بتواطؤ أميركي بريطاني، يدفع الصهاينة في كيان الاحتلال بالفلسطينيين في قطاع غزة نحو «نكبة ثانية» ولا يتردد قادة الاحتلال في الإعلان عن ذلك كأحد أهداف الحرب التي يشنونها على غزة منذ أربعة أشهر. يواجه الصهاينة عائقين رئيسيين يحولان دون تحقيق هدف «النكبة الثانية» بإفراغ قطاع غزة من سكانه ودفعهم نحو سيناء المصرية.
العائق الأول يتمثل في صمود سكان غزة ـ شعبا ومقاومة ـ رغم حرب الإبادة وبشاعة المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال، فَجُلّ سكان غزة هم أحفاد من تعرضوا لنكبة 48، ويتحاشون تكرار مصير آبائهم وأجدادهم.
العائق الثاني يمثله الموقف المصري من توطين الفلسطينيين في سيناء، وقد كرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة رفضه هذا المشروع، لكنه قد يرضخ تحت الضغوط والإغراءات الغربية والعربية التي تجري ممارستها بوسائل عدة. لكن، نظرا لخطورة هذا المشروع على الأمن القومي المصري وعلى القضية الفلسطينية، سيجد الرئيس السيسي أنه يراهن بمستقبله السياسي إن هو قبل بهذا المشروع، وقد لا يأمن موقف الشارع المصري الذي سينظر إلى ذلك باعتباره تفريطاً من قبل الرئيس بالأرض المصرية، يضاف إلى تفريطه بجزيرتي « تيران وصنافير » عند مدخل خليج العقبة ..
إذا لا يكفي الضغط على الرئيس السيسي، ولا بد من ضغط على الشعب المصري نفسه كي يرضخ هو الآخر ويسمح بمرور الصفقة دون ضجيج.. وهذا يعني أن كيان الاحتلال وداعميه في مواجهة مع الشعب الفلسطيني في غزة، ومع الشعب المصري، وهما العائقان اللذان يحولان ـ حتى الآن ـ دون حدوث « نكبة ثانية للفلسطينيين .
ما هي طبيعة الضغوط التي تمارس على الشعبين، وإلى أي مدى يمكن لها أن تنجح في تحقيق الهدف الصهيوني؟ هذا ما سنحاول إثارته في هذه التناولة، وسنبدأ بالضغوط التي تمارس على أهل غزة .
لا يزال جيش الاحتلال يمارس حرب الإبادة في غزة، لكن يبدو أن هذه الوسيلة لا تكفي وحدها لتهجير سكان القطاع. استخدم الاحتلال سلاح التجويع منذ اليوم الأول للمعركة، بالتوازي مع الحرب العسكرية. وفي الأيام الأخيرة ظهر جليا أن الاحتلال الإسرائيلي يركز على سلاح التجويع بشكل أوسع من خلال استهداف «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ـ الأونروا» والسعي إلى وقف نشاطها كليا بذرائع واهية، سرعان ما استجابت لها الولايات المتحدة وعدد من الدول الحليفة التي أوقفت تمويلها للوكالة الدولية، ما ينذر بكارثة إنسانية تهدد ملايين الفلسطينيين بالموت جوعا.
منذ إنشائها قبل 75 عاما، شكلت «الأونروا» شريان حياة لملايين اللاجئين الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة وفي مخيمات اللجوء في الدول المجاورة من خلال تقديمها المساعدات الغذائية والتعليمية والصحية، وقد تزايدت الحاجة إليها خلال الحرب على غزة، ولعبت دورا إنسانيا كبيرا في تأمين جزء من حاجة الغزيين ما جعلها هدفا لجيش الاحتلال، حيث استشهد نحو 150 من موظفيها، وهو أكبر عدد من الضحايا لمنظمة تابعة للأمم المتحدة في تاريخ الحروب حول العالم.
لم يكتف الصهاينة بقتل موظفي «الأونروا» وقصف مقراتها والتضييق على نشاطها في القطاع، وهاهم يسعون إلى ربطها بحركة «حماس» ويعملون لوقف نشاطها بالكامل بذريعة اشتراك بعض موظفيها في عملية «طوفان الأقصى» يوم 7 أكتوبر الماضي.
تأسست «الأونروا» في ديسمبر 1949 ـ بعد سنة ونصف من حدوث «النكبة» ـ وساهمت في تخفيف آلام التشرد واللجوء، لكنها لم تنس الفلسطينيين ديارهم وأرضهم، ولم تثبط عزيمتهم في تحرير أرضهم ومقدساتهم وإقامة دولتهم. بينما يرى فيها الإسرائيليون مصدرا لإبقاء الفلسطينيين على قيد الحياة، ومثل هذه المصادر يعمل الصهاينة على تجفيفها حتى لو كانت أسطوانة أكسجين يتنفس منها «الخدج» في حاضنات المستشفى.
سلاح التجويع نفسه يستخدم ضد الشعب العربي في مصر. التضخم وصل إلى مستويات قياسية، انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، وفي تدهور دراماتيكي مريب، فقد الجنيه المصري خلال الثلاثة الأشهر الماضية نفس النسبة التي فقدها خلال العشر السنوات الماضية، حتى وصل مؤخرا إلى أكثر من سبعين جنيها للدولار، وبات ملايين المصريين مهددين بعدم القدرة على تأمين رغيف الخبز إذا استمر هبوط الجنية . وبدلا من قيام السلطات بالبحث عن حلول لوقف الانهيار الاقتصادي وتخفيف معاناة الناس، ظهر الرئيس السيسي ليقول للمصريين أن يحمدوا الله لأن أوضاعهم أفضل كثيرا من أوضاع الفلسطينيين في غزة! .
خلال الأسبوع الماضي بدأ الحديث عن قرب التوصل لاتفاق مصري مع البنك الدولي، البنك الذي ماطل كثيرا في إقراض مصر 3 مليارات دولار خلال العامين الماضيين، وافق مؤخرا على قرض بعشرة مليارات، ويجري الحديث عن رغبة الإمارات لبناء مدينة سياحية على الساحل الشمالي المصري باستثمار قيمته 22 مليار دولار.. يبدو أن الشعب المصري العزيز سينجو من سلاح الجوع المسلط عليه، لكن، هل سيكون ذلك بلا ثمن؟.
سلاح التجويع لا يزال مصلتا علينا في اليمن منذ أكثر من ثمان سنوات، ولا يزال الأميركي والسعودي يساوموننا في مرتبات الموظفين حتى الآن، لكنه الله، أمدنا بالصبر وأعاننا على الصمود، فلم نرضخ، ولم نيأس، ومن يستطيع تركيع الأميركي والبريطاني والإسرائيلي في البحر لا يمكن أن يكون فقيرا أو جائعا، بل هو الأغنى والأقوى.. نسأله تعالى أن يكون عونا لإخواننا في مصر وفلسطين.
aassayed@gmail.com