كانت زيارة الوسيط العماني إلى صنعاء هذه المرة – وهي الخامسة خلال العام الحالي والثامنة منذ إعلان الهدنة الأممية – مختلفة بشكل كبير عن سابقتها بالتحديد في الأجواء التي ترافقت معها على المستوى الشعبي. فبعد أن كانت الوساطة العمانية تحمل بعضًا من التفاؤل ولو بمستويات بسيطة، إلا أنها ترافقت هذه المرة مع تشاؤم وتوقعات سلبية جدًا، وللشارع اليمني أسبابه لهذه التوقعات المتشائمة، فتوقيت الزيارة بعد تشديد المواقف من صنعاء، والتحذيرات المتوالية لتحالف العدوان بنفاد الصبر، ينظر إليها على أنها هي التي دفعت لتحريك جهود الوساطة، بدءًا من تحركات المبعوث الأممي والأمريكي، وانتهاء بزيارة الوسيط العماني إلى صنعاء. هذه المرة كان يفترض بالزيارة أن تحمل شيئًا جديدًا وجديًا للدفع والتهيئة لعملية سياسية وتفاوضية حقيقية، على الأقل بصرف المرتبات وفتح المطار وإنهاء القيود على الميناء وإطلاق الأسرى، لكنها، كما رشح عن نتائجها، أكدت على تلك النظرة التشاؤمية، وأنها هدفت سعوديًا، لتهدئة الأجواء، والحفاظ على الوضع القائم، إذ لم تسفر عن شيء إلا ما نقله عضو الوفد الوطني عبد الملك العجري، لحظة العودة إلى مسقط، من أنه “بعد إنهاء زيارة تشاورية إلى صنعاء الهدف منها التشاور مع القيادة حول الخطوات القادمة والترتيب لجولة مفاوضات قادمة نسعى أن تكون حاسمة في وضع حد لمعاناة الشعب اليمني لا سيما لجهة الاستحقاقات الإنسانية”، مضيفا “إن استمرارها هو استمرار للحرب بشكل آخر أكثر فتكا وأشد وطأة”. الرئيس المشاط من جهته كان واضحًا بتأكيده عند لقاء الوفد العماني في ختام زيارته لصنعاء أن “الوقت ليس مفتوحًا أمام العدو للتهرب من الاستحقاقات الإنسانية، واستمرار المراوغة سيعود عليه بنتائج لا يرغبها”، وهذه العبارة حملت تأكيدًا لتحذيرات السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير، بأنه: “لا يمكن للحال الراهن أن يستمر بما هو عليه أبدًا، وعلى السعودي أن يعي هذه الحقيقة وإدراك أن استمراره في تنفيذ الإملاءات الأمريكية والبريطانية ستكون عواقبها الوخيمة عليه”. من أجواء حديث الرئيس المشاط يبدو أن الوساطة حملت رسالة سعودية بالأقوال الخالية من الأفعال، لتؤكد جديتها للمضي في السلام والنقاط التي تم الاتفاق عليها في صنعاء في اللقاءات مع السفير السعودي محمد آل جابر، مطالبة بعدم التصعيد الذي عبر عنه السيد عبد الملك الحوثي والقيادات السياسية والعسكرية في صنعاء، ولكن الرئيس عاد ليؤكد تلك التحذيرات مجددا، وهو بطبيعة الحال يعبر عن تطلعات الشعب اليمني، الذي لم يعد لديه أي قبول بأي تأخير في الاستحقاقات الإنسانية على الأقل في هذه المرحلة. بالنظر إلى أن السعودية هي التي تعطي الأذن بمرور الطائرة العمانية إلى صنعاء، فإن الرسالة التحذيرية قد وصلت، والرياض فهمتها ووعتها، وأخذتها على محمل الجد، وبدأت تتعاطى معها بشكل مغاير، حتى وإن كان لا يزال ينطوي على خبث النوايا وشراء الوقت، والمماطلة المعهودة من الرياض، والمتربصة باليمن وشعبه وقيادته.