فرض الحلف الصليبي الصهيوني الحصار على غزة براً وبحراً وجواً، مستخدماً قواته وتفوقه التكنولوجي وإمكانياته الرهيبة في فرض حصاره على مساحة من الأرض لا تتجاوز (64) كيلو متراً مربعاً هي مساحة غزة، المحاطة بين سورين الأول شيده الأعداء، والثاني شيده الأشقاء بدعم وتوجيه من الأعداء، وحتى البحر فقد سيطرت عليه البوارج والسفن المملوكة للمجرمين من الحلفاء بهدف قتل وإبادة أكثر من مليونين ومائتي ألف إنسان، وهنا يكمن السؤال: لماذا الإصرار على تقديم المساعدات الإنسانية لكل تلك الأعداد الضخمة التي أصابها الموت جوعا وعطشا وقتلا وإبادة؟ الجواب بسيط وسهل هو أن المساعدات إذا تم توزيعها بواسطة فتح المعابر ستصل إلى أيدي السلطة الفلسطينية التي تمثلها حماس، وهم لا يريدون ذلك، وهذا هو المبرر الذي يتذرعون به لعدم فتح المعابر سواء من جانب السلطات المصرية، أو السلطات الإسرائيلية، والحقيقة عكس ذلك، فالتوزيع بواسطة الانزال الجوي يتسم بالعشوائية وعدم تغطية كل الفئات المستهدفة والمحتاجة، فإلقاء المساعدات لن يستفيد منه إلا من يستطيع الوصول، لا العاجز أو من يتم الالقاء بعيدا عن مكانه ومحله، وأما التوزيع بواسطة البحر فإنه أيضا يتسم بذات العيوب، مع الإشارة هنا إلى أن من يشارك في القتل والإبادة بسلاحه وبدعمه اللا محدود اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، هو من يتولى التوزيع وتقديم المساعدات، لكن بوجه إنساني من جانب وقاتل من الجانب الآخر.
فالرصيف البحري الذي يتم إنشاؤه على ساحل غزة، تنفذه شركة أمريكية بتمويل إماراتي، أو بالأصح خليجي – صهيوني صليبي.
الأهداف واضحة والنوايا تؤكدها الأفعال والممارسات الواقعية الملموسة ومنها تحطيم إرادة الصمود والمقاومة لدى أبناء الشعب الفلسطيني عامة وغزة خاصة، ومحاولة الإيقاع بين المقاومة والشعب، وهي نوايا واضحة جعلت تلقي باللوم على حماس أنها شنت الحرب على الصهاينة، مما جعلهم يشنون حرب الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، الصهاينة والخونة والعملاء العرب برروا ذلك استنادا إلى المرجعية الدينية التي تكفل بها علماء السلطة وعبادها، والمجرمون استندوا إلى مبدأ الدفاع عن النفس، الأولون برروا التخاذل وأدانوا الضحية، وأجازوا قتل إخوانهم، حاشا لله أن يكون هناك مؤمن أو مسلم يبيح قتل المسلمين حتى لو اختلف معهم في الرأي أو المذهب أو النشاط السياسي، والثاني: اعتمد على القانون، فترك أصل المسألة وهو الاحتلال الذي يمارس إجرامه على مدى أكثر من خمسة وسبعين عاما، وكأن المسألة وليدة أحداث السابع من أكتوبر وليس الاحتلال والاستيطان هما السبب في كل تلك الجرائم السابقة واللاحقة وحتى الآن.
الاحتلال الصهيوني يمارس القتل والإجرام والعالم يتفرج ولا يستطيع إيقاف الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، الأمة العربية محكومة بحكامها الذين غالبيتهم مع العدو الصهيوني والحلف الصليبي على حساب أشقائهم وإخوانهم، ففلسطين والمسجد الأقصى لا يعنيان لهم شيئا بقدر ما يعنيهم إرضاء اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم، لأنهم ما وجدوا إلا لكي يطيلون أمد الخلاف والشقاق والقضاء على كل معاني التوحد والأمة الواحدة، ولا يختلف الأمر كثيرا على مستوى الدول الإسلامية، مع وجود استثناء هنا وهناك من زعامات استطاعت أن تصدح بكلمة، لكن التهديدات والضغوط أثرت على مجمل تلك المواقف الإنسانية المقتولة في غزة.
أحرار العالم والشرفاء شرقاً وغرباً مسلمين ومسيحين ويهوداً ينادون: دعوا غزة تعيش، ولكن الحلف الصهيوني يؤكد المضي قدماً في اقتراف المزيد من الإجرام، ولن يكتفي بما فعل، فدماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة لا تعني شيئاً، فهو يطبق تعاليم توراته وتلموده المحرفين- بإبادة الإنسان والحيوان والشجر والحجر، أما القانون الدولي والإنساني، وحقوق الإنسان، والمواثيق الدولية، فهي لا تعني لهم شيئاً، سوى شعارات يتم رفعها لمعاقبة الأمم والشعوب المتخلفة والنامية، أما الشعوب المتحضرة في ممارسة الإجرام والإبادة والقتل فلا تطبق عليها، وهي تملك إعدامها في مجلس الأمن بواسطة الفيتو أو في الجمعية العامة.
استغربت كثيراً وأنا أتابع جلسة مجلس الأمن الدولي لمناقشة القرار الذي قدمته أمريكا، بعد أن أعدمت قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف إنساني فوري لإطلاق النار، وقدمت مشروعاً بديلا يضمن لليهود تحقيق المكاسب التي عجزوا عن تحقيقها بكل الجرائم التي ارتكبوها على ارض غزة، بمعنى أن الحرب ستستمر ما لم يتم إطلاق سراح أسرى الجيش الصهيوني، والذين يشير إليهم القرار بأنهم رهائن وليسوا مجرمي حرب متمرسين تم أسرهم، حيث ربط القرار إطلاقهم بالوقف الفوري والدائم لإطلاق النار لحماية المدنيين من جميع الأطراف، وتمكين إيصال المساعدات الإنسانية الأساسية، وتخفيف المعاناة، بالتزامن مع اطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا محتجزين، وهذا الشرط معناه استمرار شرعية الإجرام والقتل والإبادة، لأنه يجعل إبادة المدنيين رهناً بإطلاق أسرى الجيش الصهيوني الذين لم يستطع تحريرهم بالقوة، بل إنه قتلهم بنفسه بدلاً من أن يحررهم.
الأسوأ في القرار (المشروع) وهو كله سوءات أنه يجعل اجتياح رفح رهناً للمساومة ويرسم أهداف الحرب وهي تهجير الفلسطينيين إلى البلدان المجاورة “سيؤدي إلى مزيد من الضرر للمدنيين” ونزوحهم، وربما إلى البلدان المجاورة، ستكون له آثار خطيرة على السلام والأمن الإقليميين، ولا ينسى المجرمون- إدانة الضحية وتبرئة القتلة والمجرمين، فيدين حماس والجماعات الأخرى ويطالبها بالسماح فورا بوصول المساعدات الإنسانية إلى أسرى جيش القتلة والمجرمين.
إنه إجرام مشروع ومقنن تحميه القرارات الدولية، إما طوعا أو كرها، فهل بعد ذلك يمكن الحديث عن الركون إلى المطالبة بالحقوق لشعب أعزل يتعرض للإبادة استنادا إلى منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فمنذ أن نشأ الكيان الصهيوني واستولى على أرض فلسطين من الانتداب البريطاني عام 1945م، تم استخدام حق النقض الفيتو من الأعضاء المسموح لهم بذلك وهم (أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) “36” مشروع قرار ينتقد الكيان الصهيوني أو يدعو لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تطبيقا لقرارات الأمم المتحدة ذاتها، اعترضت أمريكا على (34) قرارا منها، واعترضت الصين وروسيا على (2) منها، وكان آخرها في 18/ 10/ 2023م الذي يطالب بهدنة إنسانية وإلغاء أمر الإخلاء لشمال غزة- من قبل الكيان الصهيوني، إنها مسيرة من الإجرام المتوالية، لن تتوقف إلا بالجهاد لتحرير الأرض من دنس الاحتلال وعودة الحق لأهله.