كنت أستغرب في بيانات القمم العربية بعد حرب 1973م وبدء مسار التطبيع عبر كامب ديفيد الأمريكي، كنت أستغرب الإصرار على حشو وحشر أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني..
وأول مؤشر إجابة على علامة الاستفهام كان اتفاق توقيع ” أوسلو “، فالذي بات يعمل للوصول إلى هذا الاتفاق ” أمريكا ” هي التي فرضت هذه العبارة في بيانات القمم..
ولذلك فلا غرابة أن تصيغ أمريكا لاحقاً بياناً لقمة عربية في مصر ” شرم الشيخ “، وأصبحت مهمة تلك القمة هي كلمة ” نعم ” أو ” لا ” لبيان أمريكي باسم وفي ظل حشد أغلبية تساوي النسبة العربية المتعارف عليها 99% ليقولوا ” نعم “، ويصبح من يحتمل أن يقول ” لا ” أقل من الأقلية..
لقد رحل ” عرفات ” لأنه قال ” لا ” لقمة كامب ديفيد مع الرئيس الأمريكي ” كلينتون “، وبالتالي فقد أعد البديل سلفاً ” محمود عباس ” وكأن عبارة ” الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني ” في القمم العربية إنما صيغت لمرحلته ومن أجله، باعتباره اليد الأمينة لأمريكا وإسرائيل، ولو أنه كان مكان سلفه عرفات في كامب ديفيد لكان وافق على كل ما طلبه ” كلينتون”..
بالمقابل فكل تنظيمات الأخوان أعدت لهم محطة أمريكية هي ” الربيع العربي ” كما سُمي، وأصبح الأخوان هم الثورات وهم الثوار حتى من أدرج منهم في قائمة الإرهاب الأمريكية في اليمن وغير اليمن، أما إن حدث تثوير أو ثورة في “إسرائيل”، فذلك إرهاب في السياق والسيناريو الأمريكي المسبق للمنطقة..
ولهذا فإن الثنائية أو المتلازمة من السيناريو الأمريكي المسبق والقمم العربية ” الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني ” و” الإرهاب “، هي من يدفع بها في وجه ” حماس ” في ظل أي تطورات محتملة لما بعد العدوان والإجرام الإسرائيلي الأمريكي على غزة..
فأمريكيا تريد أدوات طيّعة ومطيعة ومتطوعة من أنظمة، أو من الأخوان لأداء وجهي اللعبة الأمريكية كإرهاب حين تحارب به من إفغانستان والشيشان حتى سوريا وليبيا، ومن ثم دور الإرهاب لتحاربه، ولذلك فنحن نرى في الأفعال هو أن أمريكا تدعم الإرهاب في سوريا وليبيا مثلاً، فيما تزعم أنها تحارب هذا الإرهاب كون لديها وصفات وقدرات ترويض لأطراف وأطياف لأداء هذه الأدوار، بغض النظر عن قطعان غنم يسهل تضليلها لتظل تؤدي هذه الأدوار بدون وعي..
إنني كذلك لم أكن أفهم أو أستوعب تلك العبارة الشهيرة في بيانات قمم عربية، ولكنني أرى أن قيادة عرفات لمنظمة التحرير تفرق كثيراً عن قيادة ” عباس ” والمشروعة اختلفت وتغيّرت وليست موروثة ” رمم ” ولا مستحقاً كمواريث..
يُحسب لـ ” حماس ” وبقية الفصائل الفلسطينية المقاومة أنها حققت ماعجزت عنه جيوش عربية، وأعطت للقضية الفلسطينية زخماً على مستوى شعوب بما لم يحدث من قبل سبعة عقود..
ما يحدث في غزة يقدم بوضوح وبكل الثبوتيات والوقائع أن الكيان الصهيوني وأمريكا هما الإرهاب، ومع ذلك فأني لا يهمني استعمالهما -الكيان الصهيوني وأمريكا- لـ ” سيناريو ” نعرفه حق المعرفة في استعمال وجهي ” الإرهاب والحرب ضد الإرهاب ” في منطقتنا ومن أجل مصالح أمريكيا وإسرائيل، ولكن المؤسف والمقرف بات في أي طرف فلسطيني يتحدث عن ما بعد العدوان على غزة في تناغم مع المنطق الأمريكي والإسرائيلي، أو يتحدث عن انتخابات فلسطينية باجترار ماضوي من قمم و ” رمم ” عربية..
في ظل المتغيرات عالمياً وإقليمياً وفلسطينياً، لم يعد الممثل الوحيد لأمريكيا وإسرائيل هو الممثل للشعب الفلسطيني..
البديهية عالمياً باتت تؤكد أن المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها ” حماس ” هي صاحبة الأغلبية الكاسحة من الشعب الفلسطيني، ولكن المقاومة أولويتها تحرير فلسطين وتربط أي ترتيبات في غزة أو في عموم فلسطين بهذا الهدف..
التحرير هو ما تريده وما تعيشه المقاومة، ولذلك بالتأكيد سترفض أي عمل وأي ترتيبات تعيق أو تسعى لتعطيل مسار وخيار التحرير..
ربما ما لايعيه البعض هو أن المشروعية تستمد فقط من الشعب الفلسطيني، وأن أمريكا وإسرائيل لم يعد لهما التأثير في مسألة المشروعية بعد 7 أكتوبر 2023م، ومع ذلك فالمرتهنون لما هو غير فلسطيني سيظلون في تفكير ووعي الارتهان المنحط والمهين..!!