المرتبات حق مستحق لكافة موظفي الدولة، ومن أوضح الواضحات أن المؤامرة على البنك المركزي التي نفذها العدوان كان الهدف الأساسي منها هو قطع المرتبات، وأنه فعل ذلك ليقطع رواتب الموظفين، ويجوعهم، ويسقط الدولة ويفكك بناها.
ففي سبتمبر من العام 2016 م، دفعت دول العدوان بالمرتزق هادي إلى إعلان نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وتغيير محافظ البنك بن همام.
كشف هادي لاحقا في مقابلة مع صحيفة القدس العربي، بأن الأمريكيين طلبوا نقل البنك المركزي من صنعاء إلى العاصمة الأردنية عمان أو إلى الإمارات، لكنه فضل أن يتم نقله إلى عدن، مبررا أن النتيجة نفسها ستحقق «أي قطع المرتبات»، وبالتوازي قامت دول العدوان بقرصنة سويفت البنك المركزي، واستحوذت من خلاله على الإيرادات والودائع والقروض والأرصدة التي يملكها البنك في صناديق وبنوك خارجية.
وقبل ذلك كان البنك المركزي في صنعاء يصرف رواتب الموظفين بصورة شهرية دون انقطاع، ويرسلها إلى كافة المحافظات، وحتى مرافقي علي محسن ومرافقي كبار المرتزقة كان البنك يرسل رواتبهم شهريا، وحسب كشوفات 2014م.
سعت دول العدوان بالمؤامرة على البنك المركزي إلى قطع مرتبات الموظفين بشكل أساسي، وأرادت إحداث انهيار اقتصادي ومعيشي ومزيد من التجويع والمعاناة، وقد حققت مساعيها بكل وضوح.
بعد نقل البنك المركزي التزم العدوان بصرف المرتبات، وعلى لسان المرتزق هادي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنها لم تصرف راتب شهر واحد، وعملت على نهب العوائد المالية للنفط والغاز إلى البنك الأهلي السعودي، وتسخير الموارد الأخرى في الإنفاق على المرتزقة وأسرهم وعوائلهم وتجاراتهم وإقاماتهم، وفي تمويل جبهاتهم الحربية.
نقل البنك المركزي وقطع المرتبات، هو الوجه البغيض للحرب العدوانية اللاأخلاقية على الشعب اليمني، فقد تركت المؤامرة على البنك المركزي اليمن بلا مؤسسة نقدية تقوم بأبسط مقومات الاستقرار الاقتصادي والمعيشي، وأدت المؤامرة على البنك إلى انقطاع المرتبات، وتسببت في أزمة معيشية تتمثل في العجز عن توفير الأساسيات من السلع والبضائع، وتسببت في الانهيار الشامل الذي انعكس بشكل أكبر في المناطق المحتلة.
وقد مثلت تلك المؤامرة العدائية تصعيدا إجراميا وخطيرا على الشعب اليمني، وكان الهدف من ورائها تجويع الملايين من اليمنيين كتكتيك حربي مارسته دول العدوان بهدف إرضاخ اليمنيين بإحداث انهيار معيشي.
رغم التزام دول العدوان ومرتزقتها بصرف المرتبات غير أنها لم تصرف راتب شهر واحد منذ المؤامرة على البنك، وقامت بسرقة عوائد الثروات النفطية والغازية – التي كانت تدفع منها اليمن رواتب الموظفين – إلى البنك الأهلي السعودي، أما الموارد المحلية من المحافظات المحتلة فقد قامت بتسخيرها لصالح المرتزقة وتمويلهم من خلالها.
قبل نقل البنك المركزي كانت كل المحافظات اليمنية تورد مواردها المحلية إلى البنك المركزي في صنعاء، والذي بدوره كان يعمل على صرفها كنفقات ضرورية وحتمية للخدمات الأساسية كالمستشفيات وغيرها، وبعد نقله سخرها المرتزقة لصالح جيوبهم وحساباتهم ونفقاتهم الخاصة.
أما موارد الثروات النفطية والغازية، فقام العدوان بنهبها إلى البنك الأهلي السعودي، وقد وصلت حتى اليوم إلى أكثر من 15 مليار دولار، كافية لتغطية رواتب السنوات الماضية بأكملها.
خلال السنوات السابقة – وحتى الهدنة الأممية وما بعدها ومرحلة خفض التصعيد – كانت قضية المرتبات من أهم القضايا التي يطرحها الطرف الوطني في المفاوضات، بل ورفضت صنعاء مناقشة أي ملفات سياسية أو عسكرية قبل حل الملف المعيشي، وعلى رأسه المرتبات، وظلت وما زالت المرتبات هي الألوية التي تصر صنعاء على بدء معالجتها، ثم الحديث عن القضايا الأخرى.
في المقابل عملت دول العدوان على تنكيس كل الحلول وتصفير كل التفاهمات التي تقود إلى صرف المرتبات، بل واعتبرت طرح ملف المرتبات من الطرف الوطني على طاولة المفاوضات – وحلها قبل أي ملفات أخرى – اعتبرتها شروطا مستحيلة ومتطرفة، وتلاعبت وما زالت تتلاعب بذلك الحق الذي أصبح اليوم ملحا وعاجلا ولا يحتمل التسويف.
الأمريكي يدفع إلى تأجيل ملف المرتبات، ليستثمر في الملف ويتاجر به، ويستخدمه للضغط على اليمنيين، ويساوم به لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية، وحسب مصادر فإن الأمريكي يريد الحصول على موافقة صنعاء على تواجده العسكري في المناطق المحتلة مقابل الالتزام بصرف المرتبات من قبل السعودية!
أمر لا يمكن القبول به بكل تأكيد، ولا يمكن لأي وطني كان أن يسمح به.
وبكل وضوح ما زالت المرتبات هي أولوية القيادة في صنعاء، وقد قال الرئيس إنها أولوية قد نضطر إلى تنفيذ عمليات عسكرية لانتزاع هذا الحق.
ورغم الوضوح في مسؤولية العدوان عن قطع المرتبات، وفي مسؤوليته عن استمرار انقطاعها، ذهب البعض للتناغم مع الحملات الدعائية التي يطلقها العدوان لتحميل السلطة الوطنية في صنعاء المسؤولية، ووصلوا إلى تبرئته من المسؤولية!
بل وذهبوا للقول، كيف بكم تطالبون من الخصم أن يقوم بصرف الرواتب؟. وعملوا بشكل واضح لتبرئة العدوان من المسؤولية وتحميل الداخل الوطني المسؤولية الكاملة، رغم كل الوضوح في أن العدوان عمل وقرر بشكل متعمد قطع رواتب الموظفين.
بل وسوقوا دعاية مفادها بأن الدولة في صنعاء لا تريد صرف رواتب الموظفين، وأنها تهدد من يطالبون برواتبهم، وهذه الكذبة باتت رائجة عند الناس، وكل ذلك افتئات وتدليس وكلام غير صحيح!
الحقيقة هي أن المرتبات هي الأولوية الملحة لقيادة الدولة الوطنية في صنعاء، فاستعادتها سيخفف معاناة الموظفين، وهذا الأمر سيعزز من الأداء في الوظيفة العامة، وسيخفف من المعاناة الشديدة لعامة الناس نظرا للآثار الاقتصادية غير المباشرة التي ستؤدي إليها استعادتها، وسيعزز من أداء الدولة أيضا وقوتها، وذلك كله سينعكس على تعزيز الصمود في مواجهة العدوان، وهو أمر تسعى إليه قيادة الدولة في صنعاء بكل تأكيد.
والحقيقة أن القيادة في صنعاء لا تطالب العدو السعودي بصرف المرتبات من حساباته وأمواله، بل تسعى لانتزاع حقوق الشعب اليمني المنهوبة في البنك الأهلي السعودي والتي تغطي رواتب الموظفين لكل الأعوام السابقة، وتسعى إلى إلزام العدوان ومرتزقته بتخصيص عائدات الثروات النفطية والغازية لصالح المرتبات، من خلال تسوية تضمن ذلك أو من خلال الاستعادة لتلك الثروات.
معركة المرتبات هي معركة أساسية تحققت بالمفاوضات أو بالحرب، وربما سنشهد عمليات عسكرية في المرحلة القريبة لانتزاع المرتبات، وفي اعتقادي أن السعودي لن يلتزم بالمطالب المشروعة وأولها صرف المرتبات، إلا بعمليات عسكرية ترغمها على ذلك.