القضية الفلسطينية قضية عربية محورية لا يمكن التفريط فيها، هذا من حيث المبدأ وتفسير وتحليل ما يجري من الضرورة بالمكان الذي يجعلنا ندرك ما يُحاك حولنا من مؤامرات، فالقضية بكل تجلياتها تبدو لي اليوم مختلفة عن أي وقت مضى من العمليات العسكرية المقاومة للكيان الصهيوني والتي تهدف إلى التأكيد على الأحقية في الأرض، وفي تأكيد الهوية العربية والإسلامية على فلسطين ومقدساتها , فالمؤشرات التي تخرج من أروقة الاحتلال على لسان الكثير من المسؤولين والكتاب والمحللين السياسيين تقول إن الحرب ليست بين حماس واسرائيل ولكنها حرب دولية بتحالف سني وأمريكي ضد ايران وروسيا والشيعة – هكذا ورد على لسان أحد قادة إسرائيل في قناة الحرة – ولعل الرموز الأكثر وضوحا تبدو من خلال حركة الأرض وتفاعل البيت الأبيض واستنفاره لكل مقدراته العسكرية والتحرك إلى البحر المتوسط بالقرب من بؤرة الصراع وهو متواجد مسبقا لكنه أرسل تعزيزات عسكرية حيث تحركت أكبر حاملات الطائرات إلى المنطقة وشكلت جسراً جوياً لنقل السلاح الذي تريده إسرائيل وشكل البيت الأبيض غرفة عمليات مباشرة تدير الحرب إعلامياً وسياسياً وعسكرياً , وثمة ظهور مكثف للرئيس الأمريكي متحدثاً حول ما يجري وهو أمر لم يكن معهوداً , فالدعم المعلن والمباشر لم يكن بكل هذا الوضوح والصراحة في سالف السنين والأعوام , ويبدو أن ثمة تحالفاً وفق المؤشرات التي تخرج على لسان المحللين السياسيين من الكيان الغاصب قد أبرمت , كما أن سيناريو العملية العسكرية الذي قامت به حماس لا أستبعد أن يكون خرج من البنتاغون بحكم التعاون بين حركة الإخوان وأمريكا، وهو تعاون تم رفع الغطاء عن كثير من تفاصيله في السنوات الماضية وفي هذه الفترة التي تشهد فيها أمريكا صراعاً سياسياً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي , ولعل ترامب كان أكثر وضوحاً وهو يعبر عن هذا التوافق بين الإخوان والبيت الأبيض . أمريكا في ظني تريد أن تهرب من هزيمتها في أوكرانيا إلى فلسطين، ولذلك ألقت بكل ثقلها العسكري في البحر المتوسط، إذ عززت تواجدها بحاملة الطائرات الأولى في العالم أيزنهاور , وهي بذلك تريد تعزيز مكانتها العسكرية في الخارطة العربية وتمنع روسيا والصين من تحقيق أي مكاسب خاصة، وحرب أوكرانيا قد تركت فراغات للروس وللصين فنفذوا منها وتجلى ذلك في ابرام اتفاقات ونشاط دبلوماسي للصين ومن نشاط عسكري للروس وتواجد في سوريا , هذا الأمر يقلق أمريكا بعد أن شعرت أن العالم يضطرب ويتزلزل ويكاد زمامه يفلت من يدها . لذلك فالسيناريو المتوقع لما يحدث في غزة من حرب هو الضغط العسكري على غزة وحصارها المشدد حتى يضطر السكان للنزوح لسيناء وبحيث تصبح سيناء وطنا بديلا للغزاويين وتضع إسرائيل يدها على غزة حتى تضمن أمنها واستقرارها وتمنع أي تهديد لها يقلق وجودها من غزة حتى تفرغ طاقتها الدفاعية باتجاه لبنان وحزب الله , هذا هدف والهدف الثاني وهو المهم ،التبرير لإعادة الانتشار العسكري في البحر المتوسط والبحر الأحمر والسيطرة على الممرات المائية، أما الهدف الثالث فهو هدف قديم /جديد وهو إعادة تقسيم خارطة الوطن العربي على أسس طائفية وعرقية وثقافية من أجل شرعنة وجود دولة لليهود في فلسطين لها حق الوجود . اليوم المواقف العربية متباينة وليست موحدة كما جرت العادة عليه، فالموقف مما يجري في غزة متباين وهذا التباين جعل الترسانة العسكرية الصهيونية تستخدم كل أسلحة الدمار الشامل وتبيد أحياء بكاملها في غزة وربما قد يصل الأمر إلى تدمير غزة بكاملها ومحوها حتى تصبح أثراً بعد عين إذا استمرت في الصمود لفترة أطول مما يتوقع بعد الضغط العسكري والحصار المطبق ولم يتمكن المدنيون من النزوح إلى سيناء أو حاولت السلطات المصرية منع التدفق البشري اليها من غزة . مصر اليوم واقعة بين نارين , نار الاستهداف لها من قبل القوى العالمية وإسرائيل ونار الموقع الجغرافي والموقف الأخلاقي مما يحدث , وهي تدرك حجم الكارثة التي سوف تنتظرها في قابل الأيام , لكنها مهما مانعت أو عملت على الحد من التدفق البشري اليها إلا أنها ستكون مضطرة في نهاية المطاف إلى فتح منافذها أمام النازحين والهاربين من نيران الحرب من المدنيين في غزة , وبمثل ذلك تكون إسرائيل قد حققت هدفاً من هذه الحرب التي يصرح الكثير من المسؤولين أنها حرب عالمية وليست حرباً بين حماس وإسرائيل . وفي ظني أن الحشد العسكري الذي تعمل أمريكا على تواجده في المنطقة ليس الهدف منه حماس بسبب قيامها بنشاط عسكري معاد لإسرائيل، فالأمر لا يستدعي كل هذا الاستنفار العالمي ولا كل ذلك السلاح المتدفق براً وبحراً وجواً من أمريكا إلى اسرائيل بل الهدف منه محور المقاومة الإسلامية وعلى رأس المحور ايران، وقد بدا واضحاً من خلال تصريحات البيت الأبيض وتحذيرات بايدن نفسه وتصريحات الكثير من مسؤولي الكيان الصهيوني في أسبوع الحرب الأول . كل حركات المقاومة ذات النزعة التحررية والمعادية للنظام الدولي الرأسمالي هي اليوم من أهداف أمريكا العسكرية , فأمريكا تريد عالما لا ينازعها حرية القرار في إدارة العالم، ولذلك نراها اليوم بعد أن تعالت الأصوات التي تنادي بعالم متعدد الأقطاب تتصرف بهستيريا وقلق واضطراب وكادت أن تفقد مقاليد سيطرتها على العالم . فالشرارة التي انطلقت من غزة صباح سبتهم سيكون لها نتائج عكسية , وأعتقد أن قادة محور المقاومة وعلى رأس أولئك ايران وحزب الله يدركون المقاصد والغايات ولذلك رغم الاستفزاز فهم ما زالوا يسيطرون على مقاليد الأمور وسيكونون حاضرين متى رأوا أن الحضور أصبح ملحاً وضرورياً وستكون المعركة وبالاً وخزياً وعاراً على اليهود وعلى كل من خطط لها ولا أرى أن الصهيونية العالمية ستبلغ غايتها من هذه الحرب ولكنها ستعلن وجود قوة إسلامية إقليمية تعيد التوازن السياسي والعسكري وتقلب الطاولة على النظام الدولي المتغطرس وتستعيد الأرض المغتصبة من الصهيونية العالمية , ومثل ذلك أقرب إلى حقيقة ما يجري اليوم في فلسطين وفي غزة على وجه الخصوص، والله غالب على أمره ولو كره المشركون .