وافق عليها الزعيم عبدالناصر مقابل 30 مليون دولار .. فهل يرفضها الرئيس السيسي مقابل المليارات ؟

خطة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء تعود بقوة إلى الواجهة

لطالما كان إفراغ قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين هاجسا وحلما لكل قيادات الاحتلال الصهيوني منذ خمسينات القرن الماضي .
حتى الآن لا يزال حلم تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة مستمرا ، ولا يترك الصهاينة فرصة إلا واستغلوها لتحقيق هذا الهدف ، وهو الهدف الأول والرئيسي للحرب الوحشية التي يشنها جيش الاحتلال على غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي ، وما يعلنها ساسة العدو من أهداف تعتبر ثانوية ومجرد غطاء لإخفاء الهدف الحقيقي المتمثل بالتهجير .
الثورة /تقرير / عباس السيد – محمد شرف

مخططات تهجير سكان غزة
عام 1948م كان عدد سكان غزة 80 ألف نسمة، ومع انتهاء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1949م تضاعف سكان غزة نحو ثلاث مرات على اثر تهجير نحو 200 الف نسمة من الداخل الفلسطيني إلى القطاع .
وبعد توقيع اتفاقية الهدنة بين الكيان الإسرائيلي ومصر في 24 فبراير 1949، تولى القطاع حاكم عسكري مصري ، يتمتع بنفس الامتيازات التي كان يتمتع بها المندوب السامي البريطاني قبل النكبة.
في العام التالي لقيام ثورة يوليو 1952 في مصر ، وصل جمال عبد الناصر إلى السلطة في عام 1953. كانت إدارته لا تزال تتلمس طريقها على جبهة السياسة الخارجية و تتصارع مع القضايا الداخلية عندما وافقت على خطة لنقل 12 ألف عائلة فلسطينية لاجئة من قطاع غزة إلى أراضٍ في صحراء شمال غرب سيناء .
وتضمنت الخطة إقامة مشروعات اقتصادية واستصلاح الصحراء بتوجيه أجزاء من مياه نهر النيل إليها .
وقد حظيت الخطة التي تم التفاوض عليها بين الحكومة المصرية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين “الأونروا” بدعم الإدارة الأمريكية التي وافقت على تخصيص 30 مليون دولار لتمويل الخطة .
ورغم خطورة مشروع التهجير في ذلك الوقت ، كانت الحكومة المصرية والأونروا مصممتين على تنفيذه.

هَبة مارس وافشال المخطط
بدأت الحركات الشعبية ضد مشروع إعادة توطين سيناء بمجرد أن نشرت الصحف المصرية لأول مرة تلميحات عن الخطة في مايو 1953.
وفي 1 مارس 1955، مباشرة بعد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، جرت مظاهرة حاشدة في مدرسة فلسطين الرسمية في غزة، حيث هتف المعلمون والطلاب وسائقو الحافلات وأصحاب المتاجر: “لا للترحيل، لا للاستيطان ، يسقط عملاء الولايات المتحدة»
ورفعوا شعار : “ كتبوا مشروع سيناء بالحبر وسنمحوه بالدم».
قوات الشرطة المصرية فتحت النار على المتظاهرين ، وشهدت بلدات وقرى ومخيمات في مختلف أنحاء القطاع، من بيت حانون شمالا وحتى رفح جنوبا مظاهرات أحرق فيها المتظاهرون سيارات تابعة لمسؤولين عسكريين مصريين وهاجموا مقر وكالة الأمم المتحدة ومستودعات الأونروا .
واصلت السلطة المصرية في غزة تهديداتها للمعارضين ، وفي مدرسة الذكور الإعدادية للاجئين في النصيرات، وقف مدير مباحث غزة سعد حمزة على المنصة في ساحة المدرسة وخاطب المعلمين والطلاب قائلا : “ قولوا لأهلكم إذا لم تركبوا القطار إلى سيناء فستحملون أبناءكم وأمتعتكم على رؤوسكم وتذهبون إلى سيناء مشياً على الأقدام».
لم يأبه الغزيون للتهديد ، وحافظ المتظاهرون – الشيوعيون وأعضاء الإخوان المسلمون والمستقلون – على زخم التظاهرات خلال الأيام القليلة التالية.
وأشرفت على التظاهرات “ اللجنة الوطنية العليا “ التي عقدت اجتماعاتها في مقر نقابة المعلمين في الأونروا. وتم اختيار ممثلي اللجنة في كل من مخيمات القطاع الثمانية، وشُكلت لجان فرعية لحماية المعتصمين، مما اضطر السلطات المصرية إلى تفويض مدير مباحث قطاع غزة، سعد حمزة، للتفاوض مع ممثلي اللجنة الوطنية العليا.
وبالفعل ، التقى ممثلان – الأمين العام للحزب الشيوعي الفلسطيني معين بسيسو ** وزعيم الإخوان المسلمين فتحي البلعاوي – مع سعد حمزة ونقلا مطالب المتظاهرين وهي :
– إعلان عام من قبل وسائل الإعلام المصرية الرسمية عن إلغاء مشروع إعادة التوطين في سيناء .
– تدريب وتسليح الفلسطينيين في المخيمات حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم ضد الغارات الإسرائيلية.
– محاكمة جميع المسؤولين الذين أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين .
– منح الحريات المدنية للفلسطينيين في القطاع ، وأهمها حرية النشر والتجمع والإضراب، وعدم ملاحقة من شاركوا في الاحتجاجات.

استجابة مصرية
وعلى وقع تلك التظاهرات ، أصدر الحاكم العسكري المصري لقطاع غزة ، اللواء عبد الله رفعت – الذي فر إلى العريش عند اندلاع الاحتجاجات – بيانا يستجيب لمطالب اللجنة الوطنية العليا، ووعد بإنهاء مشروع إعادة التوطين في سيناء، وصياغة مشروع قرار قانون جديد لتدريب وتسليح سكان مخيمات اللاجئين في القطاع، وضمان الحريات المدنية، وعدم مضايقة المشاركين في الاحتجاجات.
ومع ذلك، تم كسر تلك الوعود بسرعة ، ودعا رفعت الكتائب العسكرية المصرية المتمركزة في صحراء سيناء إلى شن حملة اعتقالات واسعة النطاق ليلة 8-9 مارس 1955، وتم اعتقال أعضاء اللجنة الوطنية العليا، فضلاً عن العديد من المعلمين والطلاب والعمال ، وتم إرسالهم إلى سجن غزة المركزي والعريش ثم نقلوا إلى سجن مصر العام، حيث مكثوا حتى يوليو 1957.
كما قام الحاكم المصري لغزة اللواء عبدالله رفعت بتفكيك نقابة المعلمين التابعة للأونروا، وأمر باتخاذ إجراءات جزائية صارمة ضد أي شخص يحرض على الإضرابات أو الاعتصامات.

تحول في السياسة المصرية
شكلت الغارة الإسرائيلية على أهداف عسكرية مصرية في قطاع غزة في 28 فبراير 1958، فضلاً عن الاحتجاجات الجماهيرية التي تلت ذلك ، تغييراً في مسار ثورة 1952 المصرية وتوجهات قادتها. وأعلن جمال عبد الناصر ، أن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة سيكون نقطة تحول في تاريخ مصر والمنطقة.
وقد تم التعبير عن هذا التحول بحدثين هامين ، الأول : تعزيز العلاقات المصرية مع المعسكر الشرقي . والثاني ، قرار القيادة المصرية بدء العمل الفدائي المنطلق من قطاع غزة .

مخططات الستينات
تواصلت المخططات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين وظهرت أفكار عديدة لبحث مستقبل العرب المقيمين في داخل كيان الاحتلال ، منذ إعلان قيام هذا الكيان الغاصب . وفي تصريح لـ” ديفيد بن غوريون “ أول رئيس لحكومة لكيان الاحتلال قال فيه :” أنَّ العرب يجب ألّا يبقوا هنا، كما أنَّ يهود أمريكا يجب ألّا يبقوا هناك، وسأبذل كل جهدي كي يكون العرب في دولة عربية».
عقب حرب 1967، عادت مخططات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة و الضفة الغربية للظهور مجددا . حيث أعدَّت الخارجية الإسرائيلية في 1968 خطة يجري بموجبها “ تعزيز حركة الفلسطينيين “ من غزة إلى الضفة ، وجزء منهم إلى الأردن ، ومن هناك إلى مناطق أخرى في العالم العربي، دون أن يظهر الأمر موجهاً من إسرائيل، بل وكأنه يتم بصورة عفوية تلقائية.

خطط أميركية للتهجير
عام 1968 بحثت لجنة في الكونغرس الأمريكي خطة للتهجير الطوعي لنقل 200 ألف فلسطيني من غزة إلى عدد من دول العالم، بينها: ألمانيا الغربية، والأرجنتين، وباراغواي، ونيوزيلندا، والبرازيل، وأستراليا، وكندا، والولايات المتحدة، لكنَّ الخطة لم تخرج إلى حيِّز التنفيذ، إما لأنَّ الفلسطينيين لم يوافقوا على الهجرة ، أو لأنَّ تلك الدول لم توافق على استيعابهم .

حرب 2009م وموقف مبارك
خلال الحرب الإسرائيلية على غزة أواخر 2008 وأوائل 2009 ، تدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى سيناء ، لكنهم عادوا إلى القطاع بعد انتهاء الحرب إبان حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ، وكانت هذه المحاولة أول اختبار عملي لخطة التهجير القسري، وتحدث عنها مبارك في إحدى مقابلاته الإعلامية بعد ذلك ، مؤكدا أنه أبلغ بحسم نتنياهو آنذاك الذي قدم له مقترح التهجير وخارطة التوطين بعدم وجود رئيس مصري يمكنه القبول بها.

هل يرفض السيسي ؟
منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة ، اعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اكثر من مناسبة رفض مصر لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء ، لكن الكثير من المراقبين وجدوا ان مواقف السيسي تفتقد إلى الجدية والحزم مقارنة بالموقف الرسمي الأردني الذي كان اكثر صلابة من خلال التهديد بإلغاء اتفاقات المشروعات الاقتصادية المشتركة مع دولة الكيان وابرزها اتفاقية المياه والطاقة .
الرئيس السيسي لم يظهر موقفا مبدأيا رافضا لخطط التهجير عندما اقترح تهجير سكان غزة إلى النقب بدلا من سيناء ، أو عندما اقترح دولة فلسطينية “ منزوعة السلاح « .

تدمير رفح المصرية وتهجير سكانها
قامت السلطات المصرية بتهجير نحو 70 ألف نسمة هم سكان مدينة رفح المصرية و دمرت حوالي 12 الف منزل خلال الفترة 2013_2019 ، ومرافقها من تجريف لمئات الهكتارات من المزارع المجاورة لغزة والحدود مع الكيان ، وردم الأنفاق التي كانت تربط رفح المصرية برفح الفلسطينية ، والتي كانت تمثل شريان حياة بالنسبة للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة .
السلطات المصرية بررت تلك الأعمال بأنها ضرورية لحماية الأمن القومي المصري ، لكن الكثير من المراقبين لم يجدوا فيها سوى خدمة للكيان الإسرائيلي ومخططاته الرامية لخنق سكان القطاع وإذلالهم .

رفح الجديدة
على بعد نحو سبعة كيلومترات من مدينة رفح القديمة المدمرة ، تواصل الحكومة المصرية إنشاء مدينة “ رفح الجديدة على مساحة 2 مليون متر مربع . بدأ العمل في المشروع عام 2018، ويتضمن أكثر من عشرة آلاف وحدة سكنية في مراحله الثلاث .
في 31 أكتوبر الماضي – في الأسبوع الرابع من الحرب الهمجية الصهيونية على غزة – زار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مدينة رفح الجديدة ، معلنا الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع ، وتم التكليف بالبدء في المرحلتين الثانية والثالثة بالإضافة إلى البدء في مدينة بئر العبد الجديدة وتنفيذ مراحل تنميتها خلال الأيام القادمة.
وأضاف مدبولي، أن الدولة المصرية نفذت مشروعات في مجال التنمية الصناعية بقيمة 6.5 مليار جنيه.
وتخصيص 38 مليار جنيه لإنشاء مجمعات صناعية لإنتاج الإسمنت والرخام والرمال السوداء ستخدم مصر بأكملها وليس فقط شمال سيناء .
اللافت أن سكان رفح القديمة الذين دمرت منازلهم ومزارعهم تشتتوا في محافظات الدلتا المصرية خارج سيناء وليس لهم نصيب في رفح الجديدة ، وهنا يتسائل الكثيرون :
لمن تُبنى رفح الجديدة . ومن سيعمل في مشروعاتها الاقتصادية بعد تهجير رفح المصرية والبلدات شرق مدينة العريش ؟.
ألا يمكن أن تكون مشروعات الهدم والتدمير والبناء والتعمير التي شهدتها مناطق شرق سيناء هي استعداد لسيناريو إفراغ غزة من سكانها ؟.

سياسة العصا والجزرة الأمريكية
يراهن الأميركيون والإسرائيليون على الوضع الاقتصادي المتردي في مصر ،
وتشير بيانات اقتصادية إلى أن قيمة الديون الخارجية المستحقة السداد من جانب مصر، تساوي نحو 29.229 مليار دولار خلال العام المقبل 2024.
وبحسب تقرير للبنك الدولي حول الوضع الخارجي للاقتصاد المصري، تشمل هذه القيمة سداد فوائد بلغت 6.312 مليار دولار، وأقساط ديون تقدر بحوالي 22.917 مليار دولار.
ووفقا للتقرير، يتطلب دفع حوالي 14.595 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2024، بينما من المتوقع سداد نحو 14.634 مليار دولار خلال النصف الثاني من نفس العام.
وسجل إجمالي الدين الخارجي المستحق على مصر نحو 165.3 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، بزيادة قدرها 9.6 مليار دولار مقارنة بنهاية يونيو 2022.
يستغل الإسرائيليون والأميركيون هذا الوضع ويكررون عبارة “حوافز اقتصادية” ومكاسب ستجنيها مصر إن وافقت على مشروع التهجير إلى سيناء. وجرى الكلام عن شطب الديون المصرية، ووعود بتقديمات مالية سنوية وتسريع عملية حصولها على قروض معلقة .

أوراق إسرائيلية حديثة
في آب 2019، ذكر الصحافي عميحاي شتاين أن الحكومة الإسرائيلية تخطّط لتعزيز الهجرة الدائمة للفلسطينيين من غزة. ولا تزال تفصيلات الخطة مجهولة، لكن من المعلوم بأنها تتضمن اقتراحات على دول أُخرى لقبول المهاجرين الفلسطينيين في مقابل قيام إسرائيل بتغطية التكاليف. وحتى الآن، لم توافق أي من الحكومات التي تم الاتصال بها على هذا العرض.
في 17 أكتوبر الماضي ، نشر معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية ورقة بحثية تحث الحكومة الإسرائيلية على الاستفادة مما وصفتها ب “الفرصة الفريدة والنادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله” وإعادة توطين الفلسطينيين في مصر بمساعدة الحكومة المصرية.
وبشكل منفصل، أوصت وثيقة مسربة من وزارة المخابرات الإسرائيلية بإعادة توطين الفلسطينيين من غزة قسراً في شمالي سيناء وبناء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيلية لمنع عودتهم.
وقد اعترف نتنياهو بصحة الوثيقة لكنه اعتبرها غير ملزمة .

طبيعة الحرب الوحشية تشير إلى هدف التهجير
يجمع الكثير من المراقبين حول العالم أن ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ الثامن من أكتوبر الماضي ليست حربا ، بل تطهير عرقي وإبادة جماعية للفلسطينيين في القطاع .
خلال شهرين فقط ، تجاوز عدد الشهداء 16 ألفا نحو 70% منهم أطفال ونساء، أرقام الضحايا وحجم الدمار بلغت أرقاما قياسية كارثية غير مسبوقة في تاريخ النزاعات والحروب في العالم .
وحشية الحرب وبشاعة المجازر اليومية وحجم الدمار ومستوى الحصار الشامل والقاتل تشير إلى أن أهداف الحرب تتجاوز تلك التي يعلنها قادة الاحتلال وهي : القضاء على حركة حماس كقوة عسكرية وكسلطة ، استعادة الأسرى ، وضمان عدم ظهور تهديد للكيان من داخل غزة مستقبلا .
الهدف الحقيقي لهذه الحرب هو تهجير سكان القطاع إلى سيناء المصرية ، هذا ما تؤكده أيضا التكتيكات العسكرية التي يستخدمها جيش الاحتلال باعتماده بشكل رئيسي على القصف الجوي واتباع سياسة الأرض المحروقة ، ودفع الناجين من سكان شمال القطاع للنزوح باتجاه الوسط والجنوب .
بينما كانت التوغلات البرية والسيطرة على الأرض محدودة ، لا تهدف سوى إلى المزيد من القتل والحصار وفرض مسارات محددة لنزوح السكان من محافظة الشمال ومدينة غزة باتجاه الوسط والجنوب ، خان يونس ورفح ، باعتبارها مناطق آمنة كما كان يزعم جيش الاحتلال .
خلال شهر ونصف من الحرب، نزح أكثر من مليون فلسطيني نحو الجنوب، ومنعوا من العودة لتفقد منازلهم في الشمال خلال فترة الهدنة الإنسانية التي استمرت أسبوعا واحدا، كما منع الاحتلال وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق الشمال بهدف إجبار من تبقى من سكانها على النزوح.
وقد كان لافتا استهداف المستشفيات ومراكز إيواء النازحين مع إنها لا تشكل تهديدا امنيا أو عسكريا لجيش الاحتلال، لكن الهدف الرئيسي لاستهداف تلك المنشآت هو :
وقف الخدمات الأساسية التي يحتاجها السكان بشكل ملح في مثل هذه الظروف واهمها ، الخدمات الصحية و الإيواء ، وجعل تلك المدن والبلدات غير صالحة للعيش .
والهدف الثاني هو إخلاء تلك المنشآت من عشرات آلاف النازحين الذين كانوا يعتقدون أنها ملاذات آمنة رغم تردي الأوضاع التي كانوا يعيشونها .
استأنف جيش الاحتلال حربه الشاملة على القطاع بعد انتهاء الهدنة ، وفي هذه المرحلة الثانية، تركزت عملياته في منطقة الوسط ، وتحديدا محافظة خان يونس . المنطقة التي قال سابقا أنها آمنة أصبحت منطقة قتال بحسب بيانات لجيش الاحتلال حذرت السكان ودعتهم الى التوجه جنوبا نحو رفح ، المنطقة الحدودية مع سيناء المصرية .

عزمي بشارة : الخطة قائمة
أكد المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن مشروع التهجير لا يزال قائمًا كخطة، بالنظر الى مواقف القيادات الإسرائيلية وطبيعة الحرب الوحشيةعلى غزة وتكدس السكان في الجنوب.
ويرى بشارة أن فتح معبر رفح سيجعل الناس يخرجون انطلاقًا من غريزة البقاء بالدرجة الأولى.
وأكّد بشارة في لقاء معه على قناة التليفزيون “ العربي “ في 3 ديسمبر الجاري، أن مصر قادرة على إيقاف التهجير ، مشدَّدًا على أن التهجير قد لا يشكّل خطرًا وجوديًا على مصر، ولكنه خطر وجودي على فلسطين، معتبرًا أنه على مصر مواجهته من باب التضامن.
وقال: “ أن فقدان الثقة فيما بين الدول العربية، وتنافسها على تحالف الولايات المتحدة، حال دون تحرك عربي فاعل تجاه الحرب على غزة «.

خاتمة :
في مقال له بموقع “ مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي نشر بتاريخ31 أكتوبر 2023 “ يقول الباحث جوناثان أدلر :
لقد صرحت الحكومة الإسرائيلية بأن هدفها هو القضاء على حماس، ولكن من الواضح على نحو متزايد أن الحرب تسعى إلى تحقيق هدف ثانٍ : الطرد الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة .
يضيف أدلر : “ في عام 1955، انتفض الفلسطينيون في جميع أنحاء غزة، فيما أصبح يعرف باسم انتفاضة مارس، وأجبروا الأونروا والولايات المتحدة ومصر على التخلي عن خطط إعادة التوطين. واليوم، بينما يكافح الفلسطينيون في غزة من أجل البقاء على قيد الحياة، وبينما يغض الزعماء الأميركيون والأوروبيون الطرف عن معاناتهم، فمن غير الواضح ما إذا كان أي نوع من الاحتجاج السياسي قادراً على منع وقوع نكبة ثانية.».

هوامش
* هبة آذار، مارس 1955م في قطاع غزة.. إحباط مخطط التوطين .. وقال الباحث المؤرخ ماهر الشريف في موقع الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية ..ولد الشريف في دمشق عام 1950 لأب فلسطيني وأم سورية.
أبحاثه متخصصة في التاريخ الفكري العربي الحديث وتاريخ الحركات السياسية العربية.
كان عضوا في اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني.
يعتبر الشريف من أهم المؤرخين الفلسطينيين ويحمل درجتي دكتوراه من جامعة باريس الأولى والسوربون.

معين بسيسو :
سياسي وشاعر فلسطيني ، (1926 – 1984)
له كتاب “ دفاتر فلسطينية “ الصادر عام 1978 . مزج فيه بسيسو بين مذكراته الشخصية والحوادث التاريخية التي عايشها خلال فترة شبابه وما تلاها. ومن بين ما أسهب في شرحه قصة انتفاضة قطاع غزة عام 1955، التي أنهت مشروعًا مصريًا أمريكيًا بمشاركة مندوبين عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، لتوطين اللاجئين في سيناء.

قد يعجبك ايضا