الدور الثقافي ومقتضياته في هذه المرحلة

يكتبها اليوم/ عبد الرحمن مراد

لعل اشتغالنا على صناعة وعي جديد وواقع جديد هو من تمام الوعي الثوري , فالثورة  هي أسلوب من أساليب التغيير الاجتماعي وتشمل الأوضاع والبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية .

وطالما وهناك عدو يتربص بنا الدوائر كمقدمات نسلم بأثرها , هناك نتائج تترتب على تلك المقدمات , ولعلنا قد بدأنا نشعر ببعض تلك النتائج التي غاب عن بالنا حسبانها وتحديد مسارها بعد توقعها.

فالسياسة في غالبها ليست بطولات وعنتريات بل صناعة مناخات ,وخلق فرص , واقتناص فرص , والخيار العسكري والأمني في السياسة  ليس خيارا منطقيا في كل تموجاتها لأنه لا يفتح طرقا  لمراحل وأزمنة آمنة ومستقرة .

وعلينا أن ندرك أن السياسة هي فن الممكن وفن صناعة المستحيل وهنا يكمن التحدي في التفاعل اليومي والبيني والقفز على الحواجز وتجاوزها بذكاء اللاعب لا بقدرته وقوته العضلية أو المادية أو العسكرية .

ويمكن ان يقال أننا أمام مرحلة جديدة ,هي متغايرة لكنها لا تسير وفق أحلامنا ولا وفق تطلعاتنا بل تكاد تكون صادمة ومعيقة أكثر منها منسابة أو ساربة  في مجرى التطلعات الوطنية ,وتبعا لها لابد من الوعي بها حتى نضع فرضياتها المحتملة , فالوعي بها هو الوعي بالقدرة وبالسيطرة على مقاليد الزمن الذي يسير وفق قراءات واستراتيجيات تريد له أن يكون فاعلا ومحققا لمصالحها , وتلك الاستراتيجيات وضعت من قبل مختصين في العلوم الانسانية المختلفة , وهو الأمر الذي يفرض علينا ضرورة التعاطي معه بقدرة ذهنية تفوقه , وتقفز على شروط “الأنا” المظلل في الصناعة والابداع والابتكار .

لاشك أن الحرب  تركت ظلالا قاتما , وعملت على الإخلال بحركة التوازنات في المجتمع , وهي غير واضحة المعالم كون المجتمع اليوم تتنازعه ثلاثة أبعاد نفسية تنحصر في الخوف ,والتربص ,والمداهنة , ولذلك لا يمكن الوثوق بالظاهر وإن بدا شكله واضح المعالم , فالتناقض في المجتمع اليمني قديم , ومحاولة التآلف فيه والتناغم تحتاج زمنا غير قصير على أن يمتاز ذلك الزمن بالاستقرار والرفاه , وبحيث ترتبط الفئات الاجتماعية بمصالح مع السلطة , ومثل ذلك غير متحقق في مثل الظروف التي تمر بها اليمن اليوم , كما أن الشرخ والهوة اتسعت بالقدر الذي لا يمكن ردم الصدع فيه, ولذلك فكل المحاولات لردم الصدع ستكون فاشلة , فالعدو الذي تواجهه ليس محدودا ولا قليلا بل يملك قدرات مهولة ..مهنية ومادية وتقنية وأمام مثل ذلك تكون نسب النجاح ضئيلة في السيطرة والردم , مع قناعتنا وثقتنا المطلقة في تدابير الله لكن تدابير الله تسير وفق قانون فطري وهو يقول : ” فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون “.

وتبدو المرحلة اليوم أخطر منها بالأمس , وإذا استغرقتنا مشاعر الانتصار فلنعلم أن عوامل الانكسار قد تسللت الى واقعنا , ولعل الواقع يبعث اشاراته اليوم ولذلك نرى :

–   لابد من وجود صيغة توافق وطني وشراكة بين مختلف القوى المناهضة للعدوان معلنة وواضحة .

 

–   تشكيل حكومة وحدة وطنية مكونة من  كل القوى المناهضة للعدوان .

–  معالجة آثار الصراعات وترضية النفوس وارسال رسائل تطمين لا تنفير.

–  ترشيد الخطاب السياسي والاعلامي على المستوى الوطني ليكون خطابا جامعا وغير مستفز .

فالوضع الاجتماعي مع  تداعيات الاحداث والحرب والصراعات يعيش مرحلة غليان وتعمل الآلة النفسية والاعلامية على تنمية مشاعر الغضب وهناك نشاط محموم يسعى الى إيقاظ مشاعر التنافر والغضب ويعمل على تفكيك عرى المجتمع وتعويم الهوية  واستغلال كل ذلك  سياسيا وأمنيا وعسكريا , وقد يترك ذلك أثرا كبيرا على النسيج الاجتماعي والوطني , سواء اليوم أو في المستقبل المنظور ولذلك فالترميم يبدا من بوابة الحوار مع المجتمع وقواه الفاعلة حتى تشعر بوجودها وقيمتها في معادلة الحياة وبذلك نقطع الخطوط التي ينفذ منها العدو أو نحد منها  .

***

وسبق لنا القول في أكثر من مقال  بأن “الدور الثقافي في المراحل التي تتسع فيها الهوة ويتعذر على الراقع رتق الخرق هي من أشد المهام تعذرا على التحقق وأشدها صعوبة لكن بالفكر نستطيع توحيد جميع الجماعات على اختلاف مشاربها الفكرية والمذهبية , وحتى نتمكن من احداث متغير في الصورة النمطية التي تسيطر على اذهان الجماعات والفرق ضد بعضها البعض في اطار مشروعنا الاسلامي ,علينا أن نحدث قدرا من تفريغ الطاقات الانفعالية بما يخدم فكرة التوحيد لا الشتات , وبما يعزز من قيمة الأمة لا بما يضاعف من شتاتها ,ويعيق تقدمها ونهضتها ,ولذلك من الحكمة أن تشترك الجماعات والفرق المختلفة في ادارة الدولة وتدير حوارا توافقيا يلبي مقاصد الاسلام , وفي السياق يذيب كتل الجليد بين الجماعات والفرق ويفتح بابا من التقارب والتوحيد في الطاقات حتى تكون عصية وصامدة في تقبل مشاريع الاستهداف التي تنال من الامة ومن وحدتها ومن هويتها الحضارية والايمانية والثقافية “.

 

ونحن اليوم نعيش زمن الثورة الحقيقي ثورة الحسين عليه السلام ولابد أن تكون الثورة الحسينية ملهمة لنا في صناعة التحول والانتقال الذي نريد , وهي فرصة أن تتجدد فينا إرادة الحياة والحرية والكرامة الثورية بما يتسق والحال الذي وصلنا اليه مع قوى العدوان ,وقوى الاستعمار الجد

قد يعجبك ايضا