برزت خلال الساعات والأيام القليلة الماضية تحركات دبلوماسية ورحلات مكوكية لبعض المسؤولين الأمريكيين والغربيين للعديد من دول المنطقة، تزامنا مع تهديدات الكيان الصهيوني باجتياح مدينة (رفح) آخر المعاقل التي لجأ إليها غالبية سكان قطاع غزة باعتبار رفح هي المنطقة الآمنة التي حددها العدو لسكان القطاع الذين تم تهجيرهم قسرا من مناطقهم في شمال ووسط القطاع..
لا أعتقد أن هناك إنجازا قد يحققه الكيان من اقتحام مدينة رفح غير قتل المزيد من النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين العزل وتدمير بقايا مراكز خدمية في المدينة، غير أن أزمة رفح مركبة بالنسبة للكيان بدءا من كون دخولها يمثل إهانة لمصر وجيشها ونظامها وإحراجاً لواشنطن والمنظومة العربية والغربية المرتبطة بعلاقة مع الكيان خاصة وان جرائم الكيان وجيشه، قد أخفقت طيلة سبعة أشهر في تحقيق أي إنجاز يذكر، وان كل حسابات قوات الاحتلال ورهاناتها على القضاء على المقاومة من شمال القطاع إلى وسط القطاع وجنوبه، كل هذه الرهانات باءت بالفشل، كما خاب امل جيش العدو وقادته في القضاء على قادة المقاومة، رغم الدمار الذي حل بالمرافق الصحية بعد أن زعم العدو بأن قادة المقاومة يتحصنون داخل هذه المرافق ولكن كل هذا كان مجرد أكاذيب رغم أن واشنطن صدقت وأيدت مزاعم الكيان وجيشه، فاتضح أن كل تلك المزاعم كانت كاذبة ولم تبق بالتالي سوي منطقة رفح التي لجأ إليها غالبية سكان القطاع من المدنيين..!
في هذا الحراك الدبلوماسي تكاد تطغى فكرة (حل الدولتين) التي رفضتها أمريكا داخل مجلس الأمن واستخدمت حق النقض الفيتو لإسقاط قرار الاعتراف الدولي بمنح فلسطين صفة العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.. غير أن أمريكا وعلى لسان قادتها عادت لتسوق فكرة حل الدولتين التي تريدها واشنطن أن تكون برعايتها وهي من تشكل تفاصيلها عبر مسارات تفاوضية قد تستغرق (سبعين عاما) أخرى..!
لكنها أيضا تريد أن تعطي العرب عامة والفلسطينيين خاصة حلا (مؤجلا) في ذات الوقت تريد ثمنه (مقدما)..!
اجتياح رفح لن يحقق للعدو انتصارا يذكر، ولن يمكنه من القضاء على المقاومة ولا من استعادة الرهائن، ولن يحصل في رفح على قادة المقاومة، ولن يطلع له (الضيف والسينوار) رافعين( الرايات البيضاء) فهذا لن يحدث إلا في مخيلة (نتنياهو) وعصابته أمثال( بن جفير وسمويتريش) اللذين جعلا من رئيس حكومة العدو بمثابة (كلب) يسحبانه إلى حيث يتجهان، وتوجهاتهم الشيطانية الخبيثة، ليس سيئا ولا مكروها لدى أحرار فلسطين والأمة والعالم، بل إن في تطرفهم خيرا وفي غطرستهم وجنونهم نعمة للأشقاء في فلسطين ولأحرار الأمة، لأنهم يمثلون (أكابر الكيان الصهيوني)، ولأنهم كذلك فقد منحهم الله هذه المكانة ليفسدوا ويفسقوا ليحق القول على هذا الكيان ليدمره الله تجسيدا لقوله تعالى: «وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا» صدق الله العظيم.
لقد أظهر القادة الصهاينة مؤخرا حقيقة وجوههم، كما اظهر العالم وأنظمته بدورهم حقيقتهم بعد أن تساقطت الأقنعة الزائفة من وجوه الجميع..
اللقاءات الدبلوماسية المكثفة قطعا لن تنقذ الكيان من مصيره الحتمي، ولن يتحقق بالدبلوماسية أيضا ما لم يتحقق بآلة الموت الصهيونية -الأمريكية، ولم يتحقق في رفح للعدو ما لم يتحقق له على طول القطاع وعرضه، غير مزيد من القتلى والدمار وهذا لم يعد يعني شيئا للمقاومة وللشعب العربي في فلسطين الذي تحمل ابشع عدوان على مدى سبعة أشهر وحصارا له أكثر من عقد ونيف، وضحايا سقطوا في سابقة هي الأولى في تاريخهم مع العدو الصهيوني بعد أن تجاوز عدد الشهداء والجرحى المائة ألف، فيما المهجرون من منازلهم تجاوزوا المليونين، هذا في القطاع ناهيكم عما يجري في الضفة والقدس وبقية الجغرافية الفلسطينية من اعتداءات يومية على يد أجهزة الشرطة والعصابات الاستيطانية التي تعيد للذاكرة عصابات أسلافهم التي أقامت بجرائمها اللبنات الأساسية لهذا الكيان العابر..!
كل هذا لم يعد يرعب المقاومة ولا الشعب الفلسطيني الذي قرر أن يخوض معركة التحرير والاستقلال والدولة والحرية، ولهذا كانت هذه التحركات المكوكية واللقاءات والمؤتمرات التي تحاول أمريكا من خلالها منح الكيان انتصاراً بديلاً أو مكافأة عن هزيمته أمام المقاومة، إذ أن واشنطن تدرك أن دخول رفح من قبل الصهاينة لن يحقق لهم أهدافهم، بل سيزيد من جرائمهم دون جدوى، ناهيكم عن أن دخول رفح سيضع النظام المصري أمام تحديات جسيمة، تحديات قد تنقلب وبالا على، الكيان نفسه وعلى مصالح أمريكا في المنطقة، خاصة وهناك حلف شلة رباعي أطرافه مصر، والأردن، والإمارات، والسعودية، وهؤلاء هم أصدقاء وحلفاء أمريكا وعليهم تراهن واشنطن في دمج الكيان اللقيط بجغرافية المنطقة، وبالتالي تسعى واشنطن إلى تحقيق أكثر من إنجاز من خلال هذه اللقاءات خاصة تلك التي تجري في الرياض، فهي تريد إحياء حلف عربي _صهيوني لمواجهة إيران ومحور المقاومة ومن خلاله وقف نفوذ روسيا والصين، الأمر الآخر رغبة واشنطن في تعويض الكيان عن هزيمته في قطاع غزة بإنجاز التطبيع مع السعودية، وثالثا تسويق فكرة (حل الدولتين) كطعم تلقيه أمريكا أمام العرب، لكن الأهم أن تمنح الكيان ثمنه مقدما وهو التطبيع مع السعودية والتحالف العربي الصهيوني ضد إيران ومحور المقاومة، ثم إيجاد مسار للتفاوض عن حل الدولتين، ربما يستغرق نصف قرن قادم أو أكثر..!
المهم لدى واشنطن إخراج الكيان من أزمته الراهنة وإظهاره بمظهر المنتصر ولكن لن يتحقق هذا إلا بالتطبيع مع الرياض والتحالف ضد محور المقاومة وإعادة إحكام واشنطن قبضتها على أنظمة المنطقة وقطع أي تواصل استراتيجي بين أنظمة المنطقة وكل من روسيا والصين، والأهم إفراغ التفاهم السعودي- الإيراني الذي أنجزته الصين من أي قيمة..!
وبالمقابل تلميع النظام السعودي الذي قد يربط التطبيع مع العدو بمصلحة القضية وحقنا لدماء الشعب العربي في فلسطين وحتى لا يدخل العدو إلى مدينة رفح..!، حتى يبدو الموقف السعودي وكأنه تضحية من أجل فلسطين وقضيتها ومن أجل شعبها، وفي سبيل تحقيق أمن واستقرار المنطقة وإنجاز (سلام الشجعان، والسلام العادل)..!
وهذا ما سوف تؤكده تداعيات قادم الأيام.