طوفان الأقصى دلالات وأرقام

طاهر محمد الجنيد

 

تكشف الأرقام المتوفرة حاليا جانبا مهما عن اتجاهات العدوان وماهية الأهداف التي أراد تحقيقها رغم أنها واضحة ولا تحتاج إلى شرح أو بيان، لكن من باب التذكير والتنبيه وفضح الأكاذيب التي يروج لها المجرمون من خلال مؤسساتهم الإعلامية التي لم تتوقف لحظة عن بث الأكاذيب والافتراءات حتى أن تلك الوسائل والمؤسسات تعرت واتضحت حقيقتها أمام الرأي العام العالمي والمحلي، وأبرز مثال على ذلك تلك المظاهرات التي خرجت حول العالم مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني ومنددة بالإجرام الصهيوني- الصليبي الجديد في سابقة لم يعهد لها نظير، مما جعل القضية الفلسطينية حاضرة بعد أن كانت في طي النسيان، وفي إطار البحث عن بدائل لتثبيت الوجود الاستعماري ونفي أصحاب الأرض أو تهجيرهم منها في إطار ما سمى بصفقة القرن.
الإجرام تتحدث عنه الأرقام
تقول الأرقام المتوفرة حتى اللحظة أن الإجرام الصهيوني أرتكب ما يزيد على (1400) مجزرة متعمدا إلحاق وإيقاع أكبر قدر من الضحايا من فئات لا مبرر لاستهدافها كونها لا تقع ضمن الأهداف الحربية التي قد يرتجى منها تحقيق تفوق ميداني أو افقاد العدو ميزة للطرف الآخر شملت هذه المجازر المستشفيات والمدارس والبيوت والأسواق وغيرها، وجرى التدمير بواسطة أسلحة محرمة دوليا مثل الفوسفور الأبيض وغيره من الأسلحة التي قُدمت كهدايا لقتل وإبادة الشعب الفلسطيني من قبل الحلف الصليبي للصهاينة ودعما له في إجرامه ووحشيته وطغيانه، وهو ما يتنافى مع مبادئ الإنسانية التي تدعو إلى تجنب أعمال القوة والوحشية في القتال، خاصة أن هذه الأساليب لا تجدي في تحقيق الهدف من الحرب وهو إحراز النصر وكسر شوكة العدو، فقتل الجرحى أو الأسرى أو الاعتداء على النساء أو الأطفال أو على المدنيين غير المشاركين في الأعمال القتالية بوجه عام كلها أمور تخرج عن إطار الحرب وبالتالي تعد أعمالاً غير إنسانية، لكن الإجرام الصهيوني جعل الأعمال الإنسانية أهدافا حربية فانهال عليها بأفتك واقذر الأسلحة من أجل كسر شوكة المقاومة وتحطيم المعنويات لدى أبناء الشعب الفلسطيني، وأبناء الأمة العربية والإسلامية، وهو الأمر الذي أتاح للمتصهينين إثارة الشبهات حول جدوى المقاومة طالما وأن هناك أثماناً باهظة سيدفعها من لا علاقة لهم في جريمة الاحتلال والاغتصاب لأرض فلسطين، وأيضا ليس لهم دخل في المقاومة واسنادها من قريب أو بعيد.
وبينما كان حساب الصهاينة أنهم بإجرامهم هذا سيحققون هدفا استراتيجيا ضد المقاومة، وجدنا ارتفاع الوعي لدى جماهير الشعب الفلسطيني بضرورة دعم واسناد المقاومة حتى اكتمال التحرير لأرض فلسطين، فقد أصبحت الشهادة أعلى الأمنيات ووجدنا كيف يستقبلون أخبارها بالسجود شكرا وحمداً لله الذي أكرمهم بها، على يد شذاذ الآفاق وأعداء الإنسانية ومن لا يملكون لا ضميراً ولا ديناً أو ملة تردعهم عن ذلك، لكن نجد العصابات الإجرامية تدعي استهدافها للأبرياء من النساء والأطفال والعزل كون المقاومة تحتمى بهم، وهو كذب مفضوح أكدته المقاومة بالصوت والصورة من خلال المسافة صفر التي شاهدها العالم أجمع وأشاد بها، فقد رأينا شجاعة وإقدام وبسالة أبطال فلسطين الذين التحموا مع تحصينات العدو وآلياته ودباباته فدمروها على رؤوسهم واقتادوا الأسرى من على ظهورها بعد أن استولوا عليها واسقطوا الدعاية الكاذبة بقذائف محلية الصنع تحمل اسم مؤسس الحركة القائد الشهيد أحمد ياسين رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
الأطفال والنساء أولا:
من بين أكثر من (15.000) خمسة عشر ألف شهيد هناك نجد أن إجمالي الأطفال بلغ أكثر من (6200) طفل تم استهدافهم بشكل مباشر وأفعال وممارسات قائمة على العمد لا الخطأ أو النسيان، وهو رقم يصعب تجاوزه، فما هو الذنب الذي ارتكبه هؤلاء الأبرياء واي عقل يستوعب قتل هذه الأعداد، وأي ضمير وأي دين يبرر ذلك، أما المرأة فتأتي في المرتبة الثانية بعد الأطفال (4000) امرأة حصدت أرواحهم بين عشية وضحاها في إجرام يشهد عليه العالم ويدينه ما عدا المجرمين من صهاينة اليهود وصهاينة العرب ومن تحالف معهم.
وحصد الإجرام الصهيوني أكثر من (207) أطباء وممرضين استهدفهم بشكل مباشر إلى المستشفيات التي يعملون بها والمراكز الصحية وباستهداف سيارات الإسعاف التي تحاول إنقاذ المصابين، ولأن الصحافة هي القائم على كشف حقائق الإجرام بالصوت والصورة فقد تم استهداف الأطقم الصحيفة وقتل أكثر من (70) صحفيا وهو عدد ليس بالهين، والمشتغلون بالإعلام يدركون ويعون معنى قتل واستشهاد أكثر من سبعين صحفيا خاصة في مناطق الأحداث الساخنة وساحات الحروب والمواجهات.
وكان الدفاع المدني أقل خسائر في النفوس البشرية من الصحافة، ورغم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم في إنقاذ الضحايا من تحت ركام البيوت المدمرة فقد كان منهم لحد الآن (29) شهيدا.
ولا يعني ذلك أن بقية العدد الإجمالي للضحايا وهم من المقاتلين بل أنهم من الضحايا العزل الذين استهدفهم الإجرام إلى منازلهم وحصد أرواحهم، أما رجال المقاومة فهم يمارسون التأديب مباشرة للعدو ويعملون على إلحاق الخسائر الجسيمة به، لكنه لا يريد أن يدرك ذلك حتى نسقط هيبته الساقطة من أعين الممولين والداعمين له سرا وعلانية، ويؤكد ذلك ما أعلنته حركة المقاومة الإسلامية حماس عن شهدائها وأماكن استشهادهم وهم يعدون بالأصابع ولا يتجاوزون في أحسن الأحوال خمسين شهيدا ومثل ذلك ما أعلنته حركة الجهاد الإسلامي، أما بقية الفصائل فلا ندري هل ستكتفي بالفرجة وانتظار النتائج أم أن هناك حسابات أخرى تعتمدها من أجل التحرير ومقارعة الظلم والعدوان والإجرام.
وإذا كانت الإحصائيات السابقة تعتبر كحصيلة أولية لأولئك الشهداء فإن البحث تحت ركام المنازل والوحدات السكنية سيضاعف هذه الأعداد، وسيرتفع الرقم الإجمالي، فلازال هناك أكثر من (6.500) مفقود سيتم البحث عنهم في ركام (250.000) وحدة سكنية تضررت بشكل جزئي وهناك ما يربو عن (50.000) وحدة سكنية هُدمت بشكل كلي وأصبحت غير صالحة للسكن ولازالت هناك أعداد من المفقودين يجري البحث عنهم منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر الإنقاذ أو الموت إذا لم تتداركه أيادي الإنقاذ.
وخلال أيام الهدنة المعلنة استمر العدوان في ارتكاب الجرائم في كافة الأراضي الفلسطينية وكأن شيئا لم يكن، وها هي الحصيلة تتغير كل ساعة وكل يوم والضحايا في ازدياد، وأما الجرحى فهناك ما يزيد على (36.000) بعضهم جراحاتهم خطيرة بسبب الأسلحة المحرمة دوليا التي استخدمت ضدهم، فقطاع غزة يعتبر من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، فهناك أكثر من مليونين وثلاثمائة ألف نسمة يعيشون على ما مساحته 64 كم والصهاينة وحلفاؤهم يعون ذلك ويجتهدون لإلحاق أكبر الأضرار بالإنسان والأرض وكل ما يمت إلى الحياة بصلة.
المدارس تم تدمير (67) منها بشكل كامل حيث أصبحت خارج الخدمة، وأما التي تضررت بشكل جزئي فهناك أكثر من مائتين وستة وستين مدرسة وتم تدمير أكثر من ثمانية وثمانين مسجدا بشكل كامل، و(174) مسجدا تم إلحاق اضرار جزئية بالإضافة إلى ذلك تضرر ثلاث كنائس.
وشمل التدمير المقار الحكومية فقد تم إلحاق أضرار كبيرة بمائة وثلاثة منها.
جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية
يكمن الفارق بين جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية أن الأولى توجه ضد جماعة أثنية أو طائفية أو دينية بصفتها، أما الجرائم ضد الإنسانية فهي التي توجه ضد الإنسان بذاته سواء كان ذكرا أو أنثى صغيرا كان أم كبيرا، ومع ذلك فإن قانون إنشاء المحكمة الجنائية الدولية يعتمد ذات الأركان للجريمتين كما هو بنص المادتين (7.6) الأولى فيما يخص الإبادة الجماعية والثانية ضد الإنسانية وكالاتي:
أن يكون ارتكاب تلك الجرائم في إطار هجوم واسع النطاق.
أو بشكل منهجي ضد أي مجموعة من السكان المدنيين.
أما الركن المعنوي فهو أن يكون هناك علم لدى الفاعل للهجوم ويفسر الهجوم الموجه نهجاً سلوكيا يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال المشار إليها في الفقرة (1) فهل يكفي ارتكاب (1400) مجزرة في حق السكان المدنيين للقول بتحقق تلك الأفعال والجرائم ضمن سياسة الكيان الصهيوني الذي مارس أشكال الإجرام في حق الأبرياء والضعفاء والعزل منذ النشأة وحتى الآن – وهوما يصرح به قادة الكيان من ضرورة إبادة الجميع – وها هي حصيلة العدوان الأخيرة تؤكد استشهاد أكثر من (15000) شهيد، منهم ما يزيد عن (6250) طفلاً وأكثر من أربعة آلاف امرأة، وتدمير (50000) وحدة سكنية تدميراً كاملاً ومائتين وخمسين ألفاً تدميراً جزئيا.
وتفسر الفقرة (ز) من النظام الأساسي للمحكمة – “الاضطهاد” حرمان جماعة من السكان حرمانا متعمدا وشديداً من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع.
لقد وصل الأمر في الكيان الصهيوني – أن يصرح رئيس وزرائه وبعده وزير الدفاع أنه سيقطع كل أساسيات الحياة عن قطاع غزة، من ماء وغذاء ودواء حتى الكهرباء سيتم السيطرة عليها – لأنه حسب تقولاته – لا يقاتل بشراً بل حيوانات، فأيهما الحيوان الحقيقي: من يقاتل لاستعادة حقوقه وأرضه المغتصبة، أم من يستولي عليها ويقتل أهلها ويشرد شعبها من أجل الاستئثار بخيراتها.
حتى أن قيادة الكيان الصهيوني تعمدت قتل أبناء شعبها، في بداية المواجهات وبشكل بشع من أجل تمرير مخططاتها وإلصاق ذلك بالمقاومة لكن يشاء الله أن تتضح الحقيقة ويعلم العالم أجمع أن من قتل شعبه بتلك الوحشية هي ذاتها الآلة الإجرامية التي تقتل أبناء الشعب الفلسطيني.
أما جريمة الفصل العنصري فتعرفها الفقرة (ح) من نظام المحكمة “ أية أفعال لا إنسانية تمثل في طبعها الأفعال المشار إليها في الفقرة (أ) وهي – أ – القتل العمد – ب – الإبادة – ج – الاسترقاق – د – إبعاد السكان أو النقل القسري – هـ – السجن أو الحرمان الشديد من الحرية – و – التعذيب – ز – الاغتصاب والاستعباد الجنسي – ح – الاضطهاد –ط الاختفاء القسري – ي – الفصل العنصري أن ترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي أو السيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء جماعة عرقية أو جماعات أخرى، وبنية الإبقاء على ذلك النظام”
وهذا كل ينطبق على كل الجرائم التي قام بها جنود الاحتلال وتحت توجيه وإشراف القيادة العليا، ومجلس الحرب الذي يضم كافة القوى سلطة ومعارضة حتى إن خالفه البعض الذين لم يتجاوزوا عدد الأصابع.
لاشك أن المسؤولية الجنائية والإنسانية تشمل كل القائمين على الكيان الصهيوني وفقاً لنص المادة (25) من نظام المحكمة – أ – من امر أو جث أو شرع في ارتكاب هذ الأعمال.
ب- من قدم العون أو حرض أو ساعد بأي شكل على ارتكابها أو الشروع فيه.
إن هذه المحاولة لسرد بعض المسؤولية الدولية عن كل الجرائم الصهيونية ومن تحالف معه من الطواغيت والمجرمين والخونة والعملاء، وإن كان الأمل معدوما اليوم فقد يأتي يوم للحساب عليها، وتضاف إلى سابقتها – فمن قتل مبعوث الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في بداية النشأة ولم يحاسب عليها ها هو اليوم يضيف رصيداً من الإجرام إلى صفحات سجله الأسود وتاريخه الإجرامي والدموي.

قد يعجبك ايضا