إيهاب شوقي
جرائم الحرب التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ليست غريبة عليه، فقد نشأ الكيان عبر المجازر والتهجير، وتوسع استيطانيًا وجغرافيًا بالحرب والعدوان واغتصاب الحقوق. لكن امعان الكيان في استهداف الأطفال والنساء دون مراعاة الحد الأدنى من الحرص على دعايات المظلومية التي يحاول كسب الرأي العام العالمي بها، له دلالات مضافة، كما أن هناك مظاهر فريدة تخبر جيدًا عن أن الكيان يعيش حالة انهيار وأن نذر الزوال تتصاعد بوتيرة كبيرة، وهنا يمكننا رصد ما يلي:
1 – تعمد قصف الأطفال والنساء بهذه الوحشية يدل على أن العدو قد يئس من نزع ثقافة المقاومة عبر الأجيال الفلسطينية المتوالية، وأن هؤلاء الأطفال مشاريع مقاومة مستقبلية يحاول العدو اجهاضها بشكل وقائي.
2 – في تاريخ الحروب والأزمات الوطنية تتلاشى جميع الخلافات وتتوحد الجبهات، ومن الحالات الشائعة في الدول الاستبدادية، أن الزعيم المستبد حينما يلمح بوادر للثورة عليه، فإنه يحاول اصطناع أزمة وطنية كبرى كي تتوحد البلاد وتخف وطأة الغضب عليه.
بينما شاهدنا في الكيان وسط أزمة وجودية حقيقية أن الخلافات تستعر بين السياسيين وأن المظاهرات تخرج ضد قائد الحرب، وأن القائد يتهم أجهزته بالفشل ويتهرب من المسؤولية، وهي حالة تدل على الوضع البائس الذي وصل له الكيان من غلبة المصالح الشخصية ومحاولات الخلاص الفردي، وكذلك عدم قناعة المجتمع بقادته وعدم انخراطهم في مشروع وطني جامع.
3 – يتفق علماء السياسة على أن أهم مكونات الدولة هي المواطن، والإقليم الجغرافي، والحكومة والسيادة، والأهم الاستمرارية السياسية، ويضيف العلماء عنصريّ الثقافة والحضارة في التحديثات التي تجرى دوريًا على النظريات.
ولا شك أن دول المنطقة جميعًا، حتى رغم تقسيمات الاستعمار وحدود سايكس بيكو التي قسمت الدول بشكلها المعروف حاليًا، ينطبق عليها مفهوم الدولة، والاستثناء في هذه المنطقة هو هذا الكيان الصهيوني اللقيط، والذي اصطنع دولة دون أن ينطبق عليها المفهوم، ولم يحرص حتى بسبب أطماعه أن يستكمل إجراءات الدولة حتى على المستوى الشكلي!
فلم يحدد العدو لنفسه اقليمًا جغرافيًا ثابتًا ولكن يتركه قابلًا للتوسع والاستعمار الاستيطاني، وهو ما يقوده لجلب المستوطنين في غير تناسق أو تجانس ومحاولة اصطناع هوية جامعة فشلت في توحيد المجتمع وأفرزت كل الانقسامات التي تعصف بجبهته الداخلية، ناهيك عن خلو الكيان من القيادات التاريخية التي وحدت بزعامتها بعض القطاعات وحافظت على التماسك، بينما القيادات الراهنة متصارعة وباهتة ولا تحمل مشروعًا يمكن للصهاينة الالتفاف عليه.
4- عندما تتحدى (دولة) الجمعية العامة للأمم المتحدة وتصف قراراتها بعديمة الأهمية ويقول مندوبها للأعضاء أن قرارهم “عار عليكم”، فهي (دولة) شاذة، وخاصة وأن الدول الحديثة لا تجرؤ على وصف اعدائها بـ”الحيوانات”، كما تجرأ على ذلك وزير رسمي في هذا الكيان وهو وزير الحرب الصهيوني.
هنا يمكننا القول إن الزخم الذي استطاع المشروع الصهيوني به اصطناع كيان في صورة دولة، قد وصل لمرحلة الشيخوخة وأن تناقضاته التي استترت تحت وطأة فحوة القوة، قد برزت مع صمود المقاومة وتناميها وتوازنات الردع والرعب، وباتت هذه التناقضات تفتك بالعدو ومشروعه، كلما علا صوت المقاومة ولو بطلقة بارود كل يوم، بعيدا عن الهدنة الطويلة التي يستعيد العدو بها توازنه ويسعى خلالها في الفتنة وتمزيق الصفوف في المنطقة.
لا شك أن اللجوء للقتل دون إنجاز استراتيجي هو إفلاس في بنك الأهداف ويأس وهروب من المواجهات المباشرة مع المقاومين في جميع الساحات، وهو مصداق لأنهم لا يقاتلون إلا من وراء جدر.
قد يعجبك ايضا