أدانت الضحايا وباركت الإجرام (قمة المنامة)

طاهر محمد الجنيد

 

 

لم تأت قمة المنامة بجديد سوى أنها حملت على عاتقها رفع الحصار البحري الذي تفرضه اليمن على السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني، حتى ولو كان ذلك على حساب دماء وأشلاء الأطفال والنساء والشيوخ من الأشقاء في غزة وفلسطين، لم تتطرق إلى الجسور البرية ولا الجوية التي هبت لنجدة المجرمين من الإمارات والسعودية وغيرها، ولم تدع مصر لممارسة سيادتها وإدخال المساعدات لنجدة المحاصرين في غزة، ولكنها دعت الأمم المتحدة ووكالتها لإغاثة المحاصرين، التهديد والوعيد والضرب بيد من حديد اتجه إلى حيث تطلب أمريكا والغرب عموما، الإرهاب والتطرف، وتجفيف منابعه، أما الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والحصار والتجويع، فلا يمكن مواجهته، لأنه بأيدي اليهود والحلفاء عموما.
وكان أهم ما خرجت به القمة فيما يخص الإجرام الصهيوني على غزة (التأكيد على ضرورة وقف العدوان وخروج قوات الاحتلال من جميع المناطق، ورفع الحصار، وإزالة المعوقات، وفتح المعابر (جميعها) لإدخال المساعدات الإنسانية، وتمكين الأمم المتحدة من العمل وخاصة (الاونروا) وتوفير الدعم المالي، ورفض التهجير القسري في غزة والضفة الغربية والقدس)، والسؤال هنا: كيف سيتم إيقاف العدوان ومن سيوقفه وما دور الجامعة العربية في ذلك؟ هل سيتم ذلك بموجب تحرك عربي وهو أمر مستبعد أم سيتم التخاطب مع التخاطب مع الدول الداعمة للصهاينة، لإجبار الكيان الصهيوني على وقف العدوان والانسحاب؟ ووقف الجرائم التي تستهدف إبادة شعب أعزل مجرد عن السلاح ومحاصر في لقمة العيش ووسائل البقاء، حيث دمرت المباني، والمراكز الصحية، وقطعت خدمات الماء والكهرباء، ومنع الدواء، وقصفت المستشفيات والمراكز الصحية.
قمة المنامة تناست كل الأوضاع المأساوية التي يعيشها الأشقاء في أرض غزة وفلسطين ولم تستطع حتى صياغة كلمة الإدانة في حق اليهود لما ارتكبوه من جرائم وهو أمر معتاد ومتوقع، خاصة أن السقف المسموح به للقادة محدد سلفا من تل أبيب وواشنطن وبرلين ولندن وغيرها من عواصم الإجرام الصليبي بوجهه الصهيوني الجديد.
حذرت من تداعيات وخطورة ما يجري على أرض السودان وليبيا وسوريا، مع أن الأطراف التي أشعلت الحرب، وزرعت الخراب والدمار هي الدول التي صاغت القرارات، وهي ذاتها من تدعم الصهاينة في حربهم، واختارت الإدانة بشدة لعرقلة إسرائيل جهود وقف إطلاق النار في غزة، وإمعانها في توسيع عدوانها إلى مدينة رفح وسيطرتها على الجانب الفلسطيني من المعبر، ويبلغ الخزي والذل والهوان مداه بمطالبة البيان إسرائيل بالانسحاب من رفح من أجل ضمان النفاذ الإنساني الآمن، وتتواصل الإدانة الشديدة لجميع الممارسات والإجراءات الإسرائيلية اللا شرعية التي تستهدف الشعب الفلسطيني الشقيق وحرمانه من حقه في الحرية والدولة والحياة والكرامة الإنسانية، أما بقية الإجراءات فشرعية مهما كانت.
التعليق على البيان وما جاء فيه، يستوجب الكثير، لكن أبرز الملاحظات وأهمها أنه يخاطب الكيان الإسرائيلي بوقف الحرب والتصعيد ولا يتحدث عن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، ولا يحدد ما هي البدائل التي سيتم اللجوء إليها لحماية الشعب الفلسطيني، فهو لا يخاطب الأمة العربية والإسلامية، بل خطاب موجه لأمريكا والمتحالفين معها، ويدعم حلفاءها في المنطقة العربية، فيؤكد على ضرورة الوصاية الأردنية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية مكافأة للأردن على عدم السماح بدخول المساعدات والاكتفاء بالأنزال الجوي حتى أنه يحدد المساحة المطلوبة الوصاية عليها (144) ألف م2، مكان عبادة خالصاً للمسلمين، وما بقي فلليهود الحق في السيطرة عليه، فلا يستطيعون القيام بالمسؤولية لا أمام الله ولا أمام شعوبهم ولا حتى القدرة على التفاهم مع الذين يعملون لصالحهم لصياغة بيان يحفظ ماء الحياء أمام العالم، يعتب على مجلس الأمن ويشيد بدور الجمعية العامة، ويكافئ أبو مازن على دوره في مساندة اليهود ضد أبناء شعبه، على اعتبار أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ..اليمن حضرت في البيان من خلال دعم مجلس القيادة الرئاسي الذي عينته السعودية خلفاً لهادي والمصالحة الوطنية لن يكتب لها النجاح طالما أنها إملاء وصناعة خارجة عن إرادة الشعب اليمني، واليمن قادر على تجاوز أزماته السياسية والاقتصادية وغيرها إذا ترك الأمر لرجاله، لكن رسم السيناريوهات وجعل اليمن في مرتبة الخاضع وتحت الوصاية من قبل تلك الأطراف المعروفة بالعداء الشديد لليمن على مدى التاريخ منذ نشأة هذه الكيانات وحتى اللحظة، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام والتشظي.
وكان الخزي كافيا فيما سبق، إلا أنه أراد أن يقدم الولاء والطاعة لليهود بعد الضربات الموجعة التي وجهتها اليمن لليهود باستهداف سفن الإمداد في البحرين الأحمر والعربي، (فهو يدعو إلى حرية الملاحة البحرية في المياه الدولية، ويدين بشدة التعرض للسفن التجارية، بما يهدد حرية الملاحة والتجارة الدولية)، اليمن لم يهدد الملاحة البحرية، بل إنه يقوم بواجبه الإنساني في استهداف سفن الإمداد للعدو الصهيوني الذي يرتكب أبشع جرائم الإبادة، والسفن غير المرتبطة بالصهاينة لم يتم المساس بها، لكن (من تشبه بقوم فهو منهم)، وهؤلاء من موالاتهم لليهود أصحبوا يلبسون الحق بالباطل ويجعلون استهداف السفن الصهيونية استهدافاً للملاحة الدولية، فإسرائيل لا تستحق الإدانة في حصار غزة ومنع دخول الطعام والغذاء والدواء إليها، ولا تستحق الإدانة إن هي دمرت المستشفيات ومراكز اللجوء الإنساني، لكن اليمن يوجه له اللوم بشدة لأنه يستهدف السفن التجارية المرتبطة بالكيان الصهيوني، والمتعاملين معه، هذا الأسلوب المنحط ليس غريباً على بيان صاغه اليهود بأنفسهم ولم يبق للزعامات العربية ملوكا ورؤساء وأمراء إلا الحضور أمام شاشات الإعلام والتوقيع عليه.
غزة الصامدة الصابرة وفلسطين وأبناء فلسطين على مدى السنوات الماضية من إنشاء الكيان الصهيوني على أرضهم وهم يحاولون الاعتماد على أنفسهم بعد أن عايشوا الخذلان والتآمر عليهم من الحلف الصليبي الأوروبي الأمريكي، والصنائع التي أوجدها على أرض الوطن العربي لتكون هي الذراع الأقوى في إبقاء الفرقة والشتات والسيطرة والسطو على الموارد والثروات التي تساق إليه، كان التنسيق تاما إذا مضت عجلة التطبيع وتمت إبادة الأشقاء على أرض فلسطين، لكن صمود واستبسال أهلها وتمسكهم بالمقاومة واسترداد حقوقهم المصادرة والمغتصبة، أفشل كل المخططات الإجرامية، لذلك فالمواجهة اليوم على أرض غزة هي حماية للأمن القومي العربي وتحطيم لكل المشاريع الاستعمارية الإجرامية، وإذا كان المجرمون يعولون في إجرامهم وطغيانهم على ما نهبوه وما استولوا عليه من ثروات وخيرات الوطن العربي، فإن فلسطين وأحرار العالم يعتمدون على تضحياتهم ويبذلون دماءهم رخيصة في سبيل نصرة الحق والعدل والتخلص من الاستعمار الحديث، وهو ما سيعجل بالنصر بإذن الله عما قريب.

قد يعجبك ايضا