للشهر الثاني على التوالي يواصل الكيان الصهيوني ارتكاب المجازر بحق الشعب العربي في فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة، مجازر وحشية ترتكب بحق النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين، مجازر طالت كل مرافق الحياة، لم يترك خلالها العدو شجرا ولا حجرا ولا بشرا، ضاربا عرض الحائط بكل القوانين والتشريعات وبأخلاقيات الحروب وقوانينها وبدعم كامل من أمريكا والغرب، وتخاذل رسمي عربي، بل هناك أنظمة عربية متورطة ومشاركة بسفك الدم العربي الفلسطيني وبحصار القطاع، أنظمة ساهمت وناصرت العدو في عدوانه وتغاضت عن كل ما يجري من مجازر على يد الصهاينة والأمريكان والمنظومة الغربية، والمؤسف أن هناك عرباً يُحمِّلون المقاومة رغم بطولاتها الأسطورية، يحملونها مسؤولية العدوان ويطالبون منها الاستسلام حرصا على حياة النساء والأطفال وحفاظا على (رفاهية) بعض العرب الذين لا يرغبون في مشاهدة صور المجازر الصهيونية لأنها تعكر صفوهم وتعطل رفاهيتهم وتقلق سكينتهم وتحول دون رحلاتهم الترفيهية من مدنهم وعواصمهم إلى المدن الصهيونية، حيث يقضون عطلاتهم الأسبوعية والشهرية والسنوية، وقد تسببت المقاومة بمغامراتها بإقلاق عشاق السكينة والترفيه..؟!
أعتقد أننا نعيش في لحظة تاريخية تداخلت فيها – كما قال أحد الزملاء – حروف (العربية) وتقدم بعض الحروف وتأخير أخرى، بمعنى أننا نعيش في زمن ( العبرية) بدلا عن ( العربية)، إذ يبدو النظام العربي الرسمي بخطابه وسلوكه ومواقفه أقرب للهوية ( العبرية) والمنطق ( العبري) منه للعرب والعروبة، وإذا ما توقفنا أمام تحركات النظام العربي سنجد أنها تحركات مرسومة أمريكيا وفق مخطط يخدم الكيان الصهيوني ومشاريعه الاستعمارية التي ينفذها نيابة عن أمريكا وبريطانيا وفرنسا والمنظومة الاستعمارية الغربية.
يتجاهل العرب – أنظمة وشعوباً – حقيقة أن ما يجري في فلسطين وقطاع غزة يستهدفهم وجوديا وأن أبطال فلسطين لا يدافعون عن وطنهم فلسطين بل يدافعون عن شرف وكرامة وسيادة الأمة ووجودها، وهذا ما لم يستوعبه النظام العربي المرتهن لأمريكا والصهاينة، ومستقبل وجوده مرهون بالتبعية الكاملة لأمريكا والصهيونية، وبالتالي لا يكترث هذا النظام بما يجري في فلسطين من مذابح لأنه معزول فكريا وثقافيا وحضاريا عن قضية هذا الشعب، وقد يتفاعل هذا النظام مع أي شعب آخر أكثر بكثير من تفاعله مع الشعب العربي في فلسطين، وقد حدث هذا قريبا بتفاعل هذه الأنظمة مع أوكرانيا وهرولوا جميعا إلى ( كييف) حاملين المساعدات العينية والمادية وقدموا مليارات الدولارات لأوكرانيا لكنهم لم يفعلوا مثل ذلك مع فلسطين لأن أمريكا تمنعهم بل حضرت بأساطيلها ومدمراتها وغواصاتها لترهيب وتهديد حلفائها وأصدقائها ولتناصر المجرمين الصهاينة وتشارك في إبادة الشعب العربي في فلسطين، فيما العملاء العرب وخونة الأمة عاجزين بكل استعراضاتهم وما يملكون من عوامل القوة والضغط يقفون متفرجين مثلهم مثل بقية شعوبهم، رغم أن للشعوب – وخاصة الشعب العربي في مصر والأردن وسوريا والعراق والمغرب العربي وطبعا في اليمن – لهم مواقف متقدمة تتجاوز بكثير مواقف الأنظمة، غير أن ثمة شعباً محسوباً على العرب والمسلمين في منطقة الخليج يرى أن ما يجري في فلسطين لا يعنيه ويتماهى مع أنظمته في المواقف إلا ما رحم ربي..؟!
تعجز المفردات عن وصف ما يجري في فلسطين وغزة، وهذا الظلم والإجحاف والغطرسة الكونية التي تمارس ضد هذا الشعب بطريقة تظهر العالم وكأنه تجرد من آخر أوراق التوت التي كانت تستر عورته، عالم يتماهي بانحطاطه مع الانحطاط الصهيوني الأمريكي وقد لا يلام هذا العالم إذا ما ربطنا انحطاطه بموقف الانحطاط الرسمي العربي، لأن العالم ينظر للحالة العربية ولفلسطين من ذات الزاوية التي ينظر بها النظام العربي الرسمي لفلسطين..؟!
وطالما النظام العربي ذاته تخلى عن فلسطين فمن أين لنا إقناع العالم بالتضامن الفعال مع هذا الشعب..؟
أتذكر أن في زمن الوعي القومي لم تجرؤ أي دولة لا في آسيا ولا في أفريقيا ولا حتى في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية أن ترتبط بعلاقة دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، إلا بعد إبرام مصر السادات لاتفاقية كمب ديفيد، بعدها هرولت كل دول العالم بضغط أمريكي للاعتراف بالكيان وإقامة علاقة دبلوماسية واقتصادية وعسكرية وأمنية، وكل هذا بفضل خيانة النظام العربي الرسمي، وما يجري اليوم في فلسطين يجري بموافقة مصر والأردن والسعودية وهذه الدول الثلاث للأسف شريكة أساسية ومحورية فيما يجري في فلسطين وكل له حساباته في التواطؤ، فمصر تريد تصفية حماس لأنها إخوانية وقيل أنها ابتهجت بسلطة الإخوان حين حكموا مصر؟.. والأردن هي بالأساس وكر للمخابرات الأمريكية وقاعدة أمريكية _بريطانية منذ نشأتها، فيما السعودية لا تختلف عنها إضافة لرغبتها بهزيمة حماس نكاية بإيران التي تدعم المقاومة، والجميع في كنف أمريكا ويعملون في سبيل تمكين أمريكا والصهاينة للسيطرة على المنطقة في سياق الحرب الجيوسياسية القائمة بين أمريكا والروس والصين، خاصة بعد إدراك أمريكا فشلها في نطاقات جيوسياسية أخرى من أفغانستان إلى أوكرانيا إلى بحر الصين.