تابعت المؤتمر الصحفي لوزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية -حسين أمير عبد اللهيان -بذات الوقت الذي تابعت فيه خطاب قائد الثورة اليمنية سماحة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله واطال بعمره ونصره -وكذا خطاب سماحة السيد حسن نصر الله -أمين عام حزب الله -وسيد المقاومة، مواقف (ثلاثة) تماهت بالأهداف وتكاملت بالمواقف، وان كلا بطريقته وبلغته، غير أن البوصلة كانت فلسطين والهدف نصرة شعبها الذي يواجه حرب إبادة جماعية يتغاضي عنها العالم بأنظمته، وترعاها وتشارك في جرائمها الولايات المتحدة الأمريكية -والمملكة المتحدة البريطانية، الثنائي اللذان كانا ولا يزالان عنوان نكبة فلسطين، وصنُاع المؤامرة عليها وعلى شعبها العربي المسلم.
ثلاثة مواقف سياسية لكنها تلتقي في (القدس) وتتمحور حول معركة طوفان الأقصى وتبحثان عن عدالة ترفع مظلومية شعب عاني الكثير من القهر والتعسف، خاصة حين قبل ذات يوم بأن تكون أمريكا ( راعية لسلام مزعوم)، مع انها لم تكن يوما راعية إلا للاحتلال ولجرائم ولحروب الاحتلال ووحشيته وهمجيته التي تتماهي مع وحشية وهمجية راعيتيه أمريكا وبريطانيا، اللتين تحاولان منح الكيان عمرا إضافيا مع أنه وصل لنهاية عمره الافتراضي كأي احتلال استعماري، خاصة وان أصحاب الحق لم يعودوا أولئك الرموز التقليدية التي تنجر خلف أوهام أصحاب – الجلالة والفخامة والمعالي والسمو – الذين هم بالأساس صنيعة ذات الأطراف الاستعمارية التي صنعت الاحتلال في فلسطين..
كلمة وزير الخارجية الإيراني، ربما جاءت مغلفة مفردات دبلوماسية، تراعي مسؤولية الدولة والحكومة في إيران التي تقف على رأس محور المقاومة، غير أن ما احتواهما خطابا السيدين عبد الملك بدر الدين، وحسن نصر الله، حملا الكثير من المواقف الدالة على ثبات بل وتأكيد الثبات والمواقف على طريق القدس، رغم الجراح وقساوة المواجهة، ورغم الظروف الداخلية والإقليمية والدولية التي تواجه القيادة اليمنية، وتواجه قيادة المقاومة الإسلامية في لبنان، غير أن المبادئ من خلالهم ترسخ نفسها، وتتمسك بثوابتها، وتكرس حقيقة انها لا تتجزأ وغير قابلة للتجزئة وان حاول البعض حدوث هذه التجزئة التي غدت مستحيلة في مرحلة تتصاعد فيها قوة وحضور وفعالية محور المقاومة وعلى مختلف الصعد والجوانب النضالية التي اتخذت -القدس والأقصى -بوصلة لإحقاق حق مسلوب وإنصاف شعب مظلوم، شعب تخلى عنه من كان يراهن على نصرتهم، غير أن النصرة جاءت من حيث لا يتوقع أولئك الذين قرروا ذات يوم خنق المقاومة ومساومة هذا الشعب على حقوقه التاريخية والمشروعة..!
كأن قدر الشعب الفلسطيني أن تأتيه النصرة دائما من حيث لا يتوقع، فذات يوم تخلت عنه إحدى أهم الدول التي كانت أو يفترض أن تكون حاضنة لقضيته وهي (مصر) من خلال ابرامها اتفاقية سلام مع العدو، فقيض الله الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ولدت في ذات العام الذي خرجت فيه مصر من معادلة الصراع مع العدو، وفي ذات العام دخلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية معترك الصراع في مواجهة العدو الصهيوني، في معركة طوفان الأقصى تجدد الأحداث المتشابهة نفسها وبصورة أكثر إيجابية حين يُحكم الحصار على قطاع غزة، ويشن الأعداء حزب إبادة بحق الشعب العربي في فلسطين، فتأتي مواقف اليمن استثنائية وغير مدرجة في حسابات مخططي المؤامرات وعشاق الحروب، واللافت أن المواقف اليمنية لم تقف في نطاق بذاتها، بل عملت على إدماج فلسطين قضية ومظلومية في وجدان وذاكرة الشعب اليمني الذي أصبحت القضية في وعيه وذاكرته وسلوكه اليومي، ليست مجرد قضية عربية إسلامية تستحق التضامن والتعاطف بل أصبحت قضية وجودية ومصيرية للشعب اليمني، وأصبحت تشمل مختلف الجوانب الحياتية والحضارية التي يخوضها شعبنا، في تأصيل غير مسبوق للقضية، بما يتماهي مع هذه التفاصيل التي تبدو فيها رموز وقادة محور المقاومة من خلال خطاباتهم وتصريحاتهم التي تثبت أن محور المقاومة لم يعد مجرد محور تحالفي عابر محكوم بقانون المصلحة السياسية، بل أصبح محوراً يجسد حقيقة تلاحم وجودي بأبعاد مصيرية، وذات أهداف استراتيجية تُجسد دوراً فاعلاً للمحور في تشكيل أطياف وملامح النظام الدولي الجديد الذي تتشكل أطيافه على انقاض القواعد التي حاولت أمريكا من خلال العدوان على غزة إعادة تجديدها وفرضها على العالم.
أن أعظم ما في معركة طوفان الأقصى أنها جاءت تعبيرا عن قوة وفعالة المحور وقدرة وفعاليات مكوناته بصورة فردية وجماعية، وهذا يفسر ما ذهب اليه مؤخرا السيد قائد الثورة في اليمن من خلال خطابه الذي جاء ليؤكد عبارة قالها سيد المقاومة في لبنان في بداية العدوان، وهي أن المقاومة سوف تنتصر ولابد ان تنتصر وحماس بالذات سوف تنتصر، هذه الثقة لا تنم عن (تنجيم) ولا قراءة (الفنجان) ولا (ضرب الرمال) بل عن مسؤولية نضالية تعكس مدى عمق وتلاحم المحور، وما لديه من إمكانيات وقدرات، تجعله في موقع المنتصر وليس المغامر الباحث عن مكاسب سياسية زائلة..
تحية إجلال وتقدير لكل رموز محور المقاومة وقادته، وتحية إجلال لمن يقفون على رأس هذا المحور والذين ما كانت مقاومة فلسطين ستقف وقفة العز التي هي عليها لولا دعم هؤلاء الصادقين وعلى رأسهم قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تطفي شمعتها الـ (45) بكل عنفوان وشموخ وكبرياء وتحد، والرحمة والخلود لقائدها وزعيمها الروحي سماحة حجة الإسلام الامام آية الله روح الله الخميني -قدس الله سره -الذي جعل من هذه الثورة ملاذا يستلذ به كل أحرار ومستضعفي العالم.