته، وبوارجه، وسفنه، مسار السَّلام هو خيرٌ لكم، هو الأفضل لكم، لا تورِّطوا أنفسكم من أجل الإسرائيلي.
فيما يتعلَّق بجولة الحوار التي أتت في سلطنة عمان، في ملف الأسرى، بذلنا الجهد، وحرصنا على إنجاحها، وأن تكون مخرجاتها بداية التبادل للدفعة الثانية من الأسرى، ولكن واضح أنَّ التحالف يريد ألَّا يقدِّم في هذه المرحلة خطوة تغضب الإسرائيلي، هو متضامن مع الإسرائيلي، متضامن مع الأمريكي؛ ولذلك كان تعنُّتهم في هذه الجولة، بالرغم من أننا قدَّمنا كل ما يساعد على إنجاحها من أجل تبادل الأسرى، كان تعنُّتهم ليس له أي تفسير ولا مبرر، إلَّا أنه تضامن مع الأمريكي والإسرائيلي في هذه المرحلة، مع ذلك سنبقى في سعي مستمر للوصول إلى صفقة تبادل للأسرى، ولابدَّ في الأخير من الوصول إلى نتيجة بإذن الله تعالى.
المحور الأخير في هذه الكلمة: من الإنجازات المهمة لهيئة الزكاة للعام الهجري هذا المنصرم 1445 هجرية، هو: ما يتعلَّق بتقديم الدعم للفقراء المحتاجين إلى المساعدة للزواج:
وقد كان هناك موعد في شهر ذي الحجة للعرس الجماعي، لـ(أحد عشر ألف عريس وعروس)، بتكلفة إجمالية (أربعة مليار و أربعمائة مليون يمني)، وهذا المسار في المساعدات هو من أهم المسارات، المساعدة في الزواج هو جزء من اهتمامات هيئة الزكاة، عندها اهتمامات واسعة:
اهتماماتها الكبيرة بالفقراء في طعامهم وقوتهم، وفي الجانب الصحي، والرعاية الطبية… وفي مختلف المجالات.
وكذلك الغارمين، والمديونين، الذين- عادةً- ما يكونوا بحاجة للمساعدة، هم في السجون… وغير ذلك.
فالأنشطة واسعة جداً، والمسارات متعددة وفقاً للمصارف الشرعية، وهذا جانبٌ منها فيما يتعلَّق بمساعدة المحتاجين إلى الزواج.
لم يترجح إقامة العرس الجماعي بالشكل المألوف في الأعوام الماضية في هذا العام؛ احتراماً وتضامناً لمأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته، لمَّا كانت مظاهر العرس الجماعي- ولا سيما بهذا العدد الكبير جداً (إحدى عشر ألف عريس وعروس)، مظاهر ابتهاج، مظاهر فرح، كان يعزّ علينا أن يظهر هذا بذلك الشكل الكبير جداً، بالتزامن مع ما يعانيه الشعب الفلسطيني في غزة، فقلنا: تكون المساعدة لأولئك من المتزوجين بما يصل إليهم مما يحتاجونه من دعم ومساندة، ويوزَّع لهم، وإقامة أعراس بالمستوى العادي، وتجنباً لما لا نريده يعني من التظاهر بالبهجة والسرور والفرح بشكل كبير، بالتزامن مع مأساة الشعب الفلسطيني، ليس حالنا كحال النظام السعودي، النظام السعودي بعيداً عن مسألة الزواج، الذي هو شيءٌ مشروعٌ مقدَّسٌ، هناك في حفلات المجون، وحفلات الضياع، عمل ما عمل في أصعب الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، حالنا يختلف.
على كُلٍّ، هذا الإسهام المهم في مسار مساعدة المحتاجين إلى الزواج من جانب هيئة الزكاة، هو إسهام مباشر في تحصين المجتمع، والحفاظ على قيمه، وأخلاقه، وعفته، وبناء البناء الاجتماعي، وتكوين الأسرى، يعني: إسهام مهم، عادةً البعض يكون لديهم انتقادات، وهي انتقادات خاطئة، لا قيمة لها، لا تنظر إلى أهمية الأشياء وقيمتها من المنظور الإسلامي، والمنظور الاجتماعي.
أيضاً هناك توجُّه مهم لهيئة الزكاة، لتوجيه ثلث الإيرادات في برامج التمكين الاقتصادي؛ لمكافحة الفقر، وتحويل الفقراء إلى منتجين، لمعالجة مشكلتهم بشكلٍ جذري، وهذا مسار مهم جداً.
الدورة التي قامت وتقوم به هيئة الزكاة دورٌ عظيم، ومهم، ومقدَّس، وفي إطار فرض من فرائض الإسلام، وركن من أركان الإسلام؛ ولذلك يجب التعاون معها، يجب التعاون، وينبغي على مجتمعنا بانتمائه الإيماني، وهويته الإيمانية، إلى أن يكون مهتماً بإخراج الزكاة، وصرفها في مصارفها الشرعية، والاستفادة من الهيئة؛ لأنها تؤدِّي دوراً عظيماً، ومنظَّماً، وواسعاً، وشاملاً لرعاية الفقراء، ومعالجة حالة البؤس والحرمان التي يعاني منها من هم الأشد فقراً ومعاناة في بلدنا.
نأمل– إن شاء الله- أن يكون التعاون والتفاعل مع الهيئة بشكلٍ واسع، وعدم الإصغاء إلى المحاربة التي يطلقها الأعداء ضد الهيئة، وضد دورها، البعض إن كانت لهم ملاحظات مفيدة عملياً، بإمكانهم أن يقدِّموها إلى الهيئة؛ لكن أن يكون الإنسان في صف الأنشطة المعادية التي يطلقها الأعداء ضد الهيئة، فهذا شيء بعيد عن توفيق، وغير صحيح إطلاقاً، ولا حكيم، ولا إيجابي، ولا مقبول.
إن شاء الله سنكون على موعد معكم- أيُّها الإخوة والأخوات- في الكلمات القادمة.
نَسْألُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَجعَلَ هَذَا العَامَ الهِجْرِي عَامَ يُسْرٍ، وَنَصْرٍ، وَفَلَاحٍ، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصرِ لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِي المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَاء، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِهِ، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قد يعجبك ايضا