المعوِّذات هي السور الثلاثُ التي اختتم بها الحقُّ سبحانه كتابه، وهي أفضلُ ثلاثِ سورٍ أُنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم، عن عُقبة بن عامر (رضي الله عنه): أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: “ألا أُعلمك سُوراً ما أُنزلت في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مِثلهن، لا يأتين عليك ليلة إلا قرأتهن فيها؟ (قل هو الله أحد) (قل أعوذ برب الفلق) (قل أعوذ برب الناس)”، وإليكم بعض لطائف وإشراقات هذه السور التي ستجعلك تقرأها وكأنك قرأتها لأول مرة.
فسورة الإخلاص هي سورة مكية عدد آياتها أربع، وسميت بسورة الإخلاص؛ لأن فيها إخلاص التوحيد لله وصفاته، كما سميت بسورة قل هو الله أحد؛ لأن الله تعالى بدأ السورة بهذه الآية، وأيضاً سميت السورة بالأساس؛ لاشتمالها على توحيد الله وهو أساس الإسلام، كما سميت بالصمد؛ لقول الله تعالى: (الله الصمد).
المحور الرئيسي الذي تدور حوله السورة هو التوحيد، فالسورة أثبتت (خمس صفات لله سبحانه) هي أنه واحد لا شريك له، وصمد لا يحتاج لأحد، والكل يحتاجه سبحانه، ولا بداية ولا نهاية ولا مثيل له.
فسورة الإخلاص سورة مباركة تعدل ثلث القرآن وهي صفة الرحمن (من أحبها أحبه الله).
أما سورة الفلق فهي سورة مكية عدد آياتها خمس آيات، وسميت السورة بسورة الفلق لأن الله تعالى ذكره أول السورة وأقسم به، كما سميت السورة بقل أعوذ برب الفلق لأن الله تعالى افتتح السورة بها، والمحور الرئيسي الذي تناولته هذه السورة هو الاستعادة بالله من شرور الدنيا.
ومن لطائف هذه السورة المباركة أن الله أمر نبيه عليه وآله الصلاة والسلام أن يتعوذ بصفة واحدة (رب الفلق) من شرور أربعة؛ هي شر الزمان خاصة الليل، وشر الأعمال خاصة السحر، وشر النفوس خاصة الحسد، وشر المخلوقات.
ومن لطائف السورة أيضاً ما ورد في قوله تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد)، كيف قيد الآية شر الحاسد (إذا حسد)؛ لأن الرجل قد يكون عنده حسد ولكن يخفيه ولا يعامل أخاه إلا بما يحب، وكما قيل: ما خلا جسد من حسد، فالكريم يخفيه واللئيم يبديه.
وسورة الناس أيضاً مكية وعدد آياتها ست آيات، ومن أسماء السورة، الناس وقل أعوذ برب الناس، ومناسبة تسمية السورة بالناس فلتكرار ذكرها في السورة المباركة كثيراً، أما مناسبة تسميتها بقل أعوذ برب الناس فلأن الله تعالى افتتح السورة بها، وتناولت السورة محوراً رئيسياً هو الاستعادة بالله مما يفسد الدين.
ومن اللطائف المقترنة بين السورتين الكريمتين (الناس والفلق) هو أن الاستعادة في سورة (الفلق) بصفة واحدة لله من أربعة شرور، والاستعادة في سورة (الناس) بثلاث صفات لله -عز وجل- من شر واحد فقط؛ وذلك لأن مصيبة الدنيا وإن كثرت فهي صغيرة، ومصيبة الدين وإن قلت فهي عظيمة.
ومن لطائف سورة الناس تساؤل لم قدم الله تبارك وتعالى وصف الرب ثم الملك ثم الإله، قال تعالى: (برب الناس، ملك الناس، إله الناس)؟ والجواب هو أن هذا على الترتيب في الارتقاء إلى الأعلى، فـ (الرب) قد يُطلق على كثير من الناس فيقال: فلان رب الدار، فبدأ به لاشتراك معناه، وأما (الملك) فلا يوصف به إلا أحد من الناس، وهم الملوك، ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس، فلذلك جاء به بعد الرب، وأما (الإله) فهو أعلى من الملك، ولذلك لا يدّعي الملوك أنهم آلهة، فإنما الإله واحد لا شريك له سبحانه، ولذلك ختم بهذا الوصف، كما جاء في التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي.
Prev Post