الديمقراطية وحقوق الإنسان واللوبي اليهودي

طاهر محمد الجنيد

 

 

بعد أن سقطت الشعارات الزائفة التي اتخذتها أمريكا لممارسة نفوذها وهيمنتها على دول العالم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، كأسباب للتدخل وغزو أراضي الدول المطلوب إخضاعها، وكان آخر جولات السقوط هو الدعم اللا محدود للكيان الصهيوني في جرائمه ضد الإنسانية والإبادة الجماعية على ارض غزة، حيث اتضح جلياً أنها شعارات زائفة ومخادعة ولا تمت للإنسانية والمبادئ الديمقراطية بأية صلة، وانما هي مبررات واهية ودعايات كاذبة لزيادة مساحة السيطرة والنفوذ للقوى الرأسمالية التي تحركها أمريكا خاصة بعد سقوط القوى الاشتراكية التي كانت تمثل القطب المضاد لتلك الهيمنة.
ولم يقتصر السقوط المدوي لتلك الشعارات على مستوى السياسة الخارجية، بل إنه شمل السقوط الداخلي، حيث لم تستطع أمريكا ان تمارس السكوت على الحركات الاحتجاجية التي قام بها الناشطون في السياسة والإعلام، وأيضا الحراك الجامعي لطلاب الجامعات الذين تضامنوا مع مظلومية الشعب الفلسطيني، وعبروا عن إدانتهم لجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية والمجازر الهلوكوست الذي ارتكبته القوات الصهيونية على أرض غزة.
لقد تهاوت الحريات وحقوق الإنسان تحت جنازير الجيش والشرطة الأمريكية التي قامت باعتقال العشرات من الطلاب وأساتذة الجامعات الأمريكية والزج بهم في السجون ولم تستطع أن تغض الطرف عن تعبيرهم السلمي واحتجاجاتهم وتضامنهم، طالما أن الأمر يتعلق بحماية وأمن الكيان الصهيوني الذي تعد حمايته أهم من حماية أمريكا ذاتها.
فلم يعد مستغربا أن يتم اعتقال الطلاب واقتيادهم إلى مراكز الاحتجاز وكذلك دكاترة الجامعات هناك، والسبب في ذلك أن الصهيونية العالمية هي من تدير شؤون أمريكا، وأن المرشح لأي منصب سياسي أو أي وظيفة هامة لا بد أن يدين بالولاء والطاعة لمنظمة (ايباك) التي وجدت أساسا لإسقاط المعادين والمناوئين للسياسة اليهودية وضمان فوز المرشحين الذين يدينون بالولاء للوبي الصهيوني هناك.
إن المصالح المشتركة المتمثلة في السيطرة على الثروة ومصادرها والاستحواذ عليها، والتحكم في العالم، هي التي جمعت بين اللوبي الصهيوني والقوة الأمريكية في بداية الأمر، لكنه ما لبث أن تحول إلى علاقة التابع بالمتبوع، فقد كانت هناك أصوات أمريكية تنادي بمواجهة خطورة اليهود ولكن اللوبي الصهيوني استطاع بوسائله الخبيثة القضاء على كل تلك التوجهات وأسكتها سواء بالقوة أو بالمال، حتى وصل الأمر إلى أن أصبحت رعاية مصالح الصهيونية واللوبي اليهودي، أهم وأولى بالرعاية من حماية المصالح الأمريكية ذاتها، وإذا تعارضت المصالح الأمريكية مع الصهاينة فسوف تتم التضحية بها من أجل إرضاء اليهود.
وبينما الرأي العام الأمريكي السياسي والاجتماعي يشهد تحولات أساسية في مناهضة الدعم والسيطرة اللا محدودة لحماية الكيان الصهيوني، وبنسب عالية، تؤكدها استطلاعات الرأي العام، فإن القرار الرسمي والسياسة الأمريكية على المستويين الداخلي والخارجي، لا زالت أسيرة لحماية ورعاية ودعم الكيان الصهيوني، بكل أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، وذلك انطلاقاً من الحاجة والضرورة التي يضعها منظرو السياسة الأمريكية مثل وزير الخارجية الأمريكي السابق “كسينجر” والمفكر الصهيوني (حمويل هنجتون)، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي الحالي(بايدن) بأنه ” لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان على أمريكا إيجاد إسرائيل”، فهي تمثل القاعدة المتقدمة للنفوذ الأمريكي على مستوى الشرق الأوسط وآسيا والقارة الإفريقية، ولذلك فإن حمايتها ورعايتها تتطلب التضحية بكل المبادئ والقيم على المستويين الداخلي والخارجي.
أمريكا اليوم لا تؤمن بالحريات، ولا بحقوق الإنسان، لأنها تمس أهم أساس لها في سياستها مع العالم العربي والإسلامي (الكيان الصهيوني)، لذلك فإنها تقوم باعتقال كل من يطالب أو يتظاهر ضد إسرائيل، وحتى أن ساستها وإن أبدوا نوعا من النقد والتذمر أمام الرأي العام المحلي والعالمي، فإنهم يعتذرون عما بدر منهم، وأن ذلك كان ضروريا للمحافظة على سمعة أمريكا، لكن البعض من الساسة الأمريكيين لا يستطيعون أن يلتزموا بذلك، فوجدنا منهم من يدعو لإبادة الشعب الفلسطيني نساء وشيوخا وأطفالا، وأنهم ليسوا من المدنيين، ويحق لإسرائيل ممارسة الإبادة والجرائم ضد الإنسانية والتجويع والحصار عليهم، فهم ليسوا بشرا، وليسوا جديرين بالرحمة طالما أنهم ينادون بحقوقهم في مواجهة الكيان الصهيوني.
وإذا كان صهاينة أمريكا قد كشروا عن أنيابهم تجاه المظاهرات والحركات الاحتجاجية ضد إسرائيل، فإن صهاينة العرب قد أحكموا قبضتهم على الشعوب العربية في المشرق والمغرب ونكلوا بالمناهضين والمتظاهرين الداعمين لأشقائهم على أرض غزة وفلسطين، حتى أن تلك المظاهرات ممنوعة، حيث أنه لم يسمح لهم بالسير أو ممارسة الاحتجاج، مما يؤكد عمق العلاقات القائمة بين الأنظمة وبين الصهاينة، ولولا تلك العمالة والخيانة منهم لتحركت الشعوب العربية والإسلامية لنصرة الأشقاء على أرض فلسطين أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
فقد مضى عهد الدعم بشكل سري وخفي للكيان الصهيوني وجاء عهد الدعم والمساندة العلنية والمباشرة، وهو أمر أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى “ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا”، فهم اليوم أكثر حضورا ونفيرا في وسائل الإعلام وعلى مستوى القرار السياسي، لامتلاكهم المال والنفوذ والدعم من العملاء والخونة الذين نصبوهم حكاما على معظم دول العالم ومن ذلك دول العالم العربي والإسلامي، وهو ما أكده التقرير الذي أعده الإعلام الصهيوني احتفاءَ بمرور مائة عام على وعد “بلفور” وزير خارجية الإمبراطورية الإنجليزية التي غابت عنها الشمس، لكن مآسيها وجرائمها لا تزال تتوالى طالما أنها وضعت وأعطت أرضا عربية هي وقف إسلامي لا يجوز التصرف فيه من قبل المسلمين أنفسهم، فكيف لغير المسلمين أن يتنازلوا عنه.
ومع ذلك فإن القيادة الحكيمة للمسيرة القرآنية ممثلة بالسيد العلم عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، تمثل الاستثناء في دعم وإسناد القضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني، انطلاقا من توجيهات القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم.

قد يعجبك ايضا