حلّ عيد الأضحى على اليمنيين ليعيد إليهم ذكريات الماضي، لا سيّما كبار السنّ الذين عرفوا عادات وتقاليد وطقوساً خاصة بالعيد اختفت مع الزمن، ويحنّ هؤلاء إلى أعيادهم القديمة، تلك المليئة بالفرح والأهازيج ورقصة البرع والهدايا والأضاحي وزيارات الأقارب، حيث يُجمع اليمنيون على أنّ “عيد اليوم لم يعد كعيد الأمس”، وأنّ أموراً كثيرة اختلفت فبعد أن كان العيد يتميز في الريف اليمني إلا أن الكثير من مظاهره اختفت تماماً بسبب العدوان وحصاره الاقتصادي، فلم يعد سكان المدن الذين تعود أصولهم إلى مناطق ريفية يحرصون على قضاء أيام العيد مع أسرهم في مسقط رأسهم لعدم قدرتهم على السفر وإقامة طقوس العيد في الأرياف اليمنية حسب الموروث الشعبي المعتاد…
الثورة / احمد السعيدي
الطقوس العيدية في ريف اليمن تعبير عن بساطة وجمال الإنسان الريفي المتجسدة بنشر الفرح لقضاء إجازة العيد في الريف وهو نابع من بساطة ونقاء طبيعة الريف، ومجتمع الريف وفطرته السليمة، ترى ذلك في وجوههم المملوءة بالفرح والغبطة.. ومصافحتهم وزيارتهم.. وكرمهم وضيافتهم، وهذا ما يضفي على العيد النكهة التي لا توجد في مكان آخر.. بالإضافة إلى أن طقوس العيد في الريف اليمني شكلت ثقافة المجتمع، وأنتجت موروثه الثقافي والتاريخي والحضاري، وطبعته في ذاكرة الإنسان اليمني منذ الصغر، وهي تعبير عن بساطة وجمال الإنسان اليمني المتجسد في روح الهوية وحب الخير ونشر الفرحة والسعادة والبهجة.
طقوس وموروث شعبي
تختلف طقوس العيد في الريف بحسب القرية والمنطقة، هناك اختلاف بسيط بين منطقة وأخرى من الخارطة الجغرافية اليمنية حسب العادات التي توارثتها القبائل من أسلافها، وتشترك في استعداد ربات المنازل لاستقبال العيد مبكراً فيقمن بأعمال النظافة والترتيب للمنزل وتغيير أقمشة الفرش والستائر، ويحرص العديد من الأهالي على تجهيز كبش العيد ويقوم البعض منهم بشرائه مبكرا والعمل على تربيته في المنزل منذ ولادته وحتى مجيئ العيد، فيما يجلبه آخرون من أسواق المواشي في بداية العشر الأولى من شهر ذي الحجة، وكان أهل الريف في العشر الأولى من شهر ذي الحجة يحرصون على إحياء عادات وتقاليد وطقوس توارثوها منذ القدم، يستقبلون بها أول أيام العيد، ومن الطقوس الريفية أن شبان كل قرية يحرصون على إشعال النار على أسطح المنازل أو الجبال كوسيلة للابتهاج ولإعلام الأهالي بأنّ اليوم التالي عيد لكنّ هذه العادة اختفت تماماً، وفي كل يوم من أيام العيد، كان أبناء الريف يتوجهون إلى خارج القرية لتأدية رقصة البرع، بعد رفع الجنابي، على قرع الطبول أو المرافع وضرب الطاسة، الناس في السابق يستغلون العيد ويتوجّهون إلى خارج القرى لزيارة الأماكن الجبلية أو السياحية بهدف الترفيه، وحتى رائحة الكعك التي كانت تنتشر في القرى قبل العيد بأيام لم تعد موجودة، فالنساء كنّ في السابق يصنعنَ الكعك في المنزل أما الآن فمعظم الأسر صارت تشتري الحلويات والكعك من الأسواق في هذه الأيام”.
عادات وتقاليد عيدية
وفي الريف سابقاُ كان المواطنون يستهلون العيد بقيام فرقة من المعروفين باسم (المهمشين) بالمرور على بيوت القبائل، والصعود لسقف الدار وبداية الضرب على الطبول بدقة مميزة تنبئ بوصول العيد قبيل الشروق، وتمر بالتناوب على البيوت، بالإضافة إلى خروج الأطفال “للتماسي”، والمقصود بالتماسي هو ترديد الأهازيج والترحيب بالعيد، بهدف إعلام الناس بقدوم العيد يقودهم الأخدام (المهمشون) بالطبول التي تضرب بإيقاعات فرائحية، وكان يجتمع الرجال في دار يكون بجوارها مسجد، وتكون هذه الدار لكبير أو شخصية اعتبارية، فيؤدون طقوساً دينية في المسجد ويدخلون مباشرة إلى الدار المعتاد لإقامة مثل هذه المناسبات، وخلال ذلك يتصدر المجلس عدد من كبار السن الذين يقومون بتأدية الابتهالات والأدعية والأذكار وعدد من القصائد الدينية من الموروث الشعبي، بعدها يتم دق الطبول والرقص اليمني بإيقاع فرائحي يشارك فيه كبار السن والأطفال والرجال حتى موعد أذان الظهر فيتجه الجميع إلى الصلاة، ومن ثم يذهب الكل إلى منازلهم لتناول وجبة الغداء، وكان قديماً يقام ملتقى أو تجمع ثاني أيام العيد يجتمع فيه الأهالي، ويتوافدون من بعض مناطق محافظات إلى أخرى ليمارسوا فيه الرقص وتبادل التهاني والتبريكات ومناقشة القضايا الاجتماعية حتى عصر ذلك اليوم؛ والعودة مرة أخرى لقراهم على وقع أصوات الطبول والرقص، وتستمر بعد ذلك إقامة الأعراس واللقاءات، والأسمار الليلية بأشكالها التقليدية القديمة حتى انتهاء فترة أيام العيد والتي تمتد 10 أيام.
الوضع الاقتصادي
هذه العادات وغيرها من الطقوس اليمنية الريفية في الأعياد بدأت بالاختفاء لعدة عوامل من أبرزها الوضع الاقتصادي للبلاد، حيث يأتي عيد الأضحى الحالي لهذا العام في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة والخطيرة التي يعيشها المواطنون ولم يسبق لها مثيل والتي تسبب بها العدوان السعودي المستمر في حربه الاقتصادية التي جعلت معدلات الفقر والبطالة ترتفع بشكل جنوني، وخفوت الحركة التجارية، في ظل ضعف القدرة الشرائية، حيث أصبح معظم اليمنيين لا يقدرون على ميزانية العيد بالشكل البسيط والروتيني والذي يتضمن فقط جعالة العيد والأضحية والملابس الجديدة ناهيك عن الطقوس الأخرى، الأزمات الاقتصادية جعلت غالبية مجتمع الريف الموجود في المدن يعزف عن السفر إلى الريف لقضاء إجازة العيد.
غزو ثقافة المدينة
بعض اليمنيين أرجع اندثار الطقوس العيدية في الريف إلى غزو ثقافة المدينة للريف التي ساعدت في غياب الكثير من هذه الطقوس والموروث الثقافي، فخلال العقود الأخيرة طرأ تغير على هذه العادات الأصيلة والمتوارثة فاندثر الكثير منها، ابتداء من تغيير هيئة الناس ولباسهم إلى نمط عيشهم وأنواع مأكولاتهم، فطغت روح المدينة بشكلها النمطي، وحلت عوضاً عنها حياة مدنية تستمد تفاصيلها من ثقافات مختلفة وافدة من كل أصقاع الكوكب، فتم طمس معالم الثقافات المحلية.
التطور التكنولوجي
ومن أسباب اختفاء الطقوس العيدية في الريف اليمني هو التطور التكنولوجي الحاصل اليوم، حيث أن أهالي مناطق ريفية كثيرة كانوا يمارسون طقوساً تُدخل البهجة إلى قلوبهم، لكنّ التطوّر التكنولوجي ساهم في تراجع مثل تلك العادات، إذ صار الناس يلجأون إلى التلفاز أو جهاز الكمبيوتر أو الهاتف الذكي، والتي باتت توفّر لهم فرصاً أكثر للترفيه، مثل الأفلام والأغاني وغير ذلك، فبعد أن كانت اللقاءات الأسريّة من أبرز نشاطات اليمنيين في أعياد الماضي، فقد تراجعت وتيرتها اليوم، فقبل عقود كانت وسائل الاتصال والتنقل محدودة جداً، لذا كانت تؤجّل وتأتي الأعياد لتكون فرصة مناسبة لمثل هذه اللقاءات الأسرية، أمّا اليوم، فإنّ وسائل الاتصال والتنقل هي أكثر وأسهل، بالتالي فإنّ اللقاءات والزيارات تتواصل على مدار العام، ولذا لم تعد تقتصر على الأعياد.