الثورة / وكالات
منذ اللحظة الأولى لانطلاق طوفان الأقصى، والولايات المتحدة الأمريكية تتطوع للدفاع عن الكيان الصهيوني وترديد أكاذيبه ودعمه المطلق سياسيا وعسكريًا في انحيازٍ سافرٍ مكشوف لجريمة الإبادة الجماعية، الأمر الذي لم يعد يخجل منه المسؤولون الأمريكيون، حتى لم تعد الساحة السياسية تفرق بين وزير الخارجية الإسرائيلي ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي يأتي للمنطقة حاملا صفته اليهودية أمامه مفاخرًا بالدعم المطلق للقتل وسفك الدماء؛ .
وتدرك الأوساط السياسية في المقاومة والعالم أنّ “أمريكا لم تكن وسيطا نزيها منذ بداية الحرب”، وليس أدلّ على ذلك من الفيتو الأمريكي الذي عرقل قرارات أممية دعت لوقف العدوان.
وما زالت أمريكا تتبجح بمنح طفلها المدلل في المنطقة شيكا مفتوحا بالسلاح لتؤكد شراكتها المطلقة بالعدوان على شعبنا بأشكاله كافة، وآخرها مجزرة النصيرات.
بلينكن وزير خارجية إسرائيل
من جانبه يرى الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي، أنّ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يتصرف وكأنه وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، ويعمل على تبرئته رغم أن الكيان هو الذي عارض قرار مجلس الأمن ومقترحات الرئيس الأمريكي جو بايدن.
ويضيف البرغوثي: أن بلينكن منهمك في لعبة خطيرة تهدف لتبرئة إسرائيل من مسؤوليتها في رفض وعرقلة التفاوض، وأن الموقف الأمريكي فقط يريد تبرئة نتنياهو وإلقاء اللوم على المقاومة التي أبدت مرونة عالية في التفاوض حول المقترح بما تضمنه من ملاحظات حول رفض الانسحاب الكامل.
ليس هذا فحسب، بل إنّ أمريكا استخدمت الفيتو لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 45 مرة، وتغطي على جرائمه وعدوانه، وفي أكثر من مرة تقفز عن جرائم الحرب والإبادة التي تمارس في غزة وتنكر ذلك في العلن على لسان رئيسها بايدن، وأكثر من ذلك لوحت بمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية.
حماس ومن خلفها المقاومة كاملة، تريد وقفا حقيقيا للعدوان وليس مراوغة سياسية يتم فيها استمرار العدوان والتجويع والحصار، وإرضاء غرور نتنياهو .
أمريكا راعي الإبادة
هذا الانحياز الأمريكي الأعمى والفج لإسرائيل دفع الكاتب والمحلل السياسي د. إبراهيم حمامي للقول: إنّ تصريحات بلينكن – التي اتهم فيها المقاومة بعرقلة التوصل لاتفاق – تثبت أن الولايات المتحدة هي من تقود العدوان وهي من تفاوض نيابة عن الاحتلال، وبالتالي لا يمكن أن تكون لا وسيطا ولا ضامنا لأي اتفاق.
وأكثر من ذلك ما يثبت كذب مزاعم بلينكن، أنّ حركة المقاومة الإسلامية حماس والفصائل تعاطوا بإيجابية مع الأوراق المقدمة، وقبل العدوان على رفح وافقت على مقترح التهدئة، ورفضته إسرائيل.
وهنا يجب الوقوف قليلا عند وجهة نظر المقاومة، فهل سيكون هناك أي معنى لأي هدنة مقترحة دون وقف نهائي للعدوان، وانسحاب كامل من القطاع، وعودة النازحين، وإعادة الإعمار، بعد الفاتورة الباهظة التي دفعها الشعب الفلسطيني؟
وعلى أيّ حال فإنّ الاحتلال مستمر في عدوانه وجرائمه، ويعلن أنه مستمر في ذلك، ولم يبد أي موافقة أو حتى ترحيب بالمبادرة الأمريكية، فيما يتبرع بلينكن ليكون الناطق باسم دولة الاحتلال ووزير خارجيتها .
هذيان بلينكن
من جانبه أكد الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة متهكما أنّ “حماس” تخرّب برنامج نوم بلينكن.
ويقول: نقلت CNN عن مسؤول رفيع في وزارته إنه “ظلّ مستيقظا حتى وقت متأخر من ليلة الثلاثاء في الأردن، لمراجعة رد حماس الذي تلقاه شخصيا من رئيس المخابرات المصرية”.
وأضاف قائلا: لقد استخف “بلينكن” بكلام رئيسه، ومعه بقية العصابة الصهيونية والمتصهْينة، وتمسّكوا فقط بالورقة الإسرائيلية التي لم يعلن نتنياهو الموافقة عليها، بل أعلن “بلينكن” ذلك نيابة عنه، “على سبيل الإحراج”، بتعبير “يديعوت”!
وخلص الزعاترة إلى أنّ “حماس” ليست مضطرة للخضوع لهواجس “بايدن” الانتخابية، ولا لأحلام “بلينكن” في خدمة كيانه على غرار “كيسنجر”.. وشتان بين الشخصيتين، ثم بين المرحلتين وتفاصيلهما أيضا.
المقاومة وحقل الألغام
أما الكاتب والمحلل السياسي داوود سليمان فيؤكد أنّه ومنذ اليوم الأول للحرب تدرك حماس ومعها المقاومة في غزة أن الولايات المتحدة ليست وسيطا وأنها هي طرف رئيس في الحرب، لذا فإن التعامل معها كوسيط يشبه كثيرا السير في حقل الألغام .
ويتابع سليمان بالقول: فلم ترفض الحركة أي مقترح قدم لها، بل قالت إنها ترحب بما يقدم بإيجابية وتتعامل مع الموقف بأنه أمر تفاوضي، وترى حماس ومعها المقاومة أنها لم يخضع في ميدان القتال فلماذا عليها الانحناء في ميدان السياسة والقبول بالضغوط التي تمارس عليها؟
وينوه إلى أنّ ذلك هو ما أكدت عليه حماس بأنها تعاملت “بإيجابية ومسؤولية مع المقترح الأخير وكل مقترحات وقف إطلاق النار والإفراج عن المعتقلين”.
ويستدرك سليمان بالقول: لذا فقد كانت حماس والمقاومة تتريثان في ردودهما على أي مقترحات تقدم لهما وتقدمان تعديلات وإضافات على ما يقدم، إذ تتعاملان مع المفاوضات بحذر يجنبهما الوقوع في أي تأويلات لما يتم التوصل إليه، كما تدرك حماس أن ما لم تحققه إسرائيل وأمريكا في الميدان تريدان أن تحققاه في السياسة، الأمر الذي ترفضه المقاومة جملة وتفصيلا.
وينوه الكاتب إلى أنّ المقاومة تستند في مفاوضاتها على قوتها في الميدان وما أنجزته خلال 9 أشهر من الحرب .
ومن جانب آخر يرى سليمان أنّ ما تواجهه إسرائيل -ومعها الولايات المتحدة- في التفاوض مع حماس والمقاومة، لم تعتده واشنطن وتل أبيب في المفاوضات الأخيرة مع الفلسطينيين خاصة منذ اتفاق أوسلو، إذ كان ما يعرض يتم القبول به وكان يساعد في ذلك الضغوط التي تمارسها بعض الدول العربية على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في حينها.
وكل ما سبق الحديث عنه من انحياز أمريكي، يمكن اختصاره بنافلة القول: على بلينكن أن يتذكر تصريحاته في بداية الحرب تلك التي أعلن فيها انحيازه الكامل لإسرائيل والتي قال فيها: “أنا ممتن لأن أكون هنا في إسرائيل.. وأتيت كيهودي”، فهل بعد هذا الانحياز الإجرامي للإبادة والعدوان على غزة من انحياز؟.