الأسلحة والجيوش العربية وغزة

طاهر محمد الجنيد

 

 

قبل طوفان الأقصى كان المواطن العربي وأنا واحد منهم يعتقد أن كل تلك الجيوش العربية من المحيط الهادي إلى الخليج الثائر من أهم واجباتها مقاومة وحماية الوطن العربي والأمة الإسلامية من العدوان عليها، أيا كان مصدره واتجاهه ولكن الأحداث أظهرت حقيقة تلك الأسلحة المكدسة آلاف الأطنان في المستودعات والصفقات التي لم تورد بعد، والجيوش الجرارة في كل الافرع ما هي إلا جيوش للاستعراض أولا وثانيا: لقمع الشعوب وثالثا: لمواجهة الجوار وحراسة الحدود المصطنعة والحفاظ عليها.
استعانت الفصائل الفلسطينية المقاومة بإمكانياتها الذاتية وبالدعم المقدم من جمهورية إيران الإسلامية وبنت ترسانتها التي استطاعت أن تقهر الجيش الذي لا يقهر وترتيبه الرابع أو أقل أو أكثر على مستوى العالم، يملك أسلحة فتاكة محرمة دوليا وتفرغت الجيوش العربية للترقب والمتابعة جيوش دول الطوق المصري أمَّن الحدود ومنع دخول المساعدات وبنى جداراً عازلا وحتى الدواء لم يسمح به، والأردني منع المواطنين من التظاهر وحرس الحدود، وسوريا شغلت بمشكلها الداخلي عن واجب النصرة والمدد، واللبناني مارس السكوت والصمت وآثر المراقبة للتراشق بين رجال حزب الله والجيش الصهيوني، قد يحتمل العذر لبعضها بفعل تفاوت الإمكانيات، لكن لا عذر لجيش مصر إن تخاذل وهو يملك ما يملك من العتاد والعدد والقوة والمدد، وعلى ذات المتوالية يبرز دور جيشي المملكة العربية السعودية والإمارات اللتين تمتلكان أحدث الأسلحة، لكنها سخرت على مدى ثمان سنوات مضت لتدمير اليمن، مؤسسات وإمكانيات، وكل شيء، لقد خيبت تلك الجيوش الظنون بأنها أعدت لتحرير فلسطين والمسجد الأقصى من الاحتلال الصهيوني وأثبتت بالواقع العملي أن مهمتها الأساسية إما توسعية ونهب أراضي جيرانها، كما هو حال السعودية أو أن هدفها خدمة الكيان الصهيوني كما هو حال جيش الإمارات الذي استعاض عن تحرير جزره بتدمير اليمن بحجة مواجهة إيران في اليمن.
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة “طوفان الأقصى” أن الاستعمار والاحتلال لا يستطيع أن يسيطر على الإرادة الحرة والمقاومة، بل يستطيع أن يفرض إرادته وإملاءاته من خلال الحكام الذين يدينون بالولاء والتبعية له حتى وإن لم يحتل الأرض بالجيوش والسلاح وإن كان الاستعمار الحديث الذي تمثله أمريكا يعتمد على إنشاء قواعد عسكرية في كل بلد لحماية مصالحه، والاستفادة من أساطيله التي تجوب البحار شرقا وغربا وفرض إملاءاته على كل تلك البلدان بالقوة والجبروت والطغيان، ولا أدل على ذلك من سيطرته على القرار العربي والإسلامي في هذه الحرب الأخيرة “طوفان الأقصى” حتى أن الحكومات اتجهت لإدانة حركات المقاومة وعلى رأسها حماس لمقاومتها الإجرام الصهيوني والتحالف الغربي بقيادة أمريكا، وحتى الشجب والاستنكار تم القضاء عليه، ولم تستطع الحكومات والأنظمة العربية والإسلامية حتى إمداد غزة بالأدوية والطعام، وتركتهم يعايشون المجاعة والقتل والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، مما يعزز صدق المقولة إن السلاح ليس له قيمة إذا كانت اليد التي تحمله تتسم بالجبن.
ورغم ذلك فإن الاستثناء صنعته اليمن بإمكانياتها الذاتية وبإرادتها المؤمنة والواثقة بالله، فقد استغلت كل ما تمتلكه في نصرة المستضعفين على أرض غزة وفلسطين أرسلت الصواريخ والمسيرات وصرحت بمظلومية أبناء فلسطين وقدمت الدعم المادي الممكن واتجهت إلى فرض معادلة حصار الإجرام بمنع مرور السفن “الإسرائيلية” والمتجهة إلى موانئ الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى يتم إيقاف الحرب ورفع الحصار والسماح بدخول إمدادات الإغاثة والدواء والغذاء إلى المحاصرين في قطاع غزة، لكن الحلف أبى إلا أن يكون مع الإجرام والإبادة وضد الإنسانية وهو الموقف الذي كشف الأقنعة الزائفة عن السياسة الاستعمارية وتحالفاتها الجديدة القديمة.
اليمن بإمكانياته وإرادته وإيمانه بمظلومية القضية الفلسطينية ورغم الحصار وسنوات العدوان التي تجاوزت ثمان سنين، طوَّر أسلحة الردع والمواجهة واستخدمها في حماية أرضه ونصرة قضايا أمته العادلة، بينما سعى الآخرون إلى الاعتماد على المجرمين بذواتهم لتوفير السلاح واشتروه وخزنوه لا لمصلحة شعوبهم وأمتهم وإنما لمصالحهم الذاتية وأهدافهم القطرية واستمرار بقائهم على كراسي السلطة والحكم وهو ما أشار إليه عضو مجلس العموم البريطاني – جورج جلوى- ردا على سؤال: لماذا وجدت الجيوش؟حيث قال إنها وجدت لحماية وحراسة الدول القطرية بعضها من بعض وفرض التفرقة كأمر واقع، فهناك حدود وجيوش وأمن وشرطة وهويات متعددة لا يستطيع المواطن العربي أن يتجه من بلد إلى آخر، فكل تلك العوائق تمنعه، بينما يتاح للآخرين تجاوز كل تلك الحدود والجيوش، بجواز لأمريكا، أو بريطانيا أو فرنسا أو غيرها من الدول الأخرى، فالجواز والهوية العربية تمنع التواصل والاتصال للمواطنين العرب بعضهم ببعض.
غوث وتشغيل اللاجئين
لم يكتف الصهاينة ومن تحالف معهم في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية والتي شهدها ولا يزال يشاهدها، بل إن الإجرام بلغ مداه في اتحادهم لتعليق المساعدات المقدمة منهم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وهو تحالف للإبادة من خلال التجويع، هذا التحالف الذي يضغط من أجل إبادة الشعب الفلسطيني في لقمته ومعيشته، مما يؤكد على أن هناك إرادة إجرامية تستهدف القضاء على الشعب الفلسطيني وكسر إرادته المقاومة وإخضاعه بقوة الحديد والنار، أو التجويع والمرض والافقار، ولكن ذلك لن يكون طالما أن هناك مقاومة تؤمن بحتمية الانتصار وعدالة القضية وتسعى جاهدة لمواجهة العدوان بكل أشكاله وصوره، أما الاستسلام والخنوع فلن يحرر وطنا ولن يطرد محتلا.
فإذا كان العدو الصهيوني يستطيع إملاء إرادته على معظم أو كل الدول العربية، سواء مباشرة أو بواسطة الحلف المؤيد له، حتى أنه يستطيع أن ينزل لوحة مطعم في أحد شوارع العاصمة الأردنية مكتوب عليها (مطعم 7 أكتوبر) ويتباهى (ايدى كوهين) بقدرات دولته وأنه تم بواسطة اتصال من ضابط صغير، لكنه لا يستطيع أن يملي رغباته وطلباته على أر ض غزة وحركات المقاومة، وإذا كان يستطيع أن يتهم وكالة غوت وتشغيل اللاجئين، فإنه لا يستطيع أن يقهر إرادة المقاومة والصمود لدى أبناء الشعب الفلسطيني، وهذه الإرادة هي الأساس في مواجهة العدوان واسترجاع الأوطان والقضاء على الاستعمار والخونة والعملاء.

قد يعجبك ايضا