منطلقات القضية الفلسطينية في السياسة اليمنية

طاهر الجنيد

 

 

لكل قضية عادلة جوانب قوية وجوانب ضعيفة ومفتاح الحل يكمن في تعزيز جوانب القوة والتمسك بها وإزالة كل جوانب القصور “الضعف” والقضية الفلسطينية ليست قضية تخص أبناء السعب الفلسطيني بل إنها قضية الأمة الإسلامية والأمة العربية بشكل عام ولذلك فإن السياسات الاستعمارية تعي جيداً أهمية فصل البعدين الإسلامي والعربي وحصرهما بالشأن الفلسطيني حتى يتم التحكم بمبادرات الحل من خلال امتلاك عناصر القوة الإجرامية المدعومة من الزعامات العربية والإسلامية المنظوية تحت عباءة الغرب والمدين له بالوجود وكذلك في الاستمرار، فمن أوجدها وصنعها هو الذي أوكل لها مهمة رعاية وحماية الكيان الصهيونية ومدته بأسباب البقاء والتفوق على الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يعاني من الخيانة والخذلان خيانة القيادات والزعامات العربية والإسلامية وخذلان القيادة التي تدعى أنها تمثل الشعب الفلسطيني وتتحدث باسمه ونيابة عنه.
لقد عمد الاستعمار بأدواته الإجرامية على مستوى الداخل الفلسطيني على تصفية الرموز الوطنية المؤمنة بالقضية وأعطى الأولوية للمتعاونين معه ليكونوا على رأس الهرم السلطوي –والواقع المشاهد يؤكد ذلك ويفضح حقيقة تلك الوجوه على مستوى الزعامات العربية والداخل الفلسطيني.
أما المنطلقات الأساسية في القضية الفلسطينية فهناك البعد الديني الذي يتم السعي لإزالة الارتباط بين القضية والبعد الديني، وهناك الارتباط التاريخي والسياسي والاقتصادي، صحيح أن الساحة التي تدربها رحى المواجهة هي أرض الرباط مسرى الرسول صلى الله وآله عليه وسلم لكن آثارها تشمل كل الابعاد وتمثل ميزان انحطاط أمة أو نهوضها وهناك مساران لا ثالث لهما إما أن تنتصر القضية الفلسطينية وتنهض أمة الإسلام أو تظل تحت الاستعمار والمهانة والذل –والبداية تكمن في تلك التضحيات التي ارست المبدأ وعمدته بالدماء الزكية والطاهرة على الأرض التي باركها الله منذ الأزل وجعلها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
منطلقات الموقف الإيماني اليماني
إن إيمان أهل اليمن بالقضية الفلسطينية يمثل أساساً للتحرك في سبيل نصرة الحق والعدل ولذلك فالقيادة السياسية وعلى رأسها قائد الثورة السيد عبدالملك بن بدرالدين الحوثي والشهيد القائد حسين بن بدرالدين الحوثي وكل القيادات القائمة على هرم السلطة وانتهاء بالقيادات الدنيا تقي أهمية القضية الفلسطينية وتتحرك من أجلها وفقاً للبعد الإيماني.
الإيمان بالقرآن الكريم
القيادة السياسية الحكيمة في موقفها من مظلومية أبناء شعبنا الفلسطيني تدرك أن تغييب المصدر الإلهي عن الصراع معناه خسارة القضية ولكن نجد قائد الثورة –ومن قبله الشهيد حسين بن بدرالدين الحوثي يؤكدون على أهمية استيعاب أحكام القرآن الكريم فيما يخص المواجهة مع اليهود – فالصراع ليس صراعاً حدودياً بل صراع وجود لقوم وصلت بهم الجرأة والوقاحة إلى التطاول على خالقهم وإن ينسبوا إليه كل قبيح ويصفوه بأحط الأوصاف حتى أن الله سبحانه وتعالى لعنهم على لسان أنبيائه ورسله (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) فمن قتل الأنبياء ونكث العهود وتطاول على الله لا يجب التعامل معه أو التفاوض بل يجب الحذر منه واتخاذه عدواً لأن الارتباط الإيماني يوجب ذلك فالله سبحانه يضع لنا أساس التعامل بعد أن بين حقيقتهم ودوافعهم تجاه الآخرين قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة (51) فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد بين لنا أن عداوة اليهود متأصلة لعباده المؤمنين فإن سعي البعض لعقد الصفقات والاستسلام لهم يؤكد انسلاخ هؤلاء من عرى الإيمان سعياً وراء مصالح وهمية إما عناداً أو جهلا وفي أحسن وأفضل الاحتمالات عمالة وانغماساً في مراتع الإثم والضلال، أما المؤمنون بالله سبحانه وتعالى فإنهم يدركون أن السلام المزعوم ليس ممكناً في ظل احتلال الأرض وتشريد أهلها وإبادة من فضل الثبات والموت على أرضه ووطنه وها هي الأحداث تؤكد الحقائق القرآنية التي ذكرها الله عن اليهود وأنهم (أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى) المائدة – وليس معنى ذلك أن النصارى بإجمال أقرب مودة –بل أن الغالبية المتأثرة بالفكر اليهودي هي التي تقود الإجرام مع اليهود وتدعمهم وترى أن مصالحها في تحطيم الأمة الإسلامية ولذلك فقد توافدت داعمة لليهود بكل قوتها وعدتها وعتادها.
المسيرة القرآنية والقيادة الربانية:
تدرك المسيرة القرآنية والقيادة الربانية أن الموقف من القضية الفلسطينية نابع من الأساس القرآني الذي كشف العقلية اليهودية وإنحرافهم عن المنهج الإلهي وأن المنافقين هم الطرف المساند والداعم لهم –وأن التخاذل عن نصرة المستضعفين في أرض فلسطين هو ضعف في الإسلام والإيمان –فإن بذل العون والجهد والمال والدم لتحرير فلسطين واجب على كل مؤمن حتى لو تخلى كل أبناء فلسطين عن واجب الجهاد إمتثالاُ لقيم الإيمان والحق والعدالة، ما بالك بالتخاذل أو التسليم أو التطبيع وممارسة الرقص والفجور على أشلاء الشهداء من أبنائنا وإخواننا في أرض الرباط.
برز الإيمان كله للشرك كله:
في معركة غير متكافئة فئة يقودها دهاقنة الإجرام الصهاينة ومن تحالف معهم من شذاذ الآفاق نصارى ومنافقين ومتصهينين نجد فئة قليلة تضع بصماتها بأسلحة خفيفة لكن الإيمان هو الذي يضع العجائب ويحدث الفوارق فقد فاقت الخسائر في جانب المعتدين ما احدثته جيوش مدربة حتى أنها خسرت المعركة في ستة أيام أما اليوم فالصمود والاستبسال يهوى بكل ذلك الإجرام وسيورده الهلاك بإذن الله.
إن الموقف اليمني يمثل اليوم الإيمان كله في مواجهة الشرك كله نصرة للمستضعفين والمظلومين فالقيادة الحيدرية بموقفها تمثل صدق الموقف بصدق العمل – ومن خلفها ومن أمامها كل الآمال والطموحات للشعوب العربية والإسلامية التي أدركت حقيقة الزعامات الخائنة للقضية وانغماسها في السياق وراء الأوهام والأماني الزائفة والوعود الكاذبة من المجرمين.
وها نحن اليوم نشهد دعايات الأفاقين في تشويه المواقف الإيمانية نصرة لإبنائنا وإخواننا في أرض فلسطين فتارة يستهينون بالمواقف الإيمانية الصارخة بالحق وأخرى ينشرون الأراجيف في الحديث عن الأسلحة التي وجهت صواب المجرمين وغير ذلك ومع التأكيد أنه يكفي الإعلان عن تأييد الحق وتقديم العون ولو كانت اليمن في مواجهة العدوان لما تراجع أحد عن التضحية في سبيل نصرة القضية العادلة.
فماذا فعلت الجيوش العربية بعتادها وتدريبها وإمكانياتها الجرارة؟ إنها لم تحرك ساكناً، بل إنها جعلت أهم استراتيجياتها قمع أبناء شعوبها وإذلالهم خدمة لأجندة الإجرام التي تنشر الظلم والبغي والفساد على مدى وجودها ومساحة ما تسيطر عليها، فماذا بعد هذا الانحطاط والخذلان؟
إن تحرك اليمن قيادة وحكومة وشعباً لنصرة المستضعفين من إخواننا أبناء فلسطين ليس ناتجاً عن مواقف دعائية لأن مواجهة قوى الكفر والطغيان بما تمتلكه من عتاد وقوة قد يجبن البعض في التصدي له خلاف ذلك من يعتمد على قوة الإيمان والثقة بالله.
مفارقات عجيبة:
– فبينما حشدت المملكة السعودية جيوشها ومعها الإمارات وغيرها في تحالف القتل والفتك واستخدام أقذر الأسلحة المحرمة لمواجهة الشعب اليمني –نجد أنها مشغولة عن نصرة القضية الفلسطينية بل أنها عمدت إلى اشغال طوائف المجتمع هناك بأقذر القضايا الفاسدة ابتداء من مهرجانات الرقص والتعري إلى مهرجانات المسابقات لكلاب العالم بينما كلاب شذاذ الآفاق يمارسون الإبادة للأطفال والنساء والشيوخ على أرض الرباط – قد نجد عذراً في تعهد المؤسس بمنح أرض فلسطين للمساكين اليهود لكن من باب الإنسانية الطافحة التي تجمل بها مواقفها عند حدوث كارثة في بلدان العالم شرقه وغربه.
إن كل قطرة دم سفكت لطفل أو أمرأة أو شيخ على أرض فلسطين تمثل لعنة على كل من رضي بذلك ما بالك بمن دعم أو سكت ولم ينكر حتى بقلبه ولن تذهب تلك الدماء هباء بل إن الله سينتقم من المجرمين في الدنيا قبل الآخرة، ولعلنا نشاهد هذا الانتقام من جبار السموات الأرض الذي سمى نفسه العدل، ولم يرض الظلم وقال لنا في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) فهل يستفيق الواهمون من سباتهم ويراجعون مسار حياتهم أم يستمرون في غيهم وطغيانهم ويصدق وعد الله فيهم: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) 42 سورة إبراهيم.

قد يعجبك ايضا