مضيق باب اليمن..

طه العامري

 

 

أُطلق عليه مضيق ( باب المندب) من قبل الرومان والبرتغاليين الذين كانوا يشنون حملاتهم الاستعمارية، لكن قواتهم كانت تصل إلى هذا المضيق الأسطوري ثم تختفي غرقاً على يد المقاومين الأبطال من أصحاب الأرض الذين يتصدون لحملات الغزاة، وحين كان كل من يصل للمضيق لا يعود فإن أهله يبقون ( يندبون) رحيله وفراقه، فأطلقوا على المضيق ( مضيق باب المندب) لكثرة ما ( يندبون) من قضى نحبه فيه، مع أن الاسم المفترض للمضيق هو ( مضيق باب اليمن)، والمفترض قانونيا أن المضيق يمني ويخضع للسيادة اليمنية بالمطلق وليس ممراً دولياً، غير أن المؤامرات الاستعمارية والمصالح الاستعمارية وضعف الدولة اليمنية، عوامل جعلت المضيق ( دوليا) وفق منطق الاستعمار ومصالحه وحصيلة لضعف الدولة اليمنية، مع أن البعض من العرب حين يتعرض للخطر يعود للإقرار بحق اليمن ويطالبها بالتحكم بالمضيق كما حدث في حرب أكتوبر عام 1973م حين طلبت مصر إغلاق المضيق أمام حركة الملاحة الصهيونية وأرسلت قواتها التي رابطت في عدد من الجزر اليمنية المطلة علي المضيق وخاصة جزيرة ميون.!
ما أقدمت عليه حكومة صنعاء بتوجيهات السيد القائد العلم والرمز وزعيم اليمن السيد المجاهد عبد الملك بدر الدين الحوثي، من منع السفن الصهيونية أو المتجهة للموانئ الصهيونية نصرة لأشقائنا في فلسطين عامة ولقطاع غزة التي تواجه حرب إبادة وتطهيراً عرقياً، وربط الإجراءات اليمنية بإدخال المساعدات للقطاع وفتح المعابر، هذا الفعل الشجاع وغير المتوقع والذي أربك ليس الصهاينة بل ودول العالم التي أصابها الذهول والخوف من هكذا إجراء وهكذا خطوة أقدمت عليها صنعاء في زمن الذل العربي والارتهان والتطبيع، زمن العربدة الإجرامية الصهيونية والغطرسة الاستعمارية الأمريكية – الغربية، حيث فاجأتهم اليمن من حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون ولم يكن في حسبانهم أن في اليمن رجالا أولي بأس وقوة ولديهم القدرة على قلب المعادلات والانتصار لمظلومية المظلومين من الأشقاء الذين تركوا لوحدهم يواجهون آلة الموت والدمار الصهيونية الأمريكية في حرب إبادة مجرمة وفي ظل حصار مطبق وتجويع وتشريد واستهداف ممنهج للأطفال والنساء والشيوخ في سبيل أن يستعيد الصهاينة كرامتهم وهيبتهم المفقودة صباح يوم 7 أكتوبر الماضي، وهي ملحمة أرعبت العدو وحلفاءه فهرولت أنظمة العالم الاستعمارية وفي طليعتها أمريكا لإنقاذ الكيان اللقيط وإطلاق يده لإبادة شعبنا العربي في فلسطين، ومهددين كل من يقدم لهم يد العون وإن إنسانيا بالويل والثبور فخافت أنظمة الذل والارتهان العربية – الإسلامية والتزمت بتحذيرات أمريكا والصهاينة، فجاء المدد والغوث من اليمن التي بقرارها أحدثت هزة في الوعي الجمعي لأنظمة العالم التي وجدت نفسها مجبرة على مراجعة مواقفها من الإجرام الصهيوني وبدأت تتحدث عن أهمية وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، إلى أن اضطر الشيطان الأكبر أن يعيد حساباته ويدرك أن دعمه الأعمى للصهاينة لن يحقق أهدافه الاستراتيجية وإنما سيحول المنطقة بكاملها إلى ساحة حرب مفتوحة، بعد أن أيقن أن صنعاء لا تناور ولا تزايد في مواقفها ولا تبحث عن شهرة أو حضور إعلامي ولكنها جادة فيما أعلنت عنه من مواقف وأثبتت هذا ميدانيا أولا بحجر سفينة (جالاكسي لودر)، وثانيا باستهداف ناقلة النفط النرويجية، واستهداف سفن أخرى وإجبارها على تغيير مسارها، ناهيكم عن العمليات العسكرية الداعمة لأبطال فلسطين، من خلال إطلاق الصواريخ والمسيّرات نحو المغتصبات الصهيونية.
مواقف اليمن الاستثنائية وغير المسبوقة التي فاجأت دول العالم وأربكت خططهم المتعلقة بالتغطية على الجرائم الصهيونية، فجاءت مواقف اليمن بمثابة ترجمة للإرادة الشعبية اليمنية، وأيضا ترجمة للمشاعر الشعبية العالمية التي تمردت على أنظمتها وخرجت للشوارع تندد بالجرائم الصهيونية وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار في القطاع وإدخال المساعدات الإنسانية وفتح المعابر ومحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة، ولم يأت موقف الرئيس الأمريكي مؤخراً إلا حصيلة طبيعية لما أحدثه الموقف اليمني وجسدته صنعاء ميدانيا، ورغم الحديث عن تشكيل قوات دولية وموافقة حكومة المرتزقة من صهاينة اليمن الجدد، الذين هرولوا مرحبين بطلب أمريكا رغم أن مشغليهم وأسيادهم في دول الجوار تحفظوا على دعوة أمريكا ولم يتحمسوا لها لإدراكهم لمخاطرها، وهذا أيضا ما تدركه أمريكا ذاتها التي رغم أنها من أطلقت الدعوة من باب جس النبض، لكنها على يقين أن الحضور العسكري بحد ذاته سوف يشكل أزمة للملاحة الدولية وأن تحويل المضيق والبحرين الاحمر والعربي إلى مناطق توتر، هذا بحد ذاته منهك لحركة التجارة الدولية، خاصة وأن 95% من حركة الملاحة الصهيونية تمر عبر المضيق، و15% من النفط العالمي يمر عبر المضيق، وهذا ما جعل العالم يراجع مواقفه بما فيهم أمريكا التي لم يكن موقف رئيسها الأخير إلا نتاجاً لصمود المقاومة والشعب في فلسطين وللضغط الذي أحدثته صنعاء بمواقفها، لأن أمريكا والغرب يدركون ماذا يعني إحداث توتر عسكري في المضيق والبحرين الأحمر والعربي وانعكاس ذلك على حركة الملاحة والتجارة الدولية.
ما أقدمت عليه صنعاء كان حلم الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الذي دفع حياته ومعه الرئيس الشهيد سالمين ثمناً لموقفهما من مضيق باب المندب والبحرين العربي والأحمر ورفضهما عسكرة البحرين والتحكم الدولي بمضيق باب اليمن وليس باب المندب.

قد يعجبك ايضا