ليس معلوم إلى أي حد يمكن أن يصل مستوى التفاؤل بانفراجة في الملف الإنساني؟
تناغمت تصريحات المبعوثين الأمريكي والأمممي أمس، لجهة فك عُقدة المرتبات، كما ظهرت الإشارة إلى ذلك أمس أيضا في تغريدة لحسين العزي، مع ذلك فإن الأمر مرهون بالفعل.
ولا يمكن اعتبار توسيع عدد الرحلات الجوية إلى ست رحلات، جزءاً من هذا الفعل أو من مصاديق القول، لأنها إنما عادت إلى الوضع الذي كانت عليه قبل تقليصها إلى ثلاث رحلات.
المؤشرات الحقيقية ستظهر مع خطوات على الواقع تعكس الرغبة الجادة، لإحلال السلام في ملفات المرتبات ورفع اليد كليّة عن المطارات والموانئ، عدا ذلك لن يمكن اعتبار ما يجري الخوض فيه الآن أكثر من مجرد مناورة أمريكية أممية جديدة لكسب مزيد من الوقت، لا لشيء غير الرهان على أي مستوى من التمرد الشعبي.
ولو أنهم كانوا على قدر من الذكاء لفطنوا أن هذا التمرد قد تحقق منذ اليوم الأول للعدوان وزادت حدته مع التضييق الاقتصادي على المواطنين، فطوال الثمان السنوات الماضية وجموع الشعب تخرج إلى الساحات رافعة عبارات الرفض للتدخل الخارجي في شؤون البلد، وعبارات العداء لأمريكا والإدراك لمخططاتها ليس على مستوى اليمن وحسب وإنما كل المنطقة.
تدرك أمريكا أن سبب تضييقها ومحاولتها تعقيد التوصل إلى سلام في اليمن ليس ايران كما تحاول أن تسوّق، وإنما مخافة خروج بلد كاليمن الاستراتيجي، عن نطاق سيطرتها وظهور نموذج آخر يتبنى سياسة الرفض لتدخلاتها في شؤون الشعوب والتحكم في ما يدخل وما يخرج من الدول، والسيطرة ونهب الثروات.
كما تشعر أمريكا ومنذ البداية أن اليمنيين شعب طموح لأن يكون رقماً صعباً وأن يمتلك قراره بعيدا عن تأثيراتها، لذلك رفعت ولوحت بعنوان الخطر الإيراني، وحزب الله آخر في اليمن، وما شابه من العناوين حتى تكسب التأييد لكل إجراءاتها ضد الشعب اليمني.
من حق الشعب اليمني أن يطمح، بل ويرفع سقف طموحه، وليس من حق واشنطن أن تضع أي حدود لهذا الطموح، من هنا تكونت عدائية الشعب اليمني لأمريكا، وحين سمحت هذه الدولة بحصار اليمنيين، وعرقلت الوصول إلى تسويات، كان من الغباء أن تتصور أن ذلك يمكن أن يمثل عائقاً دون وصول هذا الشعب لطموحه، لذلك ومع ظهور رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط بخطاب الثقة والاقتدار خلال اليومين الماضيين انهارت كل المبررات التي كانت ترفعها واشنطن لشرعنة القصف والحصار بالحديث حيناً عن تهريب الأسلحة من إيران، وحينا آخر عن خبراء إيرانيين أو من حزب الله دخلوا تسللاً إلى اليمن.
نجاح القوات المسلحة في تثبيت معادلة حماية الثروة اليمنية، كانت أكبر صفعة نسفت كل تلك التوهمات الأمريكية، خاصة وأن تثبيت المعادلة ارتكز على قدرة بلغتها القوات المسلحة في التصنيع العسكري.
وهو أيضاً ما عكسته رسائل مهدي المشاط، بتلك الثقة المطلقة في القدرة على التحرك وفرض احترام البلد وحقوقه على الآخرين، كما أنها الحقيقة التي أخذت مظاهرها تتصاعد وصولاً إلى رسالة الحسم التي أطلقها نائب وزير الخارجية حسين العزي بأن على العدو توقع الضربة (في أي وقت)، أي أن الأمر أصبح فقط مرتبطاً بتقديرات القوات المسلحة للوقت المناسب، ربما كان اليوم أو غداً.
المستجد الذي يبدو إيجابياً، في الموقف الأمريكي والأممي، صحيح أنه أحيا الآمال بتحول جديد لمسار التسوية، من اختلاق للعراقيل، إلى إزالة كل الألغام التي قامت أمريكا بزراعتها، إلا أن اليمنيين تحصنوا من التخدير بمثل هذا المستجد، ولا زالوا على ذات القناعة بالسير نحو السلام بصدور مرحِّبة، والاستعداد في الوقت ذاته لأي تحول يكشف زيف المواقف.
أكثر من عام ونصف من إيقاف التصعيد وترحيل الأزمة من شهر إلى آخر، وأولوية صنعاء كانت دائماً الوصول السلمي لاتفاق يضع حدا لهذه الأزمة الإنسانية التي صنعتها أمريكا ومن معها من الأنظمة المسيّرة، ويبدو أن صنعاء وصلت بعدها إلى قناعة نهائية بأن العدو ليس في وارد رفع يده عن مصالح اليمنيين، كما ليس في وارد أمريكا أن توقف تدخلاتها غير الإنسانية وغير الأخلاقية، لذلك قررت البدء في مرحلة جديدة تمثل الفصل الأخير للحالة العدوانية التي صنعها البيت الأبيض فزعزع بها أمن كل المنطقة.
الأيام القليلة القادمة وليس أكثر من ذلك وربما الساعات القادمة، من المتوقع أن تفيد الأخبار بتحولات استراتيجية قد يعلن عنها المبعوث الأممي عقب زيارته إلى صنعاء، والأكيد أن نتيجة جولة غروندبرغ الذي اعتاد أن يحمل نسخة معدلة في حروف الجر وأدوات الربط من حديث ليندر كينج، ستنبني عليها طبيعية المرحلة القادمة، كما أن الأكيد أن اليمنيين لن يهدروا الوقت هذه المرة، ولن يقبلوا بغير المعاني الواضحة والمباشرة لما يمكن أن يُطرح من مبادرات بأن تتضمن الخوض في آلية التنفيذ لاستحقاقات السلام، وليس أقل من ذلك.