مما لا شك فيه أن الأسر الخليجية الحاكمة في منطقة الجزيرة والخليج كلهم بدون استثناء ليسوا أكثر من حراس لمصادر الطاقة في الزمن المنصرم، قد تحولوا اليوم إلى حراس لمصالح أمريكا وإسرائيل، ويديرون حربا بالوكالة عن إسرائيل وأمريكا، وبالقياس العقلي ليس للإمارات مصلحة تذكر في شن عدوان همجي على اليمن ، وليس للسعودية أي مصلحة تذكر، بل من مصلحة الإقليم كله هو التناغم والسلام وتحقيق مبدأ العلاقات القائمة على المصالح المشتركة.
العبث الذي مارسته دويلة الإمارات في الجزر والموانئ اليمنية لن يجعل الصين تتوقف عن مشروعها الاستراتيجي في تجديد طريق الحرير التجاري، وهذا المشروع بالضرورة والأثر سيجعل من دبي مدينة تجارية لعبت دوراً مفصلياً في حركة التجارة العالمية في الزمن القديم .
الموضوع الذي حدث ويحدث في المنطقة أكبر من قدرات السعودية والإمارات الذهنية، ولذلك باتوا وقودا يحترق حتى تضاء مصالح أمريكا وإسرائيل، وليس لهم من أثر ذلك الحريق سوى دخانه الذي يزكم الأنوف حاضرا ومستقبلا .
لقد سطّر أهل اليمن بطولات ذات أثر ومعنى وقيمة ولن تذهب تضحياتهم هدرا، فقد وعدهم الله بالتمكين وهو كائن لا محالة، ولله عاقبة الأمور .
صمد اليمن أعواما عديدة أمام أعتى قوة عالمية تمتلك ترسانة عسكرية حديثة، وتمتلك تقنيات استخبارية عالية، وقدرات ومهارات فنية وعسكرية، وأجهزة وآليات حديثة، وشكّل الصمود اليمني فتحاً كبيراً لكل التداعيات التي حدثت في بنية النظام الدولي الذي تقوده أمريكا والمنظومة الرأسمالية العالمية، والتي تعارف الخطاب الإعلامي على تسميتها بالدول الصناعية الست .
لم يدر في بال أمريكا- وهي تأمر ربيبتها السعودية على إعلان العدوان على اليمن من واشنطن صبيحة 26مارس من عام 2015م- أن كيد الضعيف سوف يغير من بناء المعادلة التفاعلية للنظام العالمي، أو سوف يحدث شرخا في جداره حتى يتداعى فينهار المعبد على الكهنة .
كانت الإشارات واضحة وقد بدأت من فلسطين في معركة سيف القدس مرورا بالطوفان، فظهر أثر الصمود اليماني على مسار التفاعل، ثم جاءت من أفغانستان، وها هي تستقر في روسيا وغدا ستكون في تايوان وفي الكوريتين حتى ينفرط عقد النظام الدولي وتنهار حركة توازنه الدولية الذي عمل طوال عقود على تمتين عراها في الوجدان الجمعي العالمي.
وقديما كان يقول الحكماء لا تستهينوا بكيد الضعيف فربما أدمى البعوض مقلة الأسد، ولكن كهنة النظام الدولي غرهم بالله الغرور فوقعوا في شراك شر أعمالهم، وها هم اليوم يجنون ثمرة ما زرعوه في اليمن من ظلم ومن حصار ومن قصف وتدمير لكل مقومات الحياة، ونحن نرى اليوم كيف عادت حاملات الطائرات حسيرة كسيرة تلحقها الذلة والمسكنة ورأينا كيف انفرط عقد التحالف البحري .
ظنت أمريكا- وفق قراءة استخبارية ومعلومات ميدانية تحركت فيها سفارتها في العقد الأول والثاني من الألفية- أن العملية العسكرية في اليمن لن تستغرق زمنا طويلا وسوف يتم حسم المعركة في غضون أيام قلائل، وها هو الزمن يجتاز عتبة العام الثامن ليلج إلى عامه التاسع، في حين تشهد اليمن تبدلا، وتتغير المعادلة من الضعف إلى القوة، ومن الشتات إلى الوحدة، ومن التضليل إلى الوعي، من الدفاع إلى الهجوم، وهو أمر ما كان له أن يحدث لولا الإيمان بعدالة القضية والثقة بنصر الله للمؤمنين في كتابه العزيز .
كانت اليمن تبحث عن السلام، وفق شروط العدو، اليوم العدو يبحث عن السلام وفق شروط أهل اليمن، وتلك من آيات الله لقوم يؤمنون، وكل التفاعلات الدولية والأحداث تصب في مسار المقاومة ومصلحة اليمن، إذ اتسع الخرق على الراقع فضاعت عليه مفردات اللعبة وأصبح عاجزا كل العجز عن التحكم بها، أو السيطرة على مساراتها، وكل الخيارات التي حاول من خلالها استعادة السيطرة تركت أثرا مدمرا عليه وعلى بناه العامة.
الملف النووي الإيراني- الذي كانت أمريكا تتخذ منه شماعة في حركة توازنها، فتقره ثم تخرج من اتفاقه- ها هي اليوم تقبل به وفق شروط الواقع الجديد وشروط إيران نفسها، كما أنها عجزت عن الانتصار لأوكرانيا ما ترك أثرا نفسيا على ربائبها في الخليج، فخرجت الإمارات عن الطوع، ومالت السعودية إلى روسيا خوف التداعيات وخذلان أمريكا، ولم تجد أمريكا سوى قطر وهي غير ذات أهمية، فقطر لن تستطيع سد حاجة السوق العالمية من الغاز والنفط فضلا عن هوانها في المسار العام وفي الأثر .
كل التداعيات الدولية اليوم حشرت أمريكا في زاوية أخلاقية حرجة، فقد حاولت أن تسير في وهم السيطرة على النظام الدولي، فوقفت لها روسيا والصين بالمرصاد فعجزت، فبرز سؤال تحديث أسس ومبادئ النظام الدولي، وهو سؤال ظلت أمريكا تهرب من استحقاقه منذ زمن .
أسس الاستغلال الذي مارسته أمريكا على شعوب وأنظمة العالم كشفت روسيا أسراره اليوم، عن طريق الأدلة الدامغة التي حصلت عليها من المعامل البيولوجية في أوكرانيا، كل فرص الاستغلال أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار والتداعي والسقوط، وبها ومن خلالها سوف يتداعى النظام الدولي القديم الذي تقوده أمريكا حتى يصبح أثرا بعد عين .
من الصعب أن تبني نظاماً عاماً وطبيعياً في العالم ولكن من السهل أن تهدمه، وكما عملت أمريكا على هدمه في دول الربيع العربي حتى يسهل عليها فرض السيطرة على الحكومات والهيمنة على الشعوب ها هي تتجرع وباله سما ناقعا من روسيا اليوم، وغدا تتجرعه في الصين وكوريا وفي كثير من بقاع العالم التي كانت ترى أنها تحكم السيطرة على مقاليدها، وبالتالي تحدث من خلالها لعبة التوازنات والضغوط حتى تمارس غواية الاستغلال .
قد لا يرى الكثير الأثر المباشر للصمود اليمني في وجه جبروت أمريكا ومن شايعها، لكن قيادة أمريكا للعدوان على اليمن واستخدامها لكل تقنيات الأسلحة في اليمن جعل منها كتابا مفتوحا ومقروءا، فالذي كان يتصورها حالة غير قابلة للقهر وجد فرصته ليغير من هذا التصور، والموضوع يمتد ليشمل محور المقاومة كله، فالقراءة التحليلية قادرة على سبر الغور للوصول إلى القرار، فمحور المقاومة الإسلامية صنع واقعا جديدا وخدش وجه أمريكا القبيح، والسؤال: هل سيكون لمحور المقاومة حضور فاعل في صناعة نظام دولي جديد يحترم حقوق الشعوب في العيش الكريم ؟ هذا ما نأمله في المستقبل المنظور.
Prev Post