من اليقين أن الدين الإسلامي يبني الشخصية الإنسانية على سلامة الفطرة ويحصنها من التردي في براثن الانحراف ، غير أن من تفسد فطرته بفعل عوامل الانحراف ، يصبح الحق في تصوره باطلاً، ويصبح الباطل حقاً، فيخوض معاركه وصراعاته على هذا الأساس المقلوب.
قضية الاختلاط في الجامعات هي قضية شائكة ومثار جدل ، الإسلام يضع حدودا وفواصل للعلاقات بين الرجال والنساء ، ويضع حدودا كذلك تبعد الرجال والنساء عن الوقوع في براثن الشبهة ، وأحكام ذلك واضحة.
ثارت مؤخراً قضية الفصل بين الطلاب وبين الطالبات في جامعة صنعاء ، القرار الذي اتخذ في بعض كليات الجامعة بإنهاء الاختلاط ، وكان من المستغرب انجراف البعض بقضه وقضيضه مندفعا للتصدي لهذه القرارات التي لم تخالف شرعا ولا قانوناً ولا آدابا عامة ولا أخلاقاً ولا تنافي أي قيم ، بل تنسجم مع معظمها ، ولم يستند هؤلاء للأسف إلى أي أساس قانوني ولا شرعي ولا غيره ، بل إلى هواجس نفسية غير سليمة!
وقد نشرت صحيفة الثورة مادة عن دراسات غربية تكشف الآثار المدمرة للاختلاط ، الدراسات فقط قارنت جانبا من الآثار التي تتعلق بما تتعرض له النساء من تحرش واغتصاب جراء الاختلاط ، وأيضا ما يتعلق بالفهم والاستيعاب ونسبته بين من يتلقون تعليمهم في مدارس وجامعات مختلطة وبين من يدرسون في مدارس وجامعات طبيعية غير مختلطة.
وفيما لم تتطرق المادة إلى أحكام الشرع الإسلامي الذي حرم الاختلاط بين النساء والرجال ، وأسس لذلك قواعد وأحكاماً شرعية متفقاً عليها بين كافة المذاهب الإسلامية ، ولم تبين أن التشريعات القانونية والدستورية لم تخالف ذلك بأن أوجبت الاختلاط ، ودستورنا ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريعات ، ولم تنص القوانين أو التشريعات الأخرى في اليمن على وجوب اختلاط الرجال بالنساء في الجامعات أو غيرها حتى يكون حكم وجوب الاختلاط مستثنياً من النص الدستوري الذي يؤكد أن أساسه هو الشرع الإسلامي الحنيف.
غير أن البعض لا يريد الاحتكام لشيء لا لقيم اجتماعية ، ولا لدين إسلامي ، ولا لقوانين وتشريعات نافذة ، بل يتبع الهوى والمزاج ويريد أن يفرض هواه على الجميع.
ولم تكن المادة التي نشرتها الثورة من وحي كاتبها بل كانت مستندة إلى أرقام ، ومعلومات ودراسات متعددة ، ورغم ذلك تندر بعض الساقطين قائلا أننا في عصر الذكاء الاصطناعي ، متسائلا أين هذه الدراسات ، والجواب هذه الدراسات لا تحتاج إلى ذكاء اصطناعي بل إلى بحث بسيط على محرك قوقل ، لكن من ينكر أحكاما أقرها الشرع بكل وضوح ، سينكر ما سواها من الحقائق.
الفضاء الالكتروني ممتلئ بالإحصاءات والأرقام والدراسات عن مواضيع الاختلاط في الجامعات الغربية والشرقية ، وفي سنوات سابقة نشرت صحف ووكالات بأن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش ، صادقت على قرار يشجع التعليم الطبيعي «غير المختلط» ، وأوضحت بأن إدارته تعتزم تشجيع المؤسسات التعليمية في أمريكا على العودة إلى مبدأ (عدم الاختلاط) بين الجنسين في المدارس، وذلك في إطار برنامج لإصلاح نظام التربية هناك ، وأثارت هذه التوجهات جدلا واسعا ، وكان ذلك التوجه مستندا إلى دراسات حول آثار الاختلاط في ارتفاع نسبة حالات الاغتصاب والتحرش في صفوف الطلبة ، وكان هذا التوجه حينها ، أما اليوم فقد أصبحت أمريكا أمة مثلية كما أعلن بايدن مؤخراً.
واللافت أن القنوات الساقطة كالحدث والعربية جعلت من المنشورات الساخرة من المادة التي نشرتها الثورة في صدارة نشراتها وأخبارها وصفحاتها في التواصل الاجتماعي ، وتناغمت مع حشد الأبواق والمأجورين في القضية ، ومع التافهين الذين يخوضون معترك التصدي لمنع الاختلاط بين الرجال والنساء ، ليجعلوا منها القضية الكبرى في الشرق الأوسط ، وهذه النقطة تستدعي من البعض مراجعة مواقفه.
الانجراف الحاصل من البعض نحو معتركات التفاهة مشكلة ، ومشكلة أكبر حين يصبح مصدراً لقنوات العدوان الناعقة بالزور والبهتان والزيف ، ولأبواق العدوان ولحشد المأجورين والمرتزقة والنعال.. فإلى أين يذهب هؤلاء؟