فلسطين كرامة الأمة المستباحة..!

طه العامري

 

 

بيد أن هرولة (بلينكن) وزير خارجية أمريكا للمنطقة برفقة وزير الدفاع الأمريكي، وهرولة عدد من المسؤولين الأوروبيين للكيان، بعد الصدمة التي أرعبتهم وهم يشاهدون حراسهم المتقدمين وحماة مصالحهم وهم مذعورون يتخبطون كالفئران، بل أن يشاهد العالم قائد دبابة (الميركافا) وهو يبكي وأحد أبطال المقاومة يسحبه من داخل برج الدبابة، صورة تكفي ليعرف العالم حقيقة أن أسطورة الجيش الذي لا يقهر مجرد كذبة، والحقيقة أن هدا الجيش هو أجبن جيش وأنذل جيش وأحقر جيش عرفته البشرية، فالجيش الذي يقتل النساء والأطفال والمدنيين العزل ويحاصرهم، والجيش الذي يطالب بإغلاق المستشفيات والمراكز الصحية، والجيش الذي يقطع الكهرباء والمياه والغذاء والدواء عن ملايين من البشر وإن كانوا أعداءه، جيش كهذا جريمة أن ينسب للجيوش، بل هو مجموعة من القتلة والمرتزقة ومحترفي الإجرام بدليل ردة فعله على الأرض وهي ردة فعل لا تأتي من جيش كلاسيكي محترف، بل من عصابة إجرامية، مع أن المقاومة تصرفت بمسؤولية عالية مع سكان المستوطنات بعكس ما قاله الرئيس الأمريكي وما سرد من أكاذيب تدل على أن الرعب الذي عاشته عصابة الاحتلال بلغ البيت الأبيض وأصاب الرجل الأول فيه الذي تحدث عن ذبح أطفال وتقطيع رؤوس وكان حديثه بمثابة إيحاء لعصابته في جيش الاحتلال بهدم قطاع غزة على رؤوس ساكنيه طالما عجز هذا الجيش في الوصول للمقاومة..!
هنا يجب إعادة النظر في آلية الصراع والمواجهة مع العدو، وهنا يجب أن نقف مليا أمام تداعيات معركة (طوفان الأقصى) والتعامل مع مخرجاتها ومساراتها وفق قواعد جديدة مستوحاة من السلوك الأمريكي -الغربي وردة الفعل الصهيونية، بعد أن بدا واضحا أن الكيان بدون أمريكا والغرب زائل..!
بمعنى أن عدو فلسطين والأمة ليس الكيان بل أمريكا والغرب، ويجب مواجهة أمريكا والغرب وضرب مصالحهم في المنطقة، وهذا هو الطريق الصحيح إذا اردنا تحرير فلسطين وتحرير الأمة من هيمنة أمريكا واستعمارها، إن الأمة تعيش اليوم تحت رحمة الاستعمار الأمريكي الأكثر قبحا وبشاعة، إنه استعمار غير مسبوق وغير معهود خاصة وهو يأتي في لحظة تاريخية نتوهم أو يتوهم بعض أبناء الأمة أنهم يعيشون في كنف الحرية والاستقلال والتنمية وأنهم مستقلون وبرعاية أنظمة يتربع عليها أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، وأن أنظمة الخليج وشيوخها يعيشون في حالة تنمية وتطور واستقرار وأنهم أصبحوا يحتلون مكانة دولية مرموقة، ونرى تنافس حكام وأنظمة الخليج على خوض معترك التنافس الجيوسياسي داخل الجغرافية العربية، زاعمين أنهم شركاء موثوقون لدى المحاور الدولية، والحقيقة أن كل هذه الأنظمة ليست أكثر من مجرد (سماسرة) توظفهم أمريكا وبعض المحاور الغربية لتأدية أدوار بذاتها، أدوار تدمر كل إمكانيات الأمة وقدراتها ومقوماتها وحقوقها، وإلا ماذا يعني أن توافق هذه الأنظمة على القيام بدورها في إطلاق أسرى الصهاينة لدى المقاومة ولم يسبق لها أن تحدثت عن آلاف الأسري في سجون الاحتلال بمن فيهم النساء والأطفال..؟!
أعرف أن هذه الأنظمة أعجز وأجبن من أن تسجل موقفاً عروبياً تجاه ما يحدث من مجازر في فلسطين وبحق شعبها، حتى من باب التهديد وحسب، وأعرف أن هناك أنظمة عربية وإسلامية للأسف تمارس منذ انطلاق معركة (طوفان الأقصى) ضغوطات على السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى فصائل المقاومة، وهي ضغوطات كبيرة وقاسية لصالح الكيان الصهيوني نزولا عند رغبة واشنطن ولندن وباريس، ولكن بالمقابل فإن معركة طوفان الأقصى قد تكون هي المعركة الفاصلة في مسار النضال العربي الفلسطيني، لأن هناك محاور أخرى على هذا الكون بدأت في إطلاق مفردات الرفض لكل ما يجري وبدأت في التوجه الجاد نحو إنهاء معاناة شعب منذ 75 عاما، احتكرت مفاتيحها واشنطن التي نصبت نفسها خصما وحكما وجلادا وهذا سلوك مرفوض وغير مقبول، وبالتالي لم يعد ممكنا الصمت عما يجري وبرعاية دولة كانت الوسيط وكانت الخصم والحكم والجلاد والراعي الرسمي لكل الجرائم التي لن تقف تبعاتها في نطاق الجغرافية الفلسطينية، بل سوف تمتد قهرا وقسرا لداخل جغرافية أولئك الذين يتوهمون أن أمنهم القومي خط أحمر..!
إن الجغرافية القومية ستكون في دائرة الاستباحة المطلقة إذا لم يقف العالم موقفاً عادلاً بخصوص قضية فلسطين العادلة، وأن تسحب وصاية أمريكا وبريطانيا عن المنطقة، وأن يدرك الجميع من حكام الأمة الخونة منهم والعملاء والمرتهنون والشرفاء المخلصون أن هناك في هذا العالم محاور فاعلة لن تبقي مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية أسيرة لرغبات عواصم الاستعمار القديم والحديث مثل بريطانيا وأمريكا وفرنسا، نعم إذا كانت بعض أنظمة الحكم العربية تخشى على ما أنجزته من أبراج زجاجية أو شقق مفروشة فارهة، أو تخشى على فقدان ازدهارها المزيف الذي توصلت إليه بعد أن حولت مدنها إلى ملاه ليلية، فإن هناك محاور دولية فاعلة لن ترضى بإبقاء العربدة الأمريكية الصهيونية البريطانية وحتى الفرنسية، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فليكن الجميع على علم أن هذه المعركة لها ما بعدها فلسطينيا وعربيا وربما إسلاميا ودوليا، وقد تأتي مرحلة قادمة تنتج جيوباً راديكالية متعددة تستهدف مصالح الدول الراعية لهذا الكيان والتي تمده بكل ممكنات القوة خاصة في مرحلة تاريخية أصبح فيها من السهل على أي مجموعة امتلاك عوامل القوة، بدءا من أسلحة فتاكة، وصولا للطائرات المسيَّرة التي يمكن توظيفها لضرب كل هدف في ضربه إرباك وإقلاق لحركة الاقتصاد العالمي، وإن كانت مجموعة من المقاومين قد مرغت كرامة الصهاينة والأمريكان معا، فإن تشكيل جيوب مقاومة على امتداد الجغرافية العربية فعل قابل للتحقق على ضوء نتائج معركة طوفان الأقصى، على أن تكون هذه الجيوب المقاومة في مواجهة مصالح أمريكا والغرب، وضد كل عملائهم في المنطقة أنظمة كانت أو جماعات أو أفراداً وأحزاباً..!

قد يعجبك ايضا