الثورة /عادل عبدالاله
بعد مرور ثلاثة أشهر على العدوان الصهيوني المدعوم أمريكياً وشن حرب إبادة جماعية ارتكب العدو الصهيوني خلالها أكثر من 1900 مجزرة خلفت 22835 شهيداً وأكثر من 58500 جريح واغرق سكان قطاع غزة في بحرٍ من الدماء، تؤكد الكثير من المعطيات أن العدوان وحرب الإبادة التي تستهدف الشعب الفلسطيني، تم التخطيط لها مسبقاً وأن عملية طوفان الأقصى لم تكن سوى خطوة استباقية استهدفت جيش الاحتلال الذي كان يستعد لشن عدوان شامل على قطاع غزة.
تدعي حكومة الكيان الصهيوني أن عدوانها على قطاع غزة يستهدف القضاء على حركة حماس وتزعم ان وجود الحركة في القطاع يمثل تهديدا لأمن الدولة العبرية، وتحت هذا العنوان اتجهت لإقناع العالم بوجهة نظرها مستغلة غرق أسطورة جيشها في طوفان الأقصى لتبرير حرب الإبادة التي تشنها على أكثر من 2 مليون فلسطيني في قطاع غزة.
– أمريكا ودبلوماسية العدوان
في الوقت الذي تتفرغ حكومة الكيان الصهيوني وتسخّر كل إمكانياتها العسكرية لإدارة الحرب وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، يتولى البيت الأبيض عملية الدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية وإفشال القرارات الداعية لإيقاف الحرب، محوّلاً الخارجية الأمريكية إلى خارجية لإسرائيل، وهو ما بدا جلياً في الدور الذي يلعبه انتوني بلينكن الذي تحول منذ الـ7 من أكتوبر إلى ناطق باسم حكومة نتنياهو.
وفي الوقت الذي تحولت مزاعم حكومة الكيان الصهيوني في القضاء على حركة حماس إلى مظلة للعدوان على قطاع غزة، وفي جحيم نيرانها تدور الكثير من الأسئلة المتعلقة بمستقبل إدارة القطاع بعد توقف الحرب واستبعاد حركة حماس من المشهد الغزاوي، تشير الكثير من الوقائع إلى أن ما يتم ترديده مجرد زيف يتم التسويق له بعناية لإخفاء الحقيقة التي تؤكد وجود الكثير من الأطماع السياسية والاقتصادية وأن لدى إسرائيل وشركاء إقليميين ودوليين مشاريع عملاقة يرون أن وجود كيان سياسي فلسطيني في قطاع غزة يمثل عائقاً يحول دون تنفيذها، ولذلك يسعون منذ سنوات لتهجير سكان قطاع غزة إلى وطنٍ بديل.
– التطبيع يحيي مشاريع إسرائيل
تؤكد مجريات الأحداث أن أطماع إسرائيل لا تتوقف عند حدود تدمير غزة والاستيلاء على حقل الغاز الفلسطيني “غزة مارين” الذي تحول حكومة الكيان المحتل دون استثماره منذ اكتشافه قبل 20 عاما في سواحل غزة، بل تسعى لتحقيق حلمها المتمثل في شق قناة مائية “العقبة – عسقلان” تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر صحراء النقب، وهو المشروع الذي تحوّل من حلم إلى حقيقة بعد اتفاقيات التطبيع مع 5 دول خليجية.
وبالتزامن مع إعلان السعودية تدشين مشروع “نيوم” أعلن الكيان الصهيوني أوائل نوفمبر 2022 تدشين العمل في شق قناة بن غوريون “العقبة – عسقلان” التي كان نتنياهو قد وضع حجر أساس مشروعها في أكتوبر من العام 2014م، وقالت تل أبيب ان القناة ستكون بديلة لقناة السويس، معتبرة أن مصر لن تجرؤ على الاعتراض أو منع دخول السفن إلى خليج العقبة بعد تنازلها عن جزيرتي تيران وصنافير وإعادة سيادتها للسعودية وتحوّل مضيق تيران من مضيق مصري إلى مضيق وممر مائي دولي تشرف عليه أكثر من دولة.
– اخوان إسرائيل
نجح الكيان الصهيوني في تحرير مضيق تيران من قبضة مصر بواسطة السعودية لكنه ظل يرى في قطاع غزة عائقاً أمام المشروع، الأمر الذي جعله يخطط لإخلاء القطاع من الفلسطينيين وتهجيرهم إلى أرضٍ بديلة في سيناء، وهو المخطط الذي قوبل برفض الحكومة المصرية في عهد الرئيس مبارك، ولم ترضخ مصر للضغوط الأمريكية التي سعت واشنطن من خلالها انتزاع الموافقة المصرية ببيع قطعة أرض في سيناء لتوطين سكان غزة.
وفي الوقت الذي اعتقد الكثيرون أن مشروع إسرائيل الذي ترعاه وتموله أمريكا ولد ميتاً بعد رفض الحكومة المصرية، عاد المشروع للظهور مجددا بعد سقوط نظام مبارك في العام 2011 واستيلاء جماعة الاخوان المسلمين على الحكم، والذين سرعان ما أبدوا موافقتهم واشتراكهم في تنفيذ مخطط تهجير سكان قطاع غزة، ونجحت تل أبيب في عقد صفقة تنص على أن تتنازل مصر (تبيع) أكثر من 700 كم في سيناء ليتم توطين سكان القطاع فيها، كما تكفل الرئيس الاخواني المخلوع محمد مرسي بإقناع حركة حماس وفصائل المقاومة ليس بالقبول بإخلاء قطاع غزة فحسب بل وإقناعها بالاعتراف بإسرائيل، لكن ثورة الشعب المصري وإسقاط الإخوان بدد الصفقة، وأفشل المؤامرة التي تسعى تل أبيب لإحيائها اليوم من خلال تدمير قطاع غزة واجبار سكانه على الرحيل.
ملح الأرض وبارود الثورة والانتصار
ثلاثة وعشرون ألف شهيد وأكثر من 58 ألف جريح جلهم من الأطفال والنساء، حصيلة حربٍ عدوانيةٍ يشنها جيش يصنف على انه الأقوى عتادا وتسليحا في المنطقة، ضد شعب أعزل تحاصره آلة الدمار والموت براً وجواً وبحراً منذ 94 يوماً، خذله فيها من يتقاسم معهم الهوية والدم والدين، وخانته خلالها قيم ومبادئ الإنسانية ومواثيقها الأممية وغاب فيها الضمير العالمي.
حرب إبادة وجرائم حربٍ هي الأكثر دموية ووحشية بكل المقاييس والحسابات العسكرية والأخلاقية تستهدف أكثر من 2 مليون مواطن فلسطيني، تدور رحاها في قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن مساحة مدينة ويمثل جزءاً صغيراً مما تبقى للشعب الفلسطيني من فلسطين التي تتآكل خارطتها ويستولي المحتل الصهيوني على مدنها وقراها ويصادر ترابها وأشجارها ويهجِّر سكانها الذين ينتظرون منذ 75 عاماً صحوة الضمير العالمي والمنظمات الأممية للانتصار لحقهم في العودة إلى ديارهم.
ثلاثة وعشرون ألف شهيد وأكثر من 58 ألف جريح حصيلة مخيفة يشير إليها عدَّاد الموت الذي يزداد ارتفاعا كل لحظة، وتتسابق أقنية الإعلام والمنظمات الدولية لإحصائه وتوثيقه في سجلاتها التي تحوَّل فيها آلاف الشهداء والجرحى إلى أرقامٍ وكأن من تشير إليهم لم تكن لهم أسماءٍ تم محوها من سجل الحياة وأرواحٍ أزهقت بلا ذنب وأحلام تلاشت في سُحب الدخخان وأجسادٍ تمزقت وامتزجت أشلاءها بركام المنازل.
– الدم والانتصار
الدم الفلسطيني ليس نفطاً ولا ماءً.. انه ملح الأرض وبارود الثورة” بهذه العبارة يمكننا وصف تضحيات الشعب الفلسطيني الذي يتوارث الثورة ويواجه آلة المحتل العسكرية وينزف جيلاً بعد جيل ويضيف في كل يوم فصلاً جديداً إلى فصول الثورة التي تزيدها دماء أبناء غزة اشتعالاً وتحولها إلى ثورة عالمية تساند الشعب الفلسطيني وتصطف إلى جانبه ضد طغيان الاحتلال الصهيوني وداعميه.
اشتعل بارود الدم الفلسطيني فأضاء بصيرة شعوب العالم، وتحت عنوان “الحرية لفلسطين” شهدت لندن تظاهرات غير مسبوقة تندد بالاحتلال والعدوان الصهيوني، متهمة بريطانيا بصنع معاناة الشعب الفلسطيني من خلال وعدها المشئوم قبل أكثر من 100 عام، وشهدت نيويورك وواشنطن وباريس وبرلين واستكهولم وروما ومدريد وغيرها من المدن والعواصم الغربية تظاهرات مماثلة للتنديد بالعدوان والاحتلال ومطالبة بإيقاف الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل.
ثلاثة وعشرون ألف شهيد وأكثر من 58 ألف جريح، رقم كارثي إذا ما قيس بحجم ما خلفته وتخلفه الحروب من ضحايا وأحزان وآلام ومآسي، لكنه لن يكون كذلك إذا ما قيس بحجم ما حققه الدم الفلسطيني من انتصار لفلسطين الوطن والقضية التي يعيدها الدم الفلسطيني اليوم إلى واجهة المشهد السياسي والحقوقي الدولي ويحولها إلى قضية وحراك شعبي عالمي ينادي بالحرية لفلسطين ويطالب بحلٍ عادل يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية التي تعود اليوم لتحتل الأولوية في أجندات السياسة الدولية.