ضبابية سياسية مثيرة للاستغراب وصمت إعلامي مريب وظروف اقتصادية صعبة وأوضاع اجتماعية تتطلع فيها الجماهير إلى الفرج القريب والشامل وإلى الخروج من حالة الركود التي طالت ولم تسفر عن أي نتيجة إيجابية لأن الهدنة فشلت ولأن العدوان قائم ومستمر وإن كان مختلفا عما كان عليه في السنوات الماضية، من حيث التصعيد العسكري المشترك رغم أن هناك خروقات وتجاوزات متتالية من قبل تحالف العدوان في مختلف المجالات الأمنية والسياسية والعسكرية والإنسانية والاقتصادية، الوضع الراهن في اليمن يمكن وصفه بحالة الترقب والانتظار لمستجدات مجهولة الكيفية لأن الأغلبية من الناس يتمنون أن تكون المستجدات المرتقبة – والتي طال انتظارها – إيجابية تحمل معها أعمالا ومواقف سياسية جادة يولد من رحمها سلام حقيقي شامل ودائم في اليمن ينتشل اليمن وشعبه من حالة اللا حرب واللا سلم ومن الواقع الذي صنعه العدوان والحصار إلى مرحلة وحالة معيشية أخرى قائمة على السلام والاستقرار المعيشي والسياسي والاجتماعي يجني فيها الشعب اليمني ثمار تضحياته وصموده وجهاده ومواقفه ويضمد فيها جراحه ويستأنف مشوار حياته كما يجب بحرية وكرامة وعزة واستقلال.
تساؤلات كثيرة تدور في أذهان الأغلبية من أبناء الشعب اليمني وغيرهم من العرب والمسلمين بل وحتى من بقية البشر في أنحاء العالم بشأن الظروف الراهنة في اليمن ومنها هل هناك اتفاق سري غير معلن بين صنعاء وتحالف العدوان ينص على آلية زمنية معينة ويتضمن بنودا محددة تقضي بالتدرج في التنفيذ لأهداف سياسية معينة لا ينبغي الإفصاح عنها لأسباب معينة تفضي إلى وقف العدوان وفك الحصار؟ والسؤال الآخر هو: هل هناك نوايا حقيقية بالنسبة لدول تحالف العدوان تهدف وتسعى إلى وقف العدوان وفك الحصار؟ ولو كانت هذه النوايا متوفرة فيجب أن تظهر بمعطيات ومواقف عملية يلمسها الشعب اليمني في واقعه، وهناك أسئلة أخرى كثيرة تفرضها المرحلة والظروف الراهنة في اليمن ومنها أليست الفترة الزمنية الطويلة التي بدأت منذ إعلان الهدنة إلى اليوم كافية للخروج من حالة اللا حرب واللا سلم؟ إلى مرحلة أخرى يأمل الشعب اليمني أن تكون قائمة على تحقيق السلام الجاد والحقيقي وليس إلى التصعيد العسكري الذي لن يكون لمصلحة أحد فقد تم تجربته في الماضي وكانت النتائج سلبية ولو عاد التصعيد العسكري مجددا فليس من مصلحة دول تحالف العدوان لأنها ستتلقى ضربات عسكرية موجعة من القوات المسلحة اليمنية على مختلف الأصعدة، وهذا ما تشير إليه المتغيرات والمعطيات التي تمنح صنعاء شرعية الردع العسكري القوي والحازم لتحالف العدوان الذي أسرف في المراوغة والمماطلة وحان الوقت لوضع حد نهائي لغطرسته التي طال أمدها.
من غير المنطقي أن تستمر حالة الانتظار إلى مالا نهاية لأن القوانين والسنن الإلهية والكونية بل وحتى البشرية تقول وتقضي بأن من حق أي مجتمع من المجتمعات البشرية – سواء كان شعبا يتكون من عشرات الملايين أو اقل أو كثر – أن يعيش بسلام ويعيش حياته كما ينبغي ويضمن حقوقه المشروعة في كل المجالات وفي حال حصل صراع عسكري أو سياسي أو أمني أو اقتصادي أو صراع شامل مع أطراف أخرى داخلية أو خارجية لأي سبب كان فيجب أن لا يستمر الصراع إلى مالا نهاية بل يجب أن يتوقف ويعود السلام من جديد أما أن يعيش هذا المجتمع كما هو عليه الحال بالنسبة للمجتمع اليمني في حالة اللا سلم واللا حرب بعد ثمان سنوات من العدوان والحصار والحرب والدمار ثم تستمر هذه الحالة الموحشة القائمة على الركود والجمود والترقب والانتظار وتتجاوز العام الأول وتسرق من العام الثاني عدة أشهر وتستمر ثم لا تظهر أي بوادر أو مؤشرات بأعمال ومعطيات تحمل معها متغيرات ومستجدات تضع حداً للانتظار الفتاك فإن هذه الحالة وهذا الانتظار يُعد عدوانا بحد ذاته ويُعد حالة معيشية استثنائية يمكن تشبيهها بالمرض المزمن والمؤلم الذي يفتك بجسد صاحبه فلا يُشفى بعد طول انتظار ولا علاج، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تحالف العدوان قد فشل في اليمن ولم ولن يستطيع تحقيق أهدافه الاستعمارية التي سعى إلى تحقيقها طال الزمان وأمد العدوان أو قصر وكلما استمر العدو في مراوغته بشأن السلام فهو بذلك يجبر صنعاء وشعبها وجيشها على انتزاع الحقوق وصناعة السلام بالطرق الأخرى المشروعة والقوية مهما كلف الثمن وهذا أفضل من الانتظار الطويل للمجهول.
من غير المعقول أن تستمر حالة اللا سلم واللا حرب إلى أبعد مدى من الزمن ثم لا يكون هناك نتيجة لأن الماضي القريب المتمثل في السنوات الثمان من العدوان والحصار بما حصل فيها من أحداث ومعارك ودمار وتضحيات ولأن الوضع الراهن الذي يجب أن يكون بمثابة الدواء الذي يصنع الشفاء ويداوي الجراح وليس بمثابة المرض الذي لا شفاء منه يستدعي ويتطلب أن يكون هناك نتيجة لذلك الصراع ونتيجة لتلك الحوارات والمباحثات والنقاشات والجولات التفاوضية التي حصلت، كما أنه يجب أن يكون لفشل الهدنة وانتهاء مدتها نتيجة وأيضاً ينبغي أن يكون هناك حد لحالة الانتظار فلا تستمر إلى مالا نهاية، فهنا شعب يتكون من الملايين من الناس لم يساوم ولن يساوم على حريته واستقلاله وحقوقه المشروعة ولن يستجدي السلام من الطواغيت المجرمين ولن يقبل أن تذهب تضحياته سدى في مهب الريح ولا يجني ثمارها ولن يقبل أن يكون ألعوبة بأيدي المعتدين فهم من يحددون مصيره ومستقبله ولو كان سيقبل بذلك لما صمد إلى اليوم ولما ضحى وقدم أعظم التضحيات، وبما أن الظروف والواقع والمنطق والقوانين والسنن لا تبرر غطرسة تحالف ومراوغته فهي لا تبرر استمرار حالة الانتظار للمجهول دون نتيجة، ولله عاقبة الأمور.