اتجهت السياسات الاستعمارية الحديثة إلى الاستفادة من تجارب الاخفاق في التعامل مع اليمن بشكل مباشر وبواسطة الإخضاع العسكري والسيطرة الأمنية نظرا للمخاطر الكبيرة التي تنتج عن ذلك، أمريكا استطاعت الإمساك بالأمور من خلال تنصيب سفيرها سلطاناً غير متوج، لكنه يدير الأمور من السفارة الأمريكية ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة، حتى أن السلطات – آنذاك – سمحت للطيران الأمريكي بالتحليق في الأجواء اليمنية، ومطاردة بعض المطلوبين لديها وتصفيتهم، واستطاعت أيضاً تدمير الأسلحة المتطورة وأنظمة الصواريخ وغيرهما، ومثل ذلك بريطانيا من خلال سفيرها، وغير ذلك من الدول التي لها ثقل سياسي واقتصادي، ولم يقتصر الأمر على تلك الدول، بل إن الدول المصنوعة والعميلة لتلك المنظومة مارست دور الموجه للسياسات اليمنية –مثل: السعودية، والإمارات وغيرها، وكل هذه التحالفات العالمية والإقليمية تريد تأمين مصالحها من خلال اليمن الذي يتفرد بالموقع الجغرافي، وبالثروات المتعددة، والحضارة والتاريخ.
توالت الأزمات السياسية والاقتصادية، وكلما انجلت أزمة برزت أخرى، وأدخل اليمن في أجندة وحسابات برامج الإفقار والتدمير للبنك والصندوق الدوليين، وهي متوالية مخطط لها مسبقاً، وفق حسابات التدمير للإنسان اليمني، وتكريس التخلف والانحطاط.
وحينما ظن اليمنيون أنهم قادرون على إيجاد الحلول المشتركة، ومواجهة التحديات من خلال تطبيق قرارات الحوار الوطني، تعقدت الأمور، وشكل الحلف، وتم إدخال اليمن في حسابات المجتمع الدولي واتخاذ القرارات الصارمة، ومن ذلك القرار رقم (2216)، والذي وضع اليمن تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعني (فقدان السيادة الوطنية، والخضوع للوصاية من تنصبه أو تقترحه أو توافق عليه الأمم المتحدة –حسب توصيف أستاذتنا القديرة د. وهيبة فارع،- وهذا الأمر يجب العمل وفق الأطر القانونية على التخلص من تبعاته حتى لا تظل اليمن رهناً للإرادة الدولية، خاصة وقد تفردت أمريكا وبريطانيا وغيرهما من دول الاستكبار العالمي، ومن المحيط الإقليمي الممثل لتلك السياسات – السعودية والإمارات وغيرهما من الدول المنضوية تحت عباءة الحلف الصهيوني الأمريكي- بتوجهاته الإجرامية وخططه التآمرية ضد الأمة العربية والإسلامية، وأبرز مثال على ذلك الموقف من القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا المصيرية.
إن التعويل على التحرك من خلال الأطر الأممية لمواجهة القرار السابق والتخلص من تبعاته سهل للغاية إذا تمت تلبية المطالب الأمريكية والبريطانية والغربية عموماً؛ لأنها هي الداعم والمؤثر في إصدار القرار، ومثل ذلك تلبية المطالب لوكلائهم في المنطقة السعودية والإمارات، ومن تلك المطالب التخلي عن دعم القضية الفلسطينية، والدخول في دائرة التطبيع، أو حتى الصمت، وكل هذه الأمور لا تخدم القضية اليمنية، ولا تتفق مع المبادئ والقيم والأخلاق التي تمثلها المسيرة القرآنية تحت قيادة السيد العلم عبدالملك بن بدرالدين الحوثي –يحفظه الله-، وهي مسيرة تواجه الظلم والطغيان، وتسعى إلى تحقيق العدالة والحرية والاستقلال.
أما حكومة ما تسمى بالشرعية المنتهية ولايتها، فلا يمكنها أن تمارس أي دور في الحفاظ على السيادة اليمنية؛ لأنها خاضعة في قراراتها لحكومات تلك الدول المتواجد فيها قيادات تلك الحكومة المعملية وحتى إذا سمح لها بالاستقرار على بعض المناطق التي تمت السيطرة عليها، فإن التحكم بقراراتها يتم من خلال المليشيات الممولة من العواصم المسيطرة.
الاستعمار الجديد بوجهه القبيح يسعى اليوم لتقليل الخسائر من خلال مواجهة اليمنيين بعضهم لبعض، ولا يريد أن يقدم جنوده ولا حتى المخلصين له في المعارك والمواجهات؛ لأنه يعي جيداً قدرة اليمنيين على حسم المعارك، وإلى ذلك فإنه يسعى للاستفادة القصوى من الثروات اليمنية في المناطق التي يسيطر عليها، في أسلوب تقاسم للنفوذ بين الخصمين الأساسيين (السعودية والإمارات)- الموانئ، والإيرادات، وتسويق المنتجات، وجعل اليمن حديقة خلفية لكل الموبقات، لذلك فهو يعمد إلى تصفية الرموز الوطنية والشخصيات الاجتماعية التي قد تشكل خطراً عليه حاضراً ومستقبلاً، وأيضاً تحطيم القدرات العسكرية من خلال النيران الصديقة، وتحطيم القدرات الوطنية تحت ذريعة مواجهة النفوذ الحوثي، ومساعدة الشرعية، وفي حقيقة الأمر أنه يريد تحطيم قدرات اليمن أرضاً وإنساناً وحضارة وقيما حتى يستطيع أن يدير مصالحه ويمد نفوذه ويكسب أكثر قدر من الثروات اليمنية.
إن الالتحام بالشعب وتلبية متطلباته هما الرد العملي على إرادة الإخضاع لليمن سواء من خلال القرارات الأممية أو من خلال الاستعمار بصوره المتعددة والمتلونة، لكنها هي ذاتها في جوهرها ومضمونها الاستعباد والاذلال والاستحواذ والمصادرة للإرادة والثروة خاصة وقد رأينا ورأى العالم العجز والفشل إذا تعلق الأمر بحقوق الشعوب العربية والإسلامية، كقضية فلسطين وغيرها فالفيتو الأمريكي وغيره قادر على حماية الإجرام الصهيوني، والإجرامي الهندوسي وغير ذلك من الإجرام، أما إن كان الأمر لقطر من أقطار الأمة العربية والإسلامية فله القذرة والسطوة والسلطة يحطم العراق ويدمرها ثم يستصدر القرارات المؤيدة، تحت ذريعة مواجهة أسلحة الدمار الشامل، ويتضح أنه لا أسلحة، ويغزو أفغانستان بدعوى المشاركة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ويدمرها، ويفرض العقوبات على ليبيا ويصادر برنامجها النووي السلمي ويفرض عليها التعويضات ويدمرها ويتركها نهبا للعصابات الإجرامية ومثل ذلك سوريا واليمن وفلسطين ويستطيع أن يفصل جنوب السودان ولا يستطيع أن يوقف الحرب بين الجيش والمليشيات المدعومة من الخارج.
أن استجداء الشرعية الدولية وفق منطقها ومطلقاتها الظالمة والمسيطر عليها من قبل راعي النظام الدولي الأمريكي أو غيره ما هو إلا تسليم المنطق الإجرام والطغيان والظلم فالنظام الذي يقوده المنحرفون سلوكا وأخلاقاً لن يكون إلا صورة معكوسة لتلك الأخلاق والمثل وهي مبادئ وأفكار تتنافى مع الفطرة السليمة وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، والأديان السماوية، وهو ما سيعجل بانهيارها لتصادمها مع الفطرة الصحيحة التي خلق الله الإنسان عليها ” فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” الروم الآية (30).