عفاف البعداني

أبي ليس كاتبًا لكنه مؤمن

 

قيل: «ولو يأتيني هاربًا من أذى دُنياه، لأصبحت أنا دُنياه وما فيها ولكن…….» أبي: إنها الكلمة الأعظم والأسبق في قلب كل فتاة، ولكن دعونا من العظمة والأسبقية وكل الأشياء التي تُقال وقِيلت للآباء، أتركها جانبًا لأتفرد بالحديث عنك وحدك يا أبي، لأنني أحمل لك شيئًا مختلفا لا يتعلق فقط بالعظمة والحب والامتنان، بل متعلقٌ بكل شيء يخصنا لنجاهد الحياة ونكون فيها أقوياء بلا أي هوان، إنني أناضل كل يوم؛ لأكون مثلك قوية لا يرجعها أي شيء، إنني أجافي متاعبي لأكون أنيقة بتصرفي مع كل من صادفت، أحب أن يقرؤوك فيّ ويعرفوا أي أب عظيم كنته لنا، أعرف ما الذي ينبغي فعله في أغلب أوقاتي دون أن أتوجس لأني أراك معي دون أن أكون معك بنفس القرار، لم أرَ دمعتك في حياتي كلها؛ لكني أود أن أصافح قلبك لأعلم كم قدرا يحويه من التعب والتحمل لكل فرد فينا، أود أن أحتضن روحك لأعرف أي جزء أتعب كاهلك وأحمله عنك في هذا العمر بالتحديد، أي جرح يتغذى فيك دون أن ندركه ونخففه عنك، كم حزن يعيش فيك وما الذي دفعك؛ لكي تحبنا كل هذا الحب وبذاك القدر؟ أبي صحيح أنك لم تتعلم حتى أنك لا تعرف ما الذي نكتبه لحيننا، لكنك تعرف وعرفت كيف تمنح لنا….. كل أصول الحب والحنان والتضحية، وإنني لأجد في تجاعيد وجهك كل شهادات الدنيا، أحبها، أقدرها كلها وأراها عزي واعتزازي في كل يوم أكبر فيه… وأذهب لأؤدي وظيفتي منذ أثير الصباح. أبي: كان بمقدوري أن أكتب عنك الكثير ومنذ زمن طويل.. لكني لا أكف عن العجز المقفع الذي يسلبني ود الحديث كلما قررت أن أكتب عنك، حاولت كثيرا وسرعان ما ألغي فكرة أن أكتب عنك …، أرى أي حديث لا يحابي مقامك، وأقف أمام كل وصف لأعرف أنه لا يشبهك تماما، أبي كيف لي أن أصف ربيعك في عز الشتاء، وجودك في حالة العدم، كيف أتأكد من أني عرفتك تماما وأنا أكتشف كل يوم صبرا جديدا عاكفا فيك خلسة عنا، كيف أشرح سؤالك عنا كل ليلة فردا فردا وكأننا ولدنا للتو ولم نكبر قط لازلنا صغارا في عينيك مهما استبد بك العمر وطالنا منه ما طال؟، خوفك المهيب الذي يظهر عند أول وعكة صحية تدور بنا كيف له أن لا يضعفه المشيب؟، هل هناك علاقة تراكمية في تقدم عمرك وخوفك علينا؟، فحبك يجيء علينا وكأنه رسالة اعتذار لكل ما تفعله بنا الحياة، فعلا إن اهتمامك المتواصل لهو الحلقة الأصعب في تصوري.. أبتسم كثيرا عندما تهيم سؤالا، « بناتي قالوا هذا الأسبوع نزلوا خبركن بالجريدة زعم موقكلن…… « تجبرني هذه الكلمة، عن كل كسورات الدنيا، تعفيني لأخبرك ما الذي قلناه بكل بساطة، وتبتسم قبل أن نبدأ وتبتسم قبل أن نكمل يا للعجب….، تسمعنا كل مرة ولكن ليس ككل مرة، تندهش وتحد عصبك السمعي حتى تشيد كل ركائز ثقتك فينا وكأننا الوحيدون الذين نكتب في هذا العالم دون سوانا.. استدراك : لفحتني اليوم أنفاسك المتعبة وأنت تمشي أمامي ببطء، لقد سبقتني فعلا ولكن ليس ككل مرة، كنت قويا لدرجة لا أقدر على تجاوزك، اليوم افتعلتها عمدا ومضيت ببطء يا أبي… حتى تكون الفائز في عينيك كما تعودنا في الأيام الماضية، لقد أمسكت بيديك لأحتفل بشبابك رغم كل هذا الشيب الماثل فيك، كدت أهوى عندما تأملت كم كبرت هذه الفترة وكم تشعب الشقاء في جفونك وعينيك وأهدابك وربما قلبك، حتى راحة يديك أحس حرارتها مرتفعة وتبدو مليئة بالخدوش وترجو التعافي عما قريب، أبي إنني أصغي لصمتك وممتنة لكل شيء تفعله من أجلنا حتى هذه اللحظة .

 

 

 

قد يعجبك ايضا