تقرير/ عبدالرحمن عبدالله
مر اليوم العاشر على الحرب الصهيونية الوحشية على قطاع غزة ، المشاهد والصور أظهرت فظائع وأهوالاً لا سابق لها ، الكيان الصهيوني يرتكب إبادة شاملة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، الصور التي تخرج من غزة، تذكرنا بالنكبة الأولى والثانية ، بل بأفظع منهما.
الإبادة بمعناها الحرفي التي تعني القتل والدمار، هو ما يفعله الكيان الصهيوني اليهودي في غزة وأبنائهم منذ عشرة أيام، فقد هدمت القطاع حيا بعد حي ، دفنت البشر بالأنقاض ، مزقت الأطفال الرُّضُّع بالصواريخ والقنابل ، قصفت المستشفيات والنازحين والمسعفين وكل حي كان عرضة للقصف.
قيل بأن الذخائر التي سقطت على رؤوس أبناء غزة تزيد على حجم قنبلة نووية ، لقد كان كل أبناء غزة أهدافاً عسكرية وقد أعلن قادة العدو الصهيوني ذلك، كما قال نفتالي بينت بأنهم أهداف ويجب ضربهم ، وقال وزير دفاع العدو بأنهم حيوانات بشرية ، مريدا من ذلك نفي صفة الإنسانية عن الفلسطينيين لتبرير قتلهم وإبادتهم.
حقائق وشواهد كبرى
الحرب الوحشية الصهيونية على قطاع غزة ، التي دخلت أمس يومها العاشر مع مواصلة العدو الصهيوني القصف الهستيري المكثف على المدنيين ، والحصار الغاشم على القطاع ، بقدر وحشيتها وبشاعتها وترويعها ، بقدر ما كشفت عن حقائق كبرى قد تكون غائبة عن معظم العرب والمسلمين ، وحشدت شواهد كبرى تعيد تشكيل الوعي الجمعي للأمة وللعالم حول هذه الحقائق.
قدمت الحرب الوحشية على غزة هذه المرة صورة متكاملة للتطبيق الحرفي للنظرة اليهودية تجاه الفلسطينيين والعرب جميعاً ، وعدائهم الشديد لكل مسلم بوضوح.
ومع بداية الحرب الوحشية يوم السبت قبل الماضي ، ظهر وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت ، مع مجموعة ضباط صهاينة وهو يقول «لقد أمرت بفرض حصار كامل على قطاع غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا ماء ولا وقود ، نحن نحارب حيوانات بشرية ، وسنتصرف وفقا لذلك» ، وما تحدث به الوزير اليهودي لم يكن مجرد إعلان قرار عسكري لشن حرب الإبادة على قطاع غزة وقتل كل من فيها ، بل كان يقدم بسفور شديد العقيدة اليهودية المتأصلة لدى اليهود تجاه الفلسطينيين والعرب والمسلمين جميعاً ، فالصهاينة يعتبرون كل فلسطيني وعربي ومسلم مستباح الدم يجب إبادته ، وهو ما عبر عنه اليهودي غالانت.
حرب كاشفة لعقيدة إجرامية متأصلة
لم يتوقف الأمر عند تصريحات غالانت ، ومع تصاعد وتيرة حرب الإبادة على غزة ، ظل الصهاينة في تسابق محموم للظهور بالتصريحات التي تعكس العقيدة الاستئصالية نفسها تجاه الشعب الفلسطيني ، المذابح التي حصدت حتى اليوم أكثر من 3000 شهيد فلسطيني كانت ترجمة حرفية لعقيدة الاسئصال التي يعتنقها اليهود ، واستدعاء لتاريخ الصهاينة الإجرامي الحافل بالمذابح والترويع والإرهاب المدجج بالأساطير التلمودية المحرفة.
لم يكن الفلسطينيون بشراً من وجهة نظر الصهيونية ومؤطريها منذ نكبة 1948 إلى اليوم، لكن هذا الأمر لم يكن من المصرح به إلا في إطار محدود ، في نطاق عدد من المتطرفين وأتباعهم ، غير أنها في هذه الحرب الوحشية ظهرت إسرائيل اليهودية كلها تتحدث لغة واحدة هي لغة السحق والمحق لكل غزة الذين أسماهم وزير الدفاع الصهيوني حيوانات بشرية.
على الرغم من أن الحيوانات تحظى من قبل الغرب برعاية واهتمام ، إذ ينفق على الكلاب الضالة ملايين الدولارات ، ويتبنى قوانين حماية الكلاب والقطط ويسن لها قوانين وقواعد لحمايتها ، غير أن الغرب بكل من فيه وما فيه احتشد مع الكيان الصهيوني ضد من وصفهم اليهودي غالانت بالوحوش في غزة ، ولم يكونوا لدى الغرب الذي يفاخر بحضارته لا وحوشاً ولا بشراً ، ولهذا كان الغرب محتشداً برمته مع حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة.
إعلان وزير الدفاع الصهيوني في اليوم الأول ، كرره بعد يومين مفتخرا بأن جيشه فرض حصارا شاملا على غزة تضمّن قطع الماء والكهرباء ومنع الإمداد بالوقود والطعام، معلنا العزم على إبادة سكان القطاع لأنهم «حيوانات على شكل بشر» مكررا العبارة ذاتها ، وبالرغم أن لا جديد في العدوان الصهيوني الحالي على غزة ، سوى الإمعان المكشوف في الإبادة وحجم الانتقام المروع الذي سلكه العدو الصهيوني ، فالكيان الصهيوني يمارس الإبادات والترويع والإرهاب بحق الشعب الفلسطيني منذ 75 عاما.
ورغم الإسناد الغربي للحرب الصهيونية التي عرفها قادة العصابات اليهودية بأنها حرب على حيوانات ، إلا أن تصريحات تلك العصابات بالرفض والتنديد ، حيث اعتبرت منظمة العفو الدولية هيومن رايتس ووتش تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي أمرا مقززا ودعوة صريحة لارتكاب مجازر حرب، داعية منظمة الصحة العالمية إلى فتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين.
عشرة أيام مضت منذ الحرب البشعة ، حتى الآن أزاحت وشطبت أحياء كاملة في غزة من الخريطة، وتركتها يبابا بعد أن كانت عامرة بأبراج وعمارات ومساجد وأسواق ومستشفيات ومناطق سكنية ، ذلك هو التطبيق الحرفي للعقيدة اليهودية التي عبر عنها وزير الدفاع اليهودي.
حرب إبادة مدججة بالأساطير اليهودية
على خلاف كل الحروب الصهيونية ، كانت هذه الحرب كاشفة بوضوح لحقيقة العقيدة اليهودية تجاه العرب والفلسطينيين ، وبقدر ما أظهرت الحرب الوحشية على غزة الإجرام الصهيوني على حقيقته وكشفت العداء اليهودي الموغل للشعب الفلسطيني ، فقد أظهرت أيضا قاموسا يهوديا وثريا من العبارات الوحشية التي يختزنها العقل اليهودي ، وظهر الصهاينة بما لديهم من ظهير فكري عميق في الوحشية اللغوية الدموية الاستئصالية.
وفي ما يشبه التنافس كان قادة العصابات اليهودية وزعمائها السياسيين والحاخامات يتسابقون كل يوم في إظهار ما لديهم من مخزون العبارات الوحشية ، حتى كرروا إطلاق وصف «الحيوانات» على الشعب الفلسطيني وباتت جزءا أساسيا من الخطاب السياسي للحرب الوحشية ، وخلال الأيام الماضية دعا رئيس حزب شاس المتطرف إيلي يشاي إلى حرب شاملة على قطاع غزة، قائلا «يمكن تدمير غزة كي يفهموا أنه لا يجب إغاضتنا ، يجب تسويتهم بالأرض، ولتهدم آلاف المنازل، الأنفاق والصناعات» ، وفي سباق التحريض تدعو النائبة عن الليكود ريفيتال «تالي» جوتليف قوات الجيش لتستخدم كل ما في جعبتها «حان الوقت لصاروخ يوم القيامة، إطلاق صواريخ قوية بلا حدود، لا تسوّي حيا واحدا بالأرض، بل تسحق غزة كلها وتسويها بالأرض بلا رحمة، بلا رحمة”.
وبالنسبة لسكان غزة وفلسطين فإن الرحمة كانت دائما خارج قاموس العدوان الإسرائيلي، مما يعني أن تكرار ذكرها في تغريدة النائبة جوتليف لم يكن أكثر من كلمة خارج السياق.
ولأن التنويع في أساليب القتل والاغتيال بات يشكل حالة تنافس بين المسؤولين الإسرائيليين فقد حرص وزير الصحة موشيه أربيل على أن يدلي بدلوه، حيث وجه بمنع علاج جرحى الفصائل الفلسطينية في المستشفيات ، امر نفذ حرفيا بقيام الطائرات الصهيونية بقصف المستشفيات في قطاع غزة بشكل متكرر.
وصف وزير الدفاع الصهيوني للفلسطينيين بحيوانات بشرية ، ليس جديدا إلا في التطبيق الحرفي والفعلي المتكامل للعبارة بالمذابح والترويع والإرهاب الوحشي في غزة ، ففي العام 2015 وفي كلمة له خلال مؤتمر دولي بالقدس الغربية قال بنيامين نتنياهو -وفقا لما تناقلته وسائل إعلام- «توجد حيوانات متوحشة من المسلمين في مدننا، وعندما تفهم القوى الحضارية خطورة المشكلة لن يتبقى أمامها إلا التوحد بشكل واضح وهزم هذه الحيوانات”.
بهذا الوضوح الشديد قدم الصهاينة من وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت إلى بقية العصابات ، حقيقة العقيدة اليهودية في التعامل الأمثل مع الفلسطينيين ‘ حصار وإبادة وذلك ليس رأيا أو قرارا فحسب ، بل هو تعبير عن الرؤية اليهودية تجاه الفلسطينيين بل تجاه العرب جميعا.
اقتلوا أطفالهم ونساءهم ودمروا مساجدهم ومقدساتهم
اليهود ينظرون إلى أن قتل الفلسطينيين والعرب والمسلمين جميعا واجب ديني وعقيدة تلمودية يطبقونها فعلا بما يفعلونه في غزة. واليهودي المذكور يكشف لنا بكل وضوح عن الرؤية اليهودية من فلسطين وشعبها والمسلمين والعرب ، ويكشف الأساس النظري لكل أعمال الإبادة والإرهاب التي مارستها الصهيونية منذ وجودها بفلسطين المحتلة في فلسطين وخارجها في صبرا وشاتيلا وفي قانا وغيرها.
جذور هذا الخطاب الإبادي والنزعة الإجرامية التي يحملها الصهاينة ويطبقون بها أعمال القتل والإبادة والتهجير والتطهير العِرقي هي عقيدة دينية متأصلة جذورها عميقة ومتسلسلة منذ أن كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق ، وهذه النظرة هي نظرة اليهود جميعا ليس تجاه الفلسطينيين فحسب بل وتجاه العرب جميعا وكل المسلمين.
قتلة الأنبياء بغير حق سيقتلون كل فلسطيني وعربي ومسلم فنحن في عقيدتهم مباحي الدم وهذه العقيدة متأصلة لديهم يتربى عليها صغارهم ويموت عليها كبارهم.
في وقت سابق نشرت مجلة «مومِنت» (Moment) اليهودية الأميركية حوارا مع الحاخام الصهيوني «مانيس فريدمان» حول تعامل اليهود مع العرب، وقد أتت إجابة «فريدمان» صريحة: «إنني لا أؤمن بالأخلاقيات التي تقول عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألا تُدمِّر الأماكن المقدسة، وألا تقاتل في المناسبات الدينية، وألا تقصف المقابر، وألا تُطلق النار .. إن الطريقة الوحيدة هي: دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم”.
وقد علَّل «فريدمان» ذلك بأنه الرادع الوحيد والحقيقي للقضاء على الفلسطينيين والعرب وأن تلك هي قيم التوارة التي ستجعل اليهود “النور الذي يشع للأمم”.
بمعنى أن الإبادة في مفهومهم للعرب والمسلمين وقبل ذلك الفلسطينيين هي الذي يوصل النور للعالم ‘ وهذا المعنى المحرف للنور أساسه هو التحريف الذي مارسوه لرسالة الأنبياء والانحراف البغيض الذي أحدثوه في البشرية.
وذلك التحريف كشفه القران الكريم في قول الله تعالى ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ﴾ (المائدة: 13).
وقال تعالى «يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون”
اليوم لا تقتصر العقيدة الاستئصالية المسنودة بالأساطير التلمودية التي يعتبرونها دينية على القرارات السياسية والعسكرية فحسب، بل هي ممتدة منذ قتلوا الأنبياء بغير حق ‘ وطبقت عبر عقود احتلالهم لفلسطين وهي أساس في صلب التعليم والتربية لديهم.
وباستطلاع بسيط في مدارسهم ستجد كل أطفالهم يرون أن على جيشهم أن يبيد العرب والمسلمين ويمحوهم عن بكرة أبيهم.
ما يحدث في غزة من إبادة بقصف المنازل على رؤوس الأطفال والنساء وقصف المستشفيات للاجهاز على الجرحى وقصف النازحين والناجين وحتى قصف الدفاع المدني الذي يقوم برفع الانقاض بحثا عن الناجين والشهداء والجرحى هدفه أن يموت الجميع ومن لم يمت بالقصف يمت تحت الأنقاض…قصف الابادة يتوازى مع محاصرة غزة بشكل شامل بمنع الطعام والماء وهو التطبيق الحرفي ليس لأوامر وزير دفاع الصهاينة ضد غزة فحسب بل تطبيق حرفي للعقيدة اليهودية التلمودية تجاه العرب والمسلمين جميعا.
الاستباحة لكل شيء
عشرة أيام مرت على غزة ، ولا شيء غير محترق من الأرض والحجارة وحتى الصغار المصنفين في القاموس اليهودي القديم الجديد ضمن «الحيوانات البشرية ، ولأن هذه السردية الجديدة محتاجة إلى دعم إعلامي فقد اختلقت الآلة الإعلامية الصهيونية شائعة قطع حماس رؤوس الأطفال التي تحدث عنها الرئيس الأميركي جو بايدن، قبل أن تكذبه شواهد الواقع وحجم ما تدفق من مقاطع تثبت التعامل الإنساني مع النساء والأطفال، بل والإفراج عن بعضهن ومنحهن الطريق الآمن للعودة إلى بيوتهن.
الحرب الحالية على قطاع غزة هي حرب إبادة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، انتهكت كل شيء وعبرت عن استباحة كل شيء ، وبقدر ما كان على الغرب والمجتمع الدولي موقف إنساني ، ذهب الغرب ليقيم حفلات تأييد لحرب الإبادة تلك.
وفيما كانت الأحياء والمنازل والبنى تتناثر ركاما على رؤوس الأطفال والنساء والكبار والصغار ، وكانت أشلاء الرضع تتمزق في غزة ، وكانت رائحة الموت تنتشر إلى الآفاق كان الغرب وأمريكا يؤزرون الصهاينة في مذابحهم بتحطيم القانون الدولي ورفسه.
ينص القانون الدولي -الذي يؤطر عمل الأمم المتحدة- على حق المدنيين في الحماية في الحروب ومنع استهدافهم، كما يحظر أيضا القيام بكل ما من شأنه تجويع المدنيين أو احتجازهم، ولكن الصهاينة أعلنوا ذلك مسبقا وذهبوا ليرتكبوا الإبادة الجماعية المتلفزة أمام مرأى الجميع ، والغرب يصفق ، ولأن القانون الدولي نظري جدا وبعيد عن الواقع في فلسطين فإن كل محظورات القانون الدولي باتت منتهكة في غزة وبشكل مضاعف منذ السابع من أكتوبر تشرين.
لولا أمريكا لما كانت إسرائيل
يوم الثلاثاء العاشر من أكتوبر منح بايدن يمنح نتنياهو الضوء الأخضر لارتكاب المذبحة أو بالأحرى توسيع نطاقها ، واعتبر بايدن في خطابه الذي ألقاه الثلاثاء 10 تشرين الأول/أكتوبر أن للكيان الصهيوني الحق بالدفاع عن نفسها، وأن بلاده ستعمل على على التأكد «من أنها قادرة على ذلك». بايدن وصف ما قامت به المقاومة «بالإرهاب»، وتطرق إلى إرسال واشنطن حاملة طائرات إلى إسرائيل “لتعزيز وضع قواتنا وتقوية ردعنا”.
ذهب بايدن في خطابه ذاك إلى شيطنة المقاومة ، واصفا طوفان الأقصى بالشرق المطلق ، وقال إنه جلب ذكريات مؤلمة وندوبا نتجت عن معاداة السامية والمذابح التي تعرض لها الشعب اليهودي» حد وصفه ، .وأكد بأن أمريكا ستمد الصهاينة بكل ما تحتاج وقال نحن نقف مع إسرائيل ويجب أن ترد على الهجوم ، خطاب بايدن جاء في لحظة كانت آلة الحرب الصهيونية تحصد الأرواح من الأطفال والنساء في غزة ، ولم يذكرها بايدن ولم يشر إليها بل بررها ودعمها وحشد لها.
كان خطاب بايدن بمثابة الضوء الأخضر لنتنياهو لتنفيذ حرب الإبادة ضد غزة، خاصة ، ولم يتطرق لتصريحات مسؤولين إسرائيليين، بينهم وزير الدفاع الذي قال إن جيشه يقاتل «حيوانات بشرية» ، ولم يأت بايدن على ذكر الحرب الصهيونية غير المسبوقة على قطاع غزة، والتي أدت حتى اللحظة إلى أكثر من 3 ألاف شهيد ، وحينها كان الرقم يزيد عن 1000 شهيد ، وأكد بايدن في خطابه أن الولايات المتحدة مستعدة لإرسال تعزيزات عسكرية إلى الشرق الأوسط، وأورد أن «الولايات المتحدة عزّزت أيضًا وضع قواتنا في المنطقة لتقوية ردعنا»، في إشارة إلى حاملة الطائرات «جيرالد فورد» والمجموعة البحرية العسكرية التي ترافقها والتي وصلت سواحل شرق المتوسط مساء أمس.
وقال الرئيس الأمريكي «قلت لنتنياهو إن الرد الإسرائيلي يجب أن يكون حاسما»، مكررا «سنظل متحدين في دعمنا للإسرائيليين الذين فقدوا أحباءهم» ، بل وذهب للادعاء بمشاهدته صورا لأطفال قطعت رؤوسهم ، ليعتذر البيت الأبيض لاحقا ويقول بأن بايدن لم يشاهد صورا ، لكنه سمع من نتنياهو ، أمر كشف الاحتشاد الأمريكي برمته ، وفضح العلاقة بين أمريكا والصهيونية.
كان بايدن يوجه نتنياهو في حقيقة الأمر ، وفي المقابل يغطي على المذابح التي يرتكبها ويحاول التغطية على إجرام وإرهاب الكيان الصهيوني الذي أوغل في دماء أبناء غزة ، وقد ردت حركة المقاومة حماس عليه بالقول «»لقد حَمَل خطاب الرئيس بايدن مغالطات سياسية وقانونية بانحيازه الفاضح لأبشع احتلال إحلالي عنصري بغيض عرفته منطقة الشرق الأوسط، وبمنحه الغطاء الكامل لمواصلة مجازره بحق الأطفال والنساء والشيوخ العزّل، وبفرضه أبشع أشكال العقاب الجماعي على أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، في انتهاك صريح لكل الأعراف والمواثيق الدولية التي زعم التمسّك بها”.
ودعت حماس “الإدارة الأميركية إلى مراجعة موقفها المنحاز، والابتعاد عن سياسة الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الصهيوني، ونؤكّد حق شعبنا الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وأرضه ومقدساته الإسلامية والمسيحية وفي القلب منها المسجد الأقصى حتى تحقيق تطلعاته المشروعة في التحرير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس”.
الدعم الأمريكي لحرب الإبادة الصهيونية كان شاهدا على الحقيقة الكاملة ، لولا أمريكا لما كانت إسرائيل ، وقد قالها بايدن في خطاب أخير ، وبالحرف الواحد قال «لو لم تكن إسرائيل موجودة ، لعملنا على إيجادها» ، وهذه حقيقة أثبتتها الحرب الأخيرة وأجلتها بكل وضوح.
يد الغرب الملطخة بالدم
منذ اللحظة الأولى احتشد الموقف الغربي الداعم للصهاينة ، صحيح أن الدعم الغربى للكيان الصهيوني لم يكن مفاجئاً، لكنه كان الأفضح للموقف الغربي على الإطلاق.
العدو الصهيوني ضرب كل مظاهر القانون الدولي وبإعلان مسبق في هذه الحرب ، ورغم الوضوح في هذه الحرب إلا أن الدعم الغربي للكيان الصهيوني كان أكثر من حروب الإبادة التي شنها العدو الصهيوني فيما مضى.
الوحشية الصهيونية في الحرب على غزة ، بقدر ما كشفت الإجرام اليهودي ، فإنها أظهرت وقاحة هذا الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، هذا الغرب الذي يدعي حماية حقوق الإنسان ويشهرها كعناوين إنسانية ، صفق لأكبر إبادة ارتكبها العدو الصهيوني الذي أعلن مسبقا عن ارتكابها.
كل جرائم الحرب والإبادة الموصوفة وفق القانون الدولي، مارسها العدو الصهيوني ، وقادته أعلنوا بأنهم ينوون الإبادة والقتل ، وأمروا بفرض حصار كامل ومطبق على قطاع غزة وبالقطع الفوري للماء والكهرباء والطعام والوقود وبمنع دخول المساعدات الإنسانية والطبية وقصف المستشفيات ومقرات وكالة الأمم المتحدة بغزة “الأنوروا”، واعتبروا المدنيين الفلسطينيين “حيوانات بشرية” كما جاء على لسان وزير الحرب الصهيوني المجرم، وهو ما تم بثه بالصوت والصورة أمام العالم أجمع ، ومع ذلك كان الغرب يصفق.
يقول جوناثان كوك بمقال بموقع «ميدل إيست آي» إن اليد الملوثة بالدماء في الذبح الحالي للفلسطينيين ، هي الغرب. ، وأضاف «العواصم الغربية تعرف درجة استفزاز الفلسطينيين في غزة، لأن هذه الحكومات متواطئة ولعقود لدعم إسرائيل وتطهيرها العرقي للفلسطينيين من أرضهم وسجن ما تبقى منهم في غيتوهات حول بلدهم.
وأضاف أيضا: لم يتزحزح الدعم الغربي لإسرائيل خلال السنوات الست عشر بعدما حولت غزة لأكبر سجن مفتوح في العالم وغرفة تعذيب تم تجريب كل الأدوات فيها على الفلسطينيين ، فكل ما كانوا يحصلون عليه هو بالقطارة، طعامهم والكهرباء، وتم حرمانهم من المياه الصالحة للشرب ومنعت مستشفياتهم من الحصول على الأدوية والمعدات الطبية. ولم يكن جهلا في الأوضاع، فقد كانت تعرف الحكومات الغربية بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل، ومن خلال البرقيات السرية التي ترسلها السفارات التابعة لها إلى جانب التقارير التي لا تحصى من منظمات حقوق الإنسان.
وقال: ورغم ذلك لم يفعل الغرب شيئا ، بل وأسوأ من كل هذا لقد كافأوا إسرائيل بالدعم العسكري والمالي والدبلوماسي. والغرب في الحرب الوحشية على غزة ، وذلك ليس أقل مسؤولية عن الإجراءات البربرية التي اتخذها غالانت والذي نزع صفة الإنسانية عن الفلسطينيين المحاصرين، فنزع الإنسنة هو مقدمة لرعب وقتل أكبر، وهو ما علمنا إياه التاريخ مرة بعد الأخرى.
وقد أعلن بايدن داعما «الحرب الطويلة» وأرسل حاملة الطائرات التي وصلت إلى مياه البحر المتوسط والصواريخ والقنابل التي أرسلت لقتل المدنيين الفلسطينيين من الجو والذخائر التي سيستخدمها الجنود في الهجوم هي جزء من المشاركة في حمام الموت ، إضافة للدعم المالي الذي تبخل فيه على المواطنين الأمريكيين عندما يحتاجونه. وهي مساعدات إضافية فوق 4 مليارات دولار سنوية ، ولأن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، لا يريد أن يكون خارج المنافسة، فقد أعلن عن دعم إسرائيل عسكريا وأمنيا، والمساعدة في قصف سكان غزة المحاصرين.
كل هذا يعطينا صورة واضحة أن هذه اللحظة من الكارثة لم نكن لنصل إليها أبدا بدون الدعم الغربي، ورعايته لإسرائيل وتقديم الدعم الدبلوماسي لوحشيتها ضد الشعب الفلسطيني عقدا بعد عقد.
وبدون الدعم هذا وتواطؤ الإعلام الغربي الذي قدم سرقة المستوطنين للأرض الفلسطينية ووحشية الجيش على أنها «أزمة إنسانية» فإن الكيان الصهيوني لم يكن ليفلت من جرائمه ،وكان على الفلسطينيين أن يعانوا بصمت، ولو تحركوا لتغيير واقعهم فالتهمة جاهزة لهم وأنهم هم الذين يصعدون، فالحالة الطبيعية لهم هي قبول وضعهم والرضى بما يجود به المحتل من فتات عليهم: تصاريح عمل، فتح معبر أو معبرين، تسهيل الحركة على المعابر الحدودية وفتحها لساعات أطول، السماح لعدد أكبر من الفلسطينيين الصلاة في الأقصى وقت الجمعة ورمضان، أما عندما يضجون فإنهم يضربون بأعقاب البنادق ويقتلون وتجتاح مخيماتهم وسط تواطؤ دائم من الغرب الذي تظاهر بأنه يتألم لما يجري للفلسطينيين، وتحدث من جانب فمه عن ضرورة المناسبة وحماية المدنيين ورقص وصفق من الجانب الآخر للكيانالصهيوني والعلاقات التي لا تنكسر وحقها الذي لا لبس فيه بالدفاع عن نفسها.
أما الفلسطينيون فلا خيار لهم، وبكلام غالنت «حيوانات بشرية» والحيوانات لا خيار لها، وعليهم أن يلعقوا شفاههم ويقبلوا بمصيرهم. وبهذه المثابة، فهم ليسوا شعبا يواجه الاحتلال كما يحق لهم حسب القانون الدولي، وهو حق احتفل به العالم من أجل أوكرانيا، وبالمناسبة، فرئيس هذا البلد الذي احتفل به العالم كزعيم بلد مقاوم للغزو الروسي، دعم الاحتلال الإسرائيلي وعرض زيارة إسرائيل للتضامن معها ضد غزة.
وفي الوقت الذي تواجه فيه غزة خطر المحو فإن المسؤولين الحقيقيين عن محنتهم، الملطخة أيديهم بدم فلسطين هم حلفاء الصهاينة ، في أمريكا وأوروبا. والتاريخ لن يرحم من لام الضحية أمام القاتل. وبالتأكيد يريد لن تكون غزة كما كانت ولكن.
حرب الإبادة التي تشن على غزة في الأثناء ووصل عدد شهدائها إلى حوالي 3000 شهيد ، لم تكن إلا انفجارا للحقائق التي ظلت مخبئة تحت لبوس الدبلوماسية الغربية وأقنعتها الزائفة ، وكانت حربا يهودية تلمودية مدججة بعقيدة الخبث والمكر والفساد اليهودية ، وبإجرام صهيوني متعربد ، ودعم وتأييد أمريكي وغربي.