وداعاً عملاق الفكر والنضال السياسي

محمد صالح النعيمي

 

 

تزاحمت الأفكار والمراحل والمواقف والصفات الخاصة بالحياة النضالية لفقيدنا العملاق والمجاهد الشرس والسياسي المحترف والمثقف الذي لا يُشق له غبار، الذي أثرا الحياة السياسية والفكرية والأدبية على مستوى وطننا وامتنا العربية والإسلامية والإنسانية.
سجل تاريخي تتصارع صفحاته في ذهني.. ماذا أكتب؟ وبما تسمح به مساحة مقالي هذا، ويقف تفكيري متسائلا عن أي صفحة أكتب من حياة الراحل السيد القاسم بن علي الوزير -رحمة الله عليه- خشية أن أُكتب شيئاً واترك أشياء هي أهم مما اكتبه من سجل تاريخه النضالي الوطني، ولهذا سأورد قبسات عن حياة الراحل العظيم فقيد الفكر والسياسة والأدب.
لقد كان القاسم -رحمه الله- نابغة في ثوريته ونضاله وشعره، وقد استقى منهجه الفكري من مدرسة المفكر الجزائري والعربي والإسلامي (مالك بن نبي) الذي كان مستشاراً سياسياً لقيادة حزب اتحاد القوى الشعبية اليمنية.
و وصف الراحل في أكثر من منتدى أدبي بأن أسلوبه في الأدب يطابق أسلوب شعر بدوي الجبل الشاعر السوري لما له من ارتباط بهموم الأمة واستنهاضها للتحرر من التبعية والارتهان، فتكاملت شخصية الراحل الإنسانية والفكرية والأدبية بمرجعيات المفكر مالك بن نبي والأديب بدوي الجبل وتكاملت بفكر شقيقه الأكبر إبراهيم في نهجه الفكري ومرجعيته الإسلامية والإنسانية التي تكونت منها مبادئ حزب الشورويين التعاونيين ولاحقا اتحاد القوى الشعبية وهي (الشورى في الأمر، العدل في المال، الخير في الأرض) أي تجسيد رسالة الاستخلاف للإنسان في الأرض حتى لا يستبد النظام السياسي ولا يطغى.
هذا المسار النضالي والسياسي والفكري والأدبي للراحل تجسد في ثقافته الفكرية والسياسية والأدبية، وجعل التحرر من التبعية والارتهان أهم نضالاته، وأعطى من حياته حيزاً كبيراً للقضية الفلسطينية حوتها كتبه وكتاباته الأدبية وقصائده الشعرية.
كان الراحل قاسم بن علي الوزير منذ شبابه يجيد التحدث ببلاغة وحنكة وحكمة؛ فهو من أقنع الزعيم السوفيتي خروتشوف بيمنية جنوبي اليمن – لأن ما قبل الثورة اليمنية ومن خلال مخرجات الاستعمار البريطاني على المستوى التعريفي لجنوب اليمن كان يسمى (الجنوب العربي)-، فحينما ذهب إلى موسكو مع وفد برئاسة عبدالله السلال رئيس الجمهورية اليمنية ليقنع القيادة السوفيتية بالاعتراف بجنوب اليمن، كاد الوفد أن يفشل في مهمته لولا تدخل السيد القاسم بن علي الوزير بطلب الكلمة – لا يوجد متسع لذكر تفاصيلها هنا – وما أن فرغ قاسم الوزير من كلامه حتى رد عليهم الزعيم السوفيتي (خروتشوف) بإعلان الاعتراف بالجنوب اليمني، وقام الزعيم خروتشوف بإهداء مسدسه الخاص للقاسم وطلب من السلال بقاء قاسم الوزير لديه لمدة ستة شهور إلا أن السلال اعتذر عن ذلك.
هذا الموقف يبين مقدرة الراحل على الإقناع والقدرة على الحوار السياسي وإقناع الآخرين بمنطقه وحجته التي لا يجيدها إلا قلة من السياسيين، ومثلت ولأول مرة انتصاراً للثورة وأسست شرعية للوحدة اليمنية وجغرافيتهاً وألغت كل ما صنعه الاستعمار من تقسيم للجغرافيا اليمنية ليعود الجنوب والشمال اليمن.
وحمل الأخوان الراحلان القاسم بن علي الوزير وأخوه المفكر إبراهيم على عاتقهما استنهاض شعبهما اليمني وأمتهما العربية والإسلامية من حالة التيه والعودة إلى المنهج القرآني والعمل وفق قانون السنن الكونية واستخلاف الإنسان في الأرض (الخير في الأرض، العدل في المال، الشورى في الأمر)، وهذه هي مرتكزات الدولة العادلة التي توحد شعبها وتحرره من التيه والارتهان للعالين في الأرض، وبدون هذا المنهج القرآني وقانون السنن ستظل تتجاذبها هيمنة العالين في الأرض من أنظمة استعمارية، وهو ما ورد في كتاب الراحل المفكر إبراهيم بن علي الوزير “على مشارف القرن الخامس عشر الهجري”.
نعم لقد كانت رسالتهم الفكرية والسياسية تعتمد على ترسيخ قيم المنهج القرآني كثقافة وسلوك وممارسة في حياة الفرد والمجتمع ولتحرير الإنسان من التبعية والانحراف الفكري والفقهي؛ الذي مزق الأمة وشكل عائق أمام نهضتها.
لقد أدى الأخوان -رحمهما الله- الأمانة وأحسنا إيصال الرسالة لشعبهما وأمتهما من خلال الفكر الذي طرحاه وما قدما من محاضرات وكتابات وشعرا، ولا ننسى أيضاً ما قدمه أخوهم عباس -رحمه الله- وأخوهم الدكتور زيد الباحث والمؤرخ العظيم -حفظه الله وأمد في عمره- ليتكامل دور هذه الأسرة الثوري والفكري والسياسي والمجتمعي.
تميزت أسرة علي الوزير العريقة بتكامل الأدوار والتعاون في المهام بين الإخوة، فكان العباس مرجعية قرارهم السياسي والمسؤول القبلي والاجتماعي، فكانت له صولات وجولات مع زميله الأستاد علي عبد العزيز نصر في لقاءات مع رؤساء وملوك في العالمين العربي والإسلامي في ستينيات القرن الماضي أثناء الحرب الملكية الجمهورية، وكذلك مثل الأخوين إبراهيم والقاسم نشاطاً موازياً وعملاً جماعياً من منطلق (لا للماضي الظالم ولا للحاضر الدامي ونعم للشعب اليمني يقرر مصيره بنفسه) وسعوا إلى إقناع مصر والسعودية لوقف الحرب وايقاف تدخلهم في الشأن اليمني وترك اليمنيين يقررون مصيرهم بأنفسهم.
ومثّل المسار الإعلامي والثقافي في تلك المرحلة زيد بن علي الوزير -حفظة الله وادام عزه وصحته- ليتكامل دور هذه الأسرة الثورية والفكرية والسياسية والمجتمعية تحتاج الكتابة عنها لمجلدات.
كما كانت الأدوار متكاملة أثناء المواجهة مع نظام علي عبدالله صالح فقد كان ضمن تشكيلة المجلس الاستشاري عدداً من القيادات المؤسسة لحزب اتحاد القوى الشعبية منهم الأمين العام الراحل محمد عبد الرحمن الرباعي -رحمة الله عليه- الذي وقف أمام المد الوهابي في مؤسسات الدولة ومؤسسات التعليم بكل مستوياتها.
في الوقت الذي كان أخوهم العباس يخوض نشاطه السياسي والمجتمعي في وسط المجتمع والقبيلة على مستوى مناطق الطوق القبلي لصنعاء للإعداد والترتيب لإعلان ثورة مجتمعية ضد نظام علي عبدالله صالح، وعمل السيد ابراهيم على الملف الخارجي في إقناع بعض الدول بالدعم والتأييد السياسي ووقف أي تدخل عربي أو دولي في الشأن اليمني إضافة إلى كسب تأييد المفكرين والعلماء وبعض الشخصيات الفكرية ذات التأثير بالرأي العام الإعلامي والنخبوي، وهكذا مثل التعاون والتكامل في الأدوار السياسية والإعلامية والفكرية بين الإخوة من أبناء علي الوزير وزملائهم من قيادات اتحاد القوى الشعبية، ولا نغفل دور القيادي في الاتحاد المناضل الاستاذ علي عبد العزيز نصر صاحب القصيدة المشهورة (أنا الشعب زلزلة عاتية…إلخ).
ختاماً نقول: إنا على العهد ماضون وثابتون، نؤدي رسالتنا حتى نلتحق بالراحلين ونحن أوفياء للأمانة التي حملناها تجاه شعبنا وامتنا، وسنكمل هذا الطريق مع كل مخلص يحمل هذه الرسالة لقيادة التحرر والتحرير من هيمنة نظام الاستكبار العالمي، خاصة محور المقامة وما انجزه في هذا السياق حتى تنهض الأمة ويعاد لها دورها وتاريخها الحضاري.
إلى جنة الخلد أيها الفقيد الراحل القاسم بن علي الوزير مع النبيين والصديقين والشهداء.

*عضو المجلس السياسي الأعلى

قد يعجبك ايضا