جريمة رداع والاصطياد في الماء العكر

طاهر محمد الجنيد

 

لا أحد يمكنه أن يبرر استهداف الأبرياء الذين ليس لهم أي ذنب أو يحمّلهم ذنب الآخرين لأن ديننا الإسلامي حدد أساس المسؤولية، قال تعالى ” وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”، وقد أكد الرسول الأعظم محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – هذه القاعدة الشرعية والقانونية بقوله” ألا لا يجني جان إلا على نفسه لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده” حديث صحيح وله شاهد بلفظ (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ولا يؤخذ الرجل بجريرة ابنه ولا بجريرة أخيه) صحيح الإسناد سلسلة الأحاديث الصحيحة صـ623 رقم 1974 للمحدث محمد ناصر الدين الألباني، ومثله الحديث الصحيح الذي ورد في كتاب المجتبى من السنن الذي رواه أبو رمتة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي فقال: من هذا معك؟ قال: ابني أشهد به، قال: أما أنك لا تجني عليه ولا يجني عليك” صحيح برقم 4832 صـ53 للمحدث ذاته، وهو ما أخذت به الدساتير والقوانين الحديثة والفضل في ذلك راجع إلى الشريعة الإسلامية التي أكدت على أن المسؤولية الجنائية شخصية ولا يُسأل إنسان إلا على ما قام به من أعمال وفي الأعراف اليمنية أن الجاني يتحمل المسؤولية لا غيره، ولذلك فإن الأسواق والمساجد والأماكن العامة مهجرة أي لا يجوز ممارسة الإجرام فيها- وأيضا الحماية للأطفال والنساء والضعفاء والمساكين.
ومن هذا المنطلق فإن إدانة واستنكار ما حدث في مديرية رداع من جريمة واجب ديني وأخلاقي وهو ما كان إجماعا من قبل القيادة السياسية وقائد الثورة والجهات المسؤولة التي عبرت صراحة عن استنكارها وإدانتها لما حدث واتخذت الإجراءات القانونية لمحاسبة كل من اشترك في تلك الجريمة النكراء، باسمي وصفتي أعزي أسر الضحايا من إخواننا وأشقائنا في مديرية رداع جراء هذه الجريمة النكراء وأدين وأستنكر كل عمل إجرامي طالهم وألحق الضرر بهم وآلمهم، فمصابهم مصاب اليمن وما يؤذي أي إنسان في أي مكان هو أذى يمسنا جميعا وهذا موقفي الشخصي والإنساني الذي أتحمل مسؤوليته أمام الله وأمام المجتمع فما حصل جريمة نكراء بكل المقاييس لا يمكن أن نرضاها أو نسكت عمن قام بها ويجب اتخاذ الإجراءات القانونية لمحاسبة كل من كان له دخل فيها.
وزارة الداخلية المعنية بالأمر بشكل مباشر كون من قاموا بالعمل الإجرامي المدان تابعين لها أصدرت بيانا توضيحيا للمشكلة، وأدانتها وأعلنت مسؤوليتها الكاملة عن تقديم الجناة للعدالة وتعويض الأضرار، وجبر المصاب للضحايا، النائب العام وجه بفتح تحقيق في القضية، رئيس الجمهورية كذلك، والسيد العلم قائد الثورة أوفد أكثر من ممثل عنه لتعزية الأسر المكلومة وطمأنتهم بإحالة كل المتورطين إلى القضاء حتى تأخذ العدالة مجراها “وأكد في المحاضرة الرمضانية توجيه كل الجهود لحماية الدماء والأعراض والممتلكات وصيانتها والمحافظة عليها، وإن ما جرى لإخوتنا وأبنائنا وأهلنا قد آلمنا، إذاً هي جهود متكاملة لمواجهة جريمة أنكرها الجميع ولا يمكن السكوت عليها أو عدم معاقبة من قام بها.
وأكد السيد العلم على التوجيه الفوري منه للجهات الرسمية باتخاذ الإجراءات ضد المتورطين في الاعتداء والتسريع بالتعويض العادل الشامل للمتضررين، وهناك اهتمام وأسف وتألم تجاه ما حصل من تصرف فردي إجرامي غير قانوني وغير مقبول وإن التجاوزات الفردية التي تتسم بالظلم والاعتداء لا تعبر عنا وليست من أخلاقنا ولا ديننا ولا قيمنا، والجهات الرسمية معنية ومسؤولة بالسعي الدائم لمنع تلك التجاوزات والحيلولة دونها والسيطرة التامة على الأداء العملي والإنصاف.
إذا ما حدث جريمة نكراء بكل المقاييس مدانة وتسببت في الإساءة لليمن، ولمن قام بها وقد توجهت لجان رسمية لاحتواء تداعياتها، وتحكيم الأهالي الذين مسهم الضرر وتعويضهم، لكن المؤسف حقا أن يسعى البعض إلى الاستغلال السيئ للحدث وتوظيفه في الإساءة لليمن، لتحقيق مكاسب سياسية ولن نسرد كل التعليقات الصادرة بل نشير إلى بعضها، الخارجية الأمريكية أصدرت إدانة للجريمة مما يؤكد أن اليمن حاضرة في أجندتها وتحظى بالاهتمام الزائد مع أن أمريكا حاضرة في كل جريمة تحدث في العالمين العربي والإسلامي بشكل مباشر أو غير مباشر، كما هو الحاصل والمشاهد اليوم على أرض غزة وفلسطين الكيان الصهيوني المدعوم من الحلف الصليبي والماسونية العالمية وعلى لسان الناطق أدرعي أفيخاي أخذته النشوة بسفك دماء الأبرياء ليعقد مقارنة بين ما يمارسه جيش القتل والمجرمون من شذاذ الآفاق، وبين حادثة فردية وكل ذلك انتقاما من اليمن ومواقفها المشرفة الداعمة للقضية الفلسطينية والمظلومية التي يتعرضون لها من كيان غاصب وقائم على القتل والإجرام وسفك دماء الأبرياء والمساكين.
لقد وصل الأمر أن يتناسى البعض أن اليمن مستهدف من قبل التحالف الأمريكي الإقليمي الذي دمر كل المرافق الحيوية، ولم يفرق بين خيمة عزاء أو أعراس، أو مدارس للأطفال أو مساجد للعبادة أو طريق عام حتى أنه في غارة من عدة غارات جوية حصد أكثر من ثلاثمائة جندي من الجنود المنضوين تحت (مسمى الشرعية) التي يدعى أنه جاء من أجل حمايتها، ولأجل الحفاظ عليها، ومثل ذلك جريمة الصالة الكبرى حينما أسقط عليها القنابل والصواريخ، ولم تكن هناك أدنى شبهة يمكن الاحتجاج بها، إذاً فلماذا التباكي وذرف دموع التماسيح؟
شتان بين من اعترف بالخطأ، وقدم الاعتذار وحكَّم الضحايا، وامتثل للإنصاف والعدالة والقانون ومن يرتكب الجرائم المتوالية ويعتبرها إنجازا ويفتخر بها ويعمد إلى سفك المزيد من دماء الأبرياء والضعفاء، وليس معنى ذلك أننا نبرر ما حدث أو نقلل من الكارثة والجريمة التي تمت، فهي جريمة شنعاء مدانة ومستنكرة ولكن لا يجوز استغلالها لخدمة أطراف إقليمية ودولية همها في المقام الأول والأخير الإساءة إلى اليمن أرضا وحضارة ومبادئ وقيماً.
إن الجرائم التي ارتكبها التحالف في حق اليمن قاطبة وفي حق من يدَّعي أنه جاء لحمايتهم جرائم مشهودة ومعلومة لكنهم لا يجترئون على التنديد بها والاستنكار لها، لأنهم لا يستطيعون فعل ذلك، لكنهم يستطيعون أن يمارسوا كل أنواع الاستنكار والتنديد إذا حدث خطأ هنا أو هناك مع أن المصلحة الوطنية توجب أن يكون الدفاع عن الوطن أولاً وأخيراً كواجب مقدس والتزام ديني وأخلاقي.

قد يعجبك ايضا