ارتبطت بالذاكرة الجمعية مفردات مثل (التفاهة) وتعني السلوك المنحط وغير القويم، و(الإباحية) وتعني ماله علاقة بـ (الجنس) والسلوك الشاذ، غير أن لهذه المفردات علاقة وثيقة بالعمل والنشاط السلوكي، فهناك (تفاهة) سلوكية وإدارية وثقافية وتربوية، مثلما هناك (إباحية) سياسية وثقافية وسلوكية، والمصطلحان يكملان بعضهما وتعنيان الأعمال (الشاذة) التي تتجسد اليوم بسلوكيات النظام العربي الرسمي بكل ما يمارس من أنشطة هابطة لا ترتقي لمستوى التحديات التي تواجهها الأمة وتتصل بحقيقة وجودها ومستقبلها الحضاري، و بمستقبل أجيالها التي تعيش اليوم حالة اغتراب كلي عن تاريخ الأمة ودورها وهويتها ورسالتها الحضارية والدينية، جاهلة لكل الروابط والمقومات التي تشكل هوية الأمة وواحديتها ووحدة مصيرها، حيث تكرس بفضل أنظمة ( التفاهة والإباحية) ثقافة العنصرية القطرية بكل عواهنها ومثالبها حتى وجدنا من يستمد من الآخر الأجنبي والغريب عن كل قيم وأخلاقيات الأمة قوته وشرعيته ويرى فيه الأخ والصديق فيما يرى بأخوته وأصدقائه الفعليين مجرد أعداء يعمل مع الشريك الآخر الغريب على استهدافهم بكل الوسائل وكأن حراك (الأندلس) ونزاع أمراء الطوائف يجدد نفسه مع هذه الأنظمة التي تحكم الأمة وتتحكم بمصيرها الذين يسيرون في طريق تصفية الأمة ودورها ورسالتها ووجودها من خلال تكريس سياسة الارتهان والامتهان والتبعية، لدرجة لم يعد في أمتنا نظاما عربيا واحدا يمكن أن نشهد ما شهد تاريخنا من أمراء المماليك مثل الظاهر بيبرس، ونور الدين قطز، أولئك القادة الذين رغم جذورهم المملوكية الوافدة، إلا أن وجودهم في حياض العرب جعلهم يعشقون العروبة والإسلام وقيمهما ويتشربون ثقافة العروبة فكانوا أكثر غيرة على العروبة من بعض رموزها من العرب وكانوا أكثر التحاما والتزاما بقيم وأخلاقيات الإسلام ممن كلفهم الله ورسوله ليكونوا حاملين رايته ومدافعين عنه وذائدين عن حياضه، وفيما تمكن (هولاكو) في رحلته الإجرامية من شراء ذمم الأمراء العرب وإذلالهم وقف في (عكا) عاجزا عن منازلة بيبرس وقطز لتنتهي رحلته (الإباحية) على أيديهم وعلى أيدي هؤلاء الأبطال انتهت إمبراطورية المغول وأصبحت مجرد ذكرى في سجلات التاريخ..!
مثل هؤلاء الأبطال ينحصرون اليوم في المقاومين الذين يواجهون غطرسة الاحتلال والمتغطرسين الداعمين فيما أنظمة الأمة أوغلت في السلوكيات الإباحية وفي اجترار ثقافة التفاهة وتكريسها من خلال سلوكها ومواقفها لدرجة لم نعد نرى ثمة نظام عربي يتحلى بقدر من الكرامة والنخوة وتجري في عروق رموزه الدماء العربية الحرة التي تدفع حاملها لرفض الظلم والتصدي للباطل، أنظمة لم نجد فيها نخوة الجاهلية ولا أخلاقيات الإسلام، وليس لها صلة أو علاقة بالعروبة كهوية حضارية، ولا إثر فيها للقيم القبلية الأصيلة، أي أن هذه الأنظمة ليست أنظمة غارقة في (التفاهة والإباحية) بل مجردة من الصفات الإنسانية، ولم نعد بالتالي نرى فيها إلا كما نرى (أثوار اسبانيا داخل ملعب لمصارعة الثيران،) تقفز بكل حماس حيواني فطري نحو من يلوح لها بالراية الحمراء، الذي هو من يتحكم بحركتها لكن أن رأى في صراعها خطرا يهدد حياته سرعان ما يتخلص منها بخنجره أو من خلال طاقم المساعدين له الذين يعاجلون الثور الهائج برصاصة قاتلة أو رصاصة تخدير أن كان للثور فائدة ولا يزال قادرا على إخراج المال من جيوب المتفرجين ..؟!
هذا هو حال الحكام العرب للأسف الذين يفقدون أبجدية الوعي في التعاطي مع قضايا أوطانهم وأمتهم، إذ يتوهم كل حاكم إن مهمته تطوير نطاقه الجغرافي وبأي طريقة غير مكترث بمن حوله، متوهما أن هذا السلوك سيمنحه مقومات الاستقرار وممكنات التقدم والتطور التنموي، ويتجاهل إنه بهذا السلوك إنما يوجه نطاقه الاجتماعي والجغرافي نحو الهلاك الحتمي ونحو الارتهان والتبعية والانحلال ويكرس في الوعي المجتمعي ثقافة الاستهلاك العبثي وقيم التفاهة والانحطاط الإباحي وهذا ما نشاهده للأسف في أغلب الأقطار العربية المحكومة من قبل أنظمة التفاهة الإباحية .؟!
في هذا السياق دعونا نتساءل وبكل صراحة و شفافية ووضوح عن ثقل (مصر) أو ثقل (السعودية) أو (الإمارات) أو (الأردن) أو أي دويلة عربية قائمة ترتبط بعلاقة ( زواج كاثوليكي مقدس) مع أمريكا والمنظومة الاستعمارية الغربية؟!
لا أعتقد أن لأي دويلة عربية ثقل يذكر على المسرح الدولي، وليس لأي دويلة من هذه الدويلات تأثير على المسرح السياسي إقليميا ودوليا، بل لا تحظي هذه الدويلات وان بقدر من احترام وتقدير ليس من أعدائها بل من أصدقائها المفترضين الذين ينظرون لهذه الدويلات بكثير من الازدراء والسخرية ولكنهم يتظاهرون لها بالمودة من أجل مصالحهم وفي سبيل تحويل هذه الدويلات إلي أسواق تباع فيها منتجات الآخر الاستهلاكية والترفيه التي تغرق هذه الدويلات وتكبل شعوبها بأغلال العبودية الدائمة، وهي الأغلال التي تكبل حتى مجتمعات الثراء العربية كالمجتمعات الخليجية التي بدورها ورغم ثرواتها أصبحت أسيرة في إسطبلات المرابين ومصاصي دماء الشعوب وناهبي ثرواتها..؟!
إن أسطورة الشعب العربي في فلسطين وخلال الخمسة الأشهر من عمر العدوان فضحت أنظمة (التفاهة والإباحية) العربية وأظهرتم مجرد أقزام لا حول لهم ولا قوة إلا على شعوبهم المقهورة أو على بعضهم وحسب لكنهم يتحولون إلي (حملان ونعائم) أمام العدو الذين لا يتردد في إهانتهم والسخرية منهم علنا دون تحفظ أو حصافة أو حتى بعض من دبلوماسية..!