أفشل الحلف الصهيوني الصليبي الجديد بقيادة أمريكا كل جهود إيقاف حرب الإبادة، والجرائم ضد الإنسانية على أرض فلسطين (غزة)، حتى المشاريع التي تم تقديمها من أمريكا ذاتها يفشلها الصهاينة، وكل ذلك بسبب الدعم اللا محدود من الخونة والعملاء في العالمين العربي والإسلامي ومن الصليبيين الصهاينة، ومن الصهيونية العالمية، وكلهم يسعون لتحقيق هدف واحد، هو القضاء على المقاومة (الشعب الفلسطيني)، وإن كان ذلك تحت ذريعة ومبرر القضاء على الحركات الإسلامية المجاهدة (حماس، والجهاد، وغيرهما).
لقد استغل الصهاينة تفوقهم في العدد والعتاد، في مقابل حركات جهادية تقاتل بأسلحة قليلة وخفيفة، لاستعراض قوتهم التدميرية، وتجربة الأسلحة الحديثة المتطورة القادمة من مصانع الدول العظمى أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، وكانت غزة هي أفضل مكان لها، خاصة وأن المطبعين من العملاء والسياسيين يريدون المساهمة في قتل وإبادة الأشقاء هناك كبادرة إثبات الصداقة والولاء، والدعم الخفي والعلني للغرب، والحلف الصهيوني الصليبي.
دمرت شمال غزة بالقنابل والصواريخ، وحشدت أقوى وأفتك الأسلحة مع جيوشها، ولم تكتف بذلك، بل ذهبت لتدمير وتجريف بقايا المنازل التي لا زالت صامدة رغم القصف والتدمير، العالم يشاهد ويتحرك لمناصرة مظلومية أهل غزة، والخونة والعملاء يشاهدون ويباركون، وانتقلت لتمارس الإجرام بأبشع صوره وأساليبه، إلى جنوب غزة (رفح)، لتكمل هوايتها الأساسية ضد النازحين هرباً من الشمال، –أحد ساسة أوروبا علَّق على ذلك قائلاً: “لقد زرعنا وحوشاً تسعى لإبادة كل شيء، فما زرعناه خلال الثلاثمائة سنة الماضية من الإجرام، سنظل نعتذر عنه ثلاثمائة سنة أخرى”.
الأمم المتحدة، ومحكمة الجنايات الدولية، وأحرار العالم، ينادون بضرورة إيقاف العدوان الصهيوني وفتح المعابر، وإدخال مواد الإغاثة، والمواد الغذائية لأهل غزة، ودول الطوق (مصر، الأردن، والسلطة الفلسطينية) والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، تناشد إسرائيل بالسماح لها بإدخال المساعدات براً، وإسرائيل لا تسمح بذلك، حتى معبر رفح الذي تتشاطر مصر السيطرة عليه مع قطاع غزة، لا تستطيع فتحه بدون إذن من إسرائيل، ولو أمكن فإن إمكانية استغلاله لخدمة الصهاينة ستكون موجودة.
ثمانية أشهر مضت والحلف المجرم تتحرك أساطيله في البحرين الأبيض والأحمر وكل البحار سعيا لخدمة جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، وتتحرك طائراته لإيصال الأسلحة والمعدات الحديثة للصهاينة وتتحرك دباباته وطائراته وجنوده لإبادة شعب أعزل من السلاح، محاصر يعاني الجوع والقتل والجرائم ضد الإنسانية، وكلما زاد الإجرام، قدَّم المجرمون مطالبهم ورفعوا سقف تحكمهم، مع أن جيوشهم بالآلاف تدمر وتحاصر وتعيث في الأرض فسادا وإجراما، لم يشهد له التاريخ مثيلا، وهنا تكمن مشيئة الله وإرادته في تعرية المجرمين والمتحالفين معهم، وفضح المنافقين والخونة والعملاء.
اليمن ومحور المقاومة في أرض فلسطين ولبنان والعراق وإيران يشكلون الاستثناء في تحقيق آيات الولاء والبراء، وإثبات الانتصار للعزة والكرامة والإنسانية، لم تمنع المسافات البعيدة، ولا الإمكانيات المحدودة، ولا العروض المغرية ولا التهديد بكل أشكاله وأساليبه، ولا أي شيء من كل ذلك، أن يثبت الأحرار المؤمنون التزامهم الصادق وإيمانهم العميق بضرورة وحتمية الدفاع عن عزة وكرامة الأمة العربية والإسلامية من الإهانة والاذلال على أرض فلسطين، وعلى أيدي أفجر وأظلم المخلوقين من البشر المتطاولين على رب العزة والجلال، قتلة الأنبياء وناكثي العهود.
الجيوش العربية المدعمة بأحدث أنواع الأسلحة والتدريب والميزانيات الضخمة المرصودة لها، اكتفت بالفرجة لا غير، والقيادات العربية أيضا، والزعماء والرؤساء، وكأنهم قد قبلوا المذلة على أيدي شذاذ الآفاق، ربما لكن الاستثناء هو اختيار محور المقاومة التي تواجه كل ذلك الحشد والإجرام بإمكانياتها الذاتية، لا تخاف إلا الله، ولا تعتمد إلا عليه مصداقا لقوله تعالى ” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” الانفال (60).
المقاومة وعدم الاستسلام هو الخيار الوحيد لتحرير الأوطان مهما كان العدو ومهما امتلك من أسلحة وعتاد، ومهما اشتد إجرامه وظلمه وطغيانه، المقاومة الفيتنامية خاضت ثلاث حروب متوالية لتحرير بلادها، واجهت الاستعمار الفرنسي وكبدته الخسائر الكبيرة، حتى اضطر إلى الجلاء عنها، وواجهت الاحتلال الياباني الذي استولى عليها أيضا، حينما كانت إمبراطورية اليابان تمثل قوة عسكرية دوخت العالم ولم تستكن أو تهدأ إلا بعد أن ألقت عليها أمريكا قنبلتين ذريتين في مدينتي هيروشيما وناجازاكي، واستطاعت أن تلملم جراحها وتلحق بالعالم من خلال القوة الاقتصادية.
وأخيراً واجهت المقاومة الفيتنامية الاستعلاء الأمريكي الذي أراد أن ينال من استقلال فيتنام واستعمارها، ورغم ما ألحقه من دمار وخراب جراء استخدام الأسلحة في مواجهة مقاومة تعتمد على نفسها وإمكانياتها البسيطة، لكنه مني بالهزيمة وخرج يجر أذيال الخيبة منها، وهو ذات التوجه الذي اختارته المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة الذي يهدف إلى الدفاع عن عزة وكرامة الشعب الفلسطيني وتخليصه من براثن الاحتلال الصهيوني، ففي الأرض رجال المقاومة من حماس وغيرها، وفي الجو صواريخ اليمن والعراق ولبنان وإيران، وفي البحار الأحمر والعربي والأبيض المتوسط أيضا أسلحة اليمن وكل محور المقاومة، لن ترهب من جبناء كتب الله عليهم الذلة والمسكنة ولعنهم وجعل قلوبهم قاسية ” ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً»، قتلوا الأطفال والنساء وسحلوا الضحايا في الشوارع وسلطوا عليها كلابهم واسقطوا على غزة وحدها ما يعادل دمار ثلاثة قنابل ذرية.
إن الانتصار لمظلومية غزة هو انتصار للإنسانية والحق والعدل، قال تعالى «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»، نعم هو قادر على أن ينصرهم، لكنه بحكمته يريد أن يفتضح العملاء والخونة، ويُعلم المؤمنين دورساً في الصبر والعمل ويريد أن يصطفي منهم الشهداء، فالشدائد هي الأساس في غربلة النفوس وتزكية الأرواح والقلوب والعقول، يقول الحق سبحانه وتعالى « وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ».