إنها المرة الأولى التي اختارت فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرد المباشر على الإجرام الصهيوني عليها، فقد أرسلت الطائرات المسيرة والصواريخ إلى عمق الأراضي المحتلة مستهدفة ضرب أهداف عسكرية حيوية، حسب الرواية التي تم الإعلان عنها، وهي نقلة نوعية لمسار الصراع الصهيوني- الإيراني الذي كان يتحاشى الدخول المباشر في مواجهة مع الكيان الصهيوني رغم الاعتداءات الكثيرة والأهداف الحيوية التي تم استهدافها، فلم يعد بعد المسافة حاجزا ولا حائلا دون الرد، ولم يعد الاعتماد، على الحلفاء والموالين لها من ضمن الممكنات التي يوكل إليها القيام برد الاعتداء الكيان الصهيوني في كل مرة يستهدف الأهداف الاستراتيجية للجمهورية الإيرانية يعلن ذلك، وكان الصمت وانتظار الفرصة للرد من إيران هو الأسلوب المتبع، مما شجعه على الاستمرار والتطاول أكثر فأكثر، تم اغتيال رئيس هيئة الطاقة النووية في عمق الأراضي الإيرانية بأسلوب معقد وبقدرات كبيرة، وتم اغتيال الشهيد المجاهد الحاج قاسم سليماني والمهندس في العراق وكان الرد الإيراني ضرب قاعدة عين الأسد التي تتمركز فيها القيادة الأمريكية، لكن التعتيم الإعلامي والسيطرة الإعلامية، أظهرت قدرات الاغتيال وشوهت حقائق الرد الذي كان فاجعة على أمريكا وحلفائها من الصهاينة، وصهاينة العرب، وتمادى الصهاينة في ضرب الأهداف الحيوية الإيرانية في سوريا وكان آخرها قصف القنصلية الإيرانية واغتيال الشهداء الذين جاء هذا الرد المباشر ليؤكد أن إيران تستطيع أن تدافع عن نفسها مباشرة.
إيران صرحت للعالم بأن ردها يستهدف أهدافاً عسكرية حيوية كالمطارات والمعسكرات والأماكن العسكرية الحساسة، وإسرائيل تكتمت على الإصابات والآثار التي طالتها الطائرات المسيَّرة والصواريخ، وبعض المحللين يريدون أن يتخلصوا من الشك، لأنهم مؤمنون بإسرائيل وقدراتها ومصداقيتها، مع أنهم يعلمون أن اليهود وخاصة الصهاينة كاذبون على ربهم، فهل سيصدقون مع خلقة ” ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” آل عمران الآية (75).
لقد اعتمد الصهاينة على الدعاية والذباب الالكتروني واللوبي الإعلامي المسيطر على وسائل الإعلام العربية والأجنبية في تحقيق أهدافه وتحطيم معنويات خصومه، وهو ما ظهر جليا في كل الحروب التي خاضها وآخرها حرب السابع من أكتوبر التي أثبتت للعالم أجمع أن الكذب والتضليل والخداع أساس الاستراتيجية اليهودية، المقاومة ببسالتها وبطولتها حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، والرد الإيراني كشف مقولة القبة الحديدية، فرغم الحصار المفروض على أبطال المقاومة إلا أنهم استطاعوا اختراق الجدار العازل واستطاعوا الصمود والمواجهة لأكثر من سبعة أشهر في ظل تكالب الاعتداء والقتل والإجرام من الجيش الصهيوني والمتحالفين معه، والاسناد والدعم الذي يتلقاه العدو من قبل صهاينة العرب والمنافقين والخونة.
وكشف الرد الإيراني أن السكوت على الإجرام الصهيوني لن يستمر، فهناك ردود مباشرة بمختلف أنواع الأسلحة المدمرة، ولن يستطيع الحلفاء المتصهينون إيقاف تلك الصواريخ والمسيَّرات من الوصول وتأديب القتلة والمجرمين إلى عمق الأراضي المحتلة، فقد أصبحت الآن في مرمى الاستهداف المباشر وهي رسالة يجب أن يعيها الصهاينة.
هذا التراشق المتبادل بين إيران وإسرائيل يجب أن تستفيد منه الأنظمة العربية والإسلامية وأنه يصب في مصلحة القضية الفلسطينية التي تمثل أولوية السياسات العربية وفقاً لما هو مُعلن، لكن التطبيع واستفراد الصهاينة بالدول الواحدة تلو الأخرى جعلها تساند توجهات الصهاينة وتنحاز ضد إيران كدولة ونظام، حتى أن بعضها اعتنق الصهيونية وتنصل عن العروبة والإسلام، ومن العجيب أن بعض الدول حاولت جاهدة اعتراض الصواريخ والمسيَّرات عن الوصول إلى الأراضي المحتلة مساعدة وعوناً للصهاينة، بينما الأجواء مفتوحة إذا كانت الضربات من الكيان الصهيوني لاستهداف أي قطر عربي أو إسلامي، كما فعل الكيان الإسرائيلي في استهداف المفاعل النووي العراقي، عندما اخترقت طائراته الحربية أجواء المملكة العربية السعودية -آنذاك -رغم وجود الإنذار المبكر “الاواكس” ولم تفعل السعودية شيئاً من أجل منع الاعتداء، وليس ذلك فحسب، فالاغتيالات التي تمت لقيادات العمل الوطني في حركات المقاومة الفلسطينية فتح أو حماس أو الجهاد أو الجبهة الشعبية، تمت بإسناد ودعم من قبل بعض الأنظمة العربية في تونس ولبنان وغيرهما من البلدان كالإمارات أو الأردن.
فقد فاجأ الرد الإيراني المطبعين والعملاء والخونة وجعلهم يشنون الدعايات المضللة سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر المنابر الإعلامية المحلية والعربية أو العالمية، ولم يبق إلا أن يشكلوا تحالفاً للرد على إيران، لأنها اعتدت على كيان الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالصواريخ والمسيَّرات على أن يستثنوا المقاومة الفلسطينية منه، أما إسرائيل فهي أول من يجب أن يشمله الحلف إن لم تشكل هي الحلف المراد للرد على إيران.
إيران ومعها محور المقاومة هي من تواجه اليوم الحلف الصهيوني الصليبي الذي اغتصب أرض فلسطين وشرد أهلها وارتكب المجازر والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة والتجويع والحصار بحق أشقائنا على أرض فلسطين وقطاع غزة، أما من رفعوا يوماً من الأيام شعار “تحرير فلسطين من النهر إلى البحر”، فقد انكشفت سوءاتهم وأصبحوا للصهاينة داعمين ومؤيدين، وهو تحول ليس مستغرباً، فمن أوصلهم إلى سدة الحكم والسلطة هو ذاته من أوجد الصهاينة وأعطاهم أرض فلسطين، وهي مسرحية هزلية لم تعد تنطلي فصولها وحواراتها على الشعوب العربية والإسلامية وسيأتي اليوم الذي تستعيد فيه كرامتها وحقوقها من الصهاينة والخونة والعملاء وما ذلك على الله بعزيز.