في عالم لا يحترم إلا القوة، والقوة فقط مهما كانت الحق معها دائما وأبدا، فمثلا قرار التقسيم (181) أعطى لليهود حقا في فلسطين على حساب أهلها، ولأن القوة السياسية والعسكرية والمكر والخديعة أيضا استولى اليهود على الأرض وحولوا الفلسطينيين إلى مشردين ولاجئين، ولم يستطع العرب وهم الذين يملكون الحق أن يحموا أنفسهم، ولا أن يواجهوا المعتدين، أو يوقفوا زحفهم وتقدمهم نحو الاستيلاء على بقية الأرض التي هي حقهم، والجواب أن القوة السياسية والعسكرية المسيطرة حولت وجعلت الباطل حقا والحق باطلا، حركات التحرر والجهاد بدأت بأعداد قليلة وإمكانيات بسيطة وتنامى دورها حتى انهارت أمامها جيوش الظلمة والطغاة، فالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس انهارت وفرنسا التي كانت قواتها تسيطر على أكثر من نصف الكرة الأرضية اندثرت وولت وغير ذلك كثير من الشواهد والأمثلة، لكن المشكلة في التعامل مع القضية الفلسطينية هي أنه ترك العمل الجاد والمثمر واتجهت السياسات العربية عملا في المسارات التي حتميتها ضياع القضية ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني، بيانات الشجب والاستنكار والتهديد والوعيد والمناشدات المتكررة للقاتل والمجرم والداعم والمخطط أن يرفق بالضحية.
دحرت المقاومة الجهادية المستعمر الفرنسي على أرض الجزائر والمغرب وسوريا ومصر وخرجت بريطانيا من جنوب اليمن بفضل الجهاد، وتحرر العراق، ومصر وليبيا تحررتا من الاستعمار الإيطالي أيضا وكل ذلك ناتج عن الإيمان بالقضية والاستعداد للتضحية من أجلها، وجئنا إلى قضية فلسطين فاستعملنا الضجيج والصراخ والعويل في مقابل أحدث الأسلحة وأقذر وأحط البشر سلوكا وأخلاقا، وعملا، الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وعصبة الأمم من قبلهما وبسبب القوة والظلم والإجرام، تحولت إلى طاولة لتحقيق أهداف وسياسات الدول القوية، فلا الميثاق ولا العهود والمواثيق يمكنها أن تواجه الأساطيل العسكرية، ولا أساطيل الكذب والتضليل والخداع، ولا يوقف الطغيان والإجرام سوى الإيمان بالقضايا العادلة، وتقديم التضحيات في سبيلها وذلك كفيل بتحطيم وهزيمة المجرمين مهما امتلكوا من قوة أو سلطات وغيرها.
لقد استطاعت الجهود الإنسانية أن ترسي مبادئ عظيمة من خلال الميثاق، والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، لكن المدون في صفحات تلك المواثيق شيئاً وما يمارس على الواقع شيء آخر وذلك بسبب ما تفرضه القوة والسطوة والطغيان، فالقرارات الأممية تطبق على الضعفاء دون الأقوياء والتاريخ شاهد على ذلك في القريب والبعيد واستثناء من ذلك إذا كانت القوة تعتمد على الأسس والمبادئ والأخلاق، فالثورة الفرنسية التي تبنت حقوق الإنسان أبادت مليوناً ونصف المليون شهيد على أرض الجزائر وحدها، وتحالف الغرب قتل أكثر من مليون في العراق وأفغانستان وغيرها وهناك سجل من الإجرام والإبادة في مشارق الأرض ومغاربها لكل هذه الدول الأكثر إجراما في حق البشرية بدعوى حماية حقوق الإنسان.
رهن الزعماء والقادة العرب سواء عن تواطئ أو خيانة، آمال الشعب الفلسطيني بسراب الأمم المتحدة، وتآمرت الجامعة العربية على ذات القضية، فقد تحولت الجامعة في مواقفها لصالح الكيان الصهيوني المحتل، فجعلت الجهاد إرهابا، والدفاع عن الأوطان لتحريرها جريمة تستوجب الإبادة والفناء، أما الأمم المتحدة فقد آل أمرها إلى تشكيل لجان لتقصي الحقائق وإنشاء مخيمات اللجوء الإنساني التي تشكل مركزاً هاما لممارسة أكبر قدر من الإبادة للبشر، تم تشريد الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره، وكانت المخيمات واللجان هي أقصى ما يمكن أن تقدمه الأمم المتحدة حتى الآن، ولو غضبت أمريكا أو حلفاؤها على موقف من المواقف المساندة للقضية الفلسطينية، فستقطع التمويل عنها، ما يهدد اللاجئين بالموت جوعا وعطشا، كما فعله الحلف الصليبي الداعم للصهاينة في هذه الحرب وكل حرب تتم إدانة الصهاينة بارتكاب جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية.
وإذا كانت أمم الأرض شرقا وغربا تعرف الكفاح المسلح لتحرير الأوطان ومواجهة الطغيان، فإن أمة الإسلام تعرف الجهاد الذي لا يتجاوز الأخلاق والمبادئ والقيم في المواجهة ويحمي الإنسان من ذاته والعدو من التنكيل والإبادة ولا يمس بسوء أو أذى من لا يشارك في العمل العسكري كالأطفال والنساء والشيوخ والمنقطعين للعبادة ولا المشغلين في العمل الطبي ويصل الأمر إلى تحريم قتل الحيوانات أو الأشجار أو غيرها، بخلاف ذلك يشاهد العالم اليوم إجراما بلا أخلاق ولا مبادئ ولا قيم يبيد كل شيء حتى الأشجار والمباني والمساجد ويقطع وسائل العيش ويقضي على المستشفيات ومراكز العلاج ويهدمها على رؤوس المرضى، ويرتكب المجازر واحدة تلو الأخرى ويصفق له العالم وتحميه الشرعية الدولية بقوة السلاح والترغيب والترهيب.
المجاهدون يقاتلون ويستهدفون آليات وجنود المجرمين، لم يثبت أنهم قتلوا امرأة أو طفلا، لكنهم في أجندات الحلف الصهيوني الصليبي الجديد مجرمون، وليس ذلك فحسب بل إنه يجب إبادة الشعب الفلسطيني بكل أنواع الأسلحة، لأنه يمتلك رجالا يدافعون عنه ويواجهون الإجرام الصهيوني، وتصل الصفاقة والوضاعة بالصهاينة والداعمين لهم إلى أن يتهموا المجني عليهم بالإرهاب ويطالبون بإثبات حسن نواياهم وترك المقاومة والاستسلام لهم، كي يمارسوا بحقهم أبشع أنواع الإجرام من هدم المنازل وتجريف للأراضي الزراعية وقلع الأشجار والاستيلاء على المنازل ومصادرتها، وإحلال اليهود فيها، وفرض القوانين العنصرية، التي لا تسمح للفلسطيني بالعودة إلى دياره ووطنه، بينما يسمح لليهودي أن يأتي ويستولي على ما يشاء من الأراضي والمنازل ويحمل السلاح ليقتل من يعترض على ذلك.
المحكمة الجنائية الدولية، وقبلها محكمة العدل الدولية، لا تستطيع أن تنفذ شيئاً مما قد تقرره، ومع ذلك فقد استغلها المجرمون لتوجيه الاتهام بارتكاب الجرائم ضد حركة المقاومة، وفي مسخرة تدعو إلى الشماتة والرثاء ومن ذلك الاغتصاب وممارسة القتل العمد والإبادة الجماعية وسوء المعاملة.. فهل كان ذلك اعتباطا أم أن من يمارس القتل والإجرام في الواقع ويشاهده الجميع أثبت أيضا أنه يستطيع أن يكتب قرارات المحكمة ويرغمهم على التوقيع وإعلانها على الجميع بدون حياء أو خجل، ومع ذلك فإن تحرير الأوطان عمل عظيم يقدمه الأبطال ببذل دمائهم رخيصة في سبيل ذلك بخلاف طلاب المناصب والكراسي فإنهم سيقدمون للعدو كل شيء حتى لو كان الأمر استحلال دماء الأبطال، حتى يرضى العدو ويمكنهم من الجلوس على العروش حكاما وآمرين، بينما هم خدام لمن سمحوا لهم بالجلوس والاستمرار على حساب الكرامة والعزة والحرية.
Next Post