سجلت قيادة أنصار وسلطة صنعاء موقفا في لحظة عربية تاريخية، لحظة تخاذل فيها كل العرب والمسلمين، لحظة لم تشفع أشلاء أطفال فلسطين ومجازر جيش الدفاع الصهيوني وحرب الإبادة التي يخوضها ضد قطاع غزة المدمرة على رؤوس سكانها ولم يبق فيها الاحتلال شجرا ولا حجرا ويسعى لإبادة البشر فيها بدم بارد وبرعاية أمريكية -بريطانية -فرنسية -ألمانية والتفاف غربي وصمت عربي وإسلامي إلا من رحم ربي، لتأتي مواقف أنصار الله ساطعة تعانق الشمس وتعلن لكل الدنيا أن اليمن لا تزال عربية الهوى إسلامية الهوية وأنها وشعبها وقادتها لا يقبلون الظلم ولا الضيم ولا يمكنهم الصمت أمام مجازر تدار بحق أشقائنا أصحاب الحق والأرض من قبل عدو محتل جاءت لمناصرته أساطيل الدول الكبرى وإلى كيان الاحتلال هرع زعماء العالم معبرين عن تضامنهم المطلق مع الجلاد ضد الضحية، وحين تخاذل أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي برزت اليمن معلنة عن رفضها لهذا الظلم ولتلك المجازر البشعة والحرب الوحشية ولم يتوقف الرفض اليمني في حدود المسيَّرات والوقفات والخطاب السياسي والإعلامي المندد بالعدوان الصهيوني بل ذهبت اليمن إلى أبعد من ذلك، حين حركت قواتها العسكرية بصواريخها ومسيَّراتها وضربت الأراضي المحتلة حيث يتمركز العدو المحتل وخاصة (إيلات) أو (أم الرشراش) التي جلب اليها الاحتلال مستوطنيه من غلاف غزة ومن مستوطنات الجليل على الحدود مع لبنان وسوريا وجمعهم ليحميهم من هجمات المقاومة في فلسطين ولبنان، ولم يعرف العدو أو يدرك أو يصدق أن هناك عرباً آخرين أقحاحاً لم يعهدهم وهو الذي اعتاد التعامل مع شراذم من المحسوبين على العرب والعروبة، لم يتوقع الكيان أن تأتيه حمم الكرامة بصورة صواريخ باليستية ومسيَّرات هجومية وانتحارية ذات فعالية وقدرة تدميرية عالية، حسب وسائل إعلام العدو، وما يتناقله مستوطنوه الصهاينة الذين أصابهم الذعر والخوف وخرجوا في مسيرات منددة بكيانهم ومتهمين مسؤوليهم بالخيانة والعجز عن حمايتهم، بل أبعد من هذا اتهم قطعان المستوطنين حكومتهم بخداعهم حين نقلوهم إلى إيلات وابلغوهم أن إيلات منطقة آمنة، لكنهم تفاجأوا بصليات من الصواريخ والمسيَّرات قادمة اليهم من عرض البحر، ومصدرها اليمن.. ليجد العدو نفسه مجبرا على التفكير وإعادة الحسابات واضعا أمامه أكثر من سؤال عن اليمن التي لا تنفع معها تحذيرات أمريكا ولا تهديدات بريطانيا، اليمن حيث لا وجود لأذناب واشنطن فيها ولا لسماسرة الارتهان، ولكنها يمن -(أنصار الله)، يمن العزة والكرامة والسيادة والعروبة والإسلام، يمن المسيرة القرآنية، يمن الحرية والرفض للهيمنة الاستعمارية، يمن الهوية والعقيدة التي لا يمكنها أن ترى جرائم الصهاينة والأمريكان وتقف متفرجة دون حراك، ولا يمكنها مشاهدة حرب الإبادة بحق أشقائنا في فلسطين وتطلق تصريحات المناشدة والاستجداء والتوسل للعدو وحلفائه بإيقاف العدوان، بل خاضت مباشرة بالفعل الواجب القيام به وأرسلت رسائلها للعدو بالصواريخ الباليستية والمسيَّرات، غير آبهة بهدير البارجات والمدمرات الأمريكية البريطانية ومن على شاكلتها من البوارج الغربية المساعدة القادمة لمناصرة الجلادين على الضحايا.. ما قام به أنصار الله هو موقف طبيعي يعكس قناعة وثقافة ومنهج الجماعة والشعب اليمني الذي يرتبط بعلاقة قوية وقديمة مع القضية الفلسطينية ومع الحقوق المشروعة للشعب العربي في فلسطين، لكن ما أضافته إلى هذه القناعات والعلاقة جماعة أنصار الله وهم بحق يستحقون هذا الاسم ولهم فعلا من اسمهم نصيب ونصيب وافر، هو أنهم لم يكتفوا بإرسال الفدائن للقتال في صفوف الثورة الفلسطينية، كما كان يحدث سابقا، بل حرَّكوا قواتهم وأطلقوا صواريخهم ومسيَّراتهم نحو العدو، بغض النظر عما أحدثته تلك الضربات وما أثرت فيه ماديا، فيكفيها ما أحدثته نفسيا ومعنويا في فكر ووجدان وذاكرة العدو وما ألحقته به من خسائر مادية و قلق وإحباط وترقب في نفوس قطعان المستوطنين الذين يعيشون في حالة قلق وتوتر وأزمات، وإن نجوا من ضربة فإنهم يبقون في حالة يأس مترقبين الضربة التالية واحتمالات تأثيرها المادي والمعنوي، وهل ستكون قوتها وتأثيرها بنفس الضربة السابقة أم ستأتي بقوة تدميرية أقوى..؟! يكفي أنصار الله في خطوتهم الالتحامية عسكريا مع المقاومة في فلسطين، أنهم زرعوا الشعور بالقلق والخوف حد الذعر في نفوس قطعان المستوطنيين وقادتهم، ناهيكم عن حالة الإرباك العسكري في خطط ومخططات العدو وحساباتهم، بحيث أصبح عاجزا عن التنبؤ بما هو قادم، ومن أين سيأتي من الداخل الفلسطيني أم من جنوب لبنان وحزب الله؟ أم من المقاومة العراقية؟ أم من اليمن؟ وهذه النقطة الجديدة التي تشكل خطرا وجوديا على الكيان وحلفائه نظرا لارتباط اليمن ووجودها في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي، ناهيكم عن باب المندب الذي قد يصبح نقطة خطيرة في مجرى الصراع في حال توسعه ويصبح القرار فيه بيد أنصار الله بما لديهم من رؤى وعقيدة تتصادم مع رؤى وعقيدة ترويكا الارتهان العربي المنقادين أمريكيا والحراس الفعليين للكيان الصهيوني ومخططاته الاستيطانية.
موقف القيادة العربية والإسلامية في اليمن، لم تأت اعتباطيا ولا مجرد رد فعل على الجرائم الصهيونية، وهي كذلك لم تأت بدافع إحراج الأنظمة العربية، أو إحراج الجيوش العربية، بل جاءت تجسيدا لقناعات مبدئية ثابتة تدخل في صلب الثقافة القرآنية التي تشكل الوعي الجمعي اليمني، وتوجه اليمن نحو تأصيل هذه الثقافة من خلال الاشتباك المباشر مع عدو لا يقف عدوانه عند تخوم الجغرافية الفلسطينية، بل تمتد أطماعه التوسعية والاستيطانية إلى ما هو أبعد من فلسطين، ولن تكون اليمن خارج أطماعه الاستعمارية، لما لها من أهمية جيوسياسية كانت سببا لتعرضها لحرب قاسية لمدة ثمان سنوات ونيف، حرب قادتها أمريكا وبريطانيا ولم يكن الكيان الصهيوني بعيدا عنها، بل شارك فيها وبفعالية كحليف لقوى الارتهان التي موَّلت الحرب والعدوان.
إذاً بدافع قومي وإسلامي تخوض اليمن بقدراتها المادية والمعنوية معركة مواجهة الاحتلال الصهيوني نصرة للمقاومة في غزة ولشعبنا العربي الفلسطيني وقضيته وخطوة دفاع متقدمة للسيادة الوطنية اليمنية وللأمن القومي العربي الذي تخلى عنه دعاته الذين حاربوا الشعب اليمني لثمان سنوات ونيف بذريعة الدفاع عن الأمن القومي العربي وهم لم يكونوا بعدوانهم علي اليمن سوى بيادق بيد الصهيونية العالمية وأمريكا الاستعمارية التي تتوق لتطويع الإرادة الوطنية والعربية والإسلامية لدى الشعب اليمني والعمل على طمس هويته وتحويله إلى شعب مسخ واستهلاكي وترفيهي مجرد من كل المعتقدات النبيلة.
يدرك أنصار الله وقائدهم المجاهد سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن في غزة ينتصر الدم على الميركافا وعلى صواريخ الـ”إف 16″ والـ”إف 18″ والـ”إف 35″ ويدرك أن الحق سوف ينتصر علي الباطل مهما حشد أهل الباطل من القوة والقدرات، فالحق دائما فوق القوة والحق مع الشعب العربي المسلم في فلسطين، بدليل أن العدو ورغم المجازر البشعة التي يرتكبها لم يتمكن من تحقيق انتصار يذكر، ولأنه لم يحقق انتصارا ميدانيا علي المقاومة فهو كعادته يلجأ لارتكاب مجازر بحق المدنيين، وهذا ما يعرفه العالم عن الجيش الصهيوني، منذ مجزرة دير ياسين حتى مجازر غزة.
ختاما أقول لأولئك المرجفين من أبناء جلدتنا المشككين بمواقف أنصار الله أو اتهامهم بالتبعية لإيران، أقول لهؤلاء :أولا :إن التحالف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية شرف ما بعده شرف ويكفي إيران فخرا أنها الدولة التي أعلنت ثورتها موقفها الثابت والمبدئي مع القضية الفلسطينية وأن المقاومة اليوم تخوض معركتها مع الاحتلال الصهيوني بسلاح إيراني أو بخبرات إيرانية، بعد أن تبرأ العرب من المقاومة وحاصروها بأمر الصهاينة والأمريكان، وحول موقفهم من أنصار الله أقول يكفي أنهم دخلوا المعترك تعبيرا عن قناعة شعب لم تروضه (ثقافة مكدونالد) ولم تثر غريزته حفلات الترفيه، وكان أفضل لكم وأشرف، لو كان معكم شرف، أن تصمتوا ولا تهينوا أنفسكم وتفضحوا مواقفكم، واستروا ما ستره الله..!