بغداد- القاهرة «د.ب.أ»:
استطاعت الفنانة التشكيلية والأكاديمية العراقية، سها عبدالجبار رشيد، أن ترصد الكثير من ملامح وتجليات ظاهرة التأثيث المعماري في تشكيلات الرسم المعاصر، وذلك من خلال فصول كتابها «التأثيث المعماري في تشكيلات الرسم المعاصر»، والصادر عن دار الفتح للطباعة والنشر في العاصمة العراقية بغداد.
وتؤكد لنا «رشيد» عبر صفحات كتابها أن تركيب الخامات المعمارية في الفن التشكيلي المعاصر شكّل ظاهرة ميّزت المنجز الفني المعاصر، في محاولة من الفنان لزيادة تراصف نسق التشكيل مع الأنساق المجاورة الحاوية له حضريا ومدنيا ومعماريا وتصميماً داخلياً.
وبحسب مقدمة الكتاب التي كتبها الدكتور سلام جبار –وهو أستاذ في الفنون- فإن تركيب الخامات المعمارية في الفن التشكيلي المعاصر شكّل ظاهرة ميزت المنجز الفني في محاولة من الفنان لزيادة تراصف نسق التشكيل مع الأنساق المجاورة الحاوية له حضريا ومدنيا ومعماريا، لا سيما مع العجز الناتج عن عدم توفر كم ونوع كاف من الإنجاز لتغطية الحاجة الماسة للمنجز التشكيلي الذي لم يعد قادرا على تلبية الحاجة لحضور التشكيل المعاصر الذي لا تغطيه الأعمال التشكيلية النمطية من جهة.
ومن جهة أخرى لاطلاع الفنان التشكيلي المعاصر كفنان مجرب على مواصفات الاستدامة والصمود التي تضمنتها المواد المعمارية التي من الممكن أن تعطي للتشكيل طاقات إبداعية مضافة، فالزجاج والرمل والحديد والخشب والمسامير والغراء والبلاستك والألمنيوم والجص والإسمنت وغيرها بالعشرات، من المواد التي باتت محط اهتمام الفنان لما تمتلكه – تلك المواد – من مواصفات مادية فيزيقية قادرة على تقديم الدعم لمتطلبات بنى التشكيل المعاصر في إنتاج كمي ونوعي وبمواصفات إبداعية تجريبية قادرة على تقديم منجز يتجانس مع البنى التصميمية للفضاءات المعمارية المعاصرة، وذلك من خلال تركيب الخامات المعمارية في جسد المنجز التشكيلي في شتى الاتجاهات الفنية، ومن خلال التضايف والتعالق بين العمارة والرسم والذي وظّف البناء التقني والدلالي في العمل الفني ليُعطي الإحساس بالمادة المعمارية كجسم متكتل في سطوح الأعمال الفنية بما يعكس الواقعة الحقيقية الملموسة.
ووفقا لمقدمة الكتاب، فإن كل ذلك يأتي كشهادة على تبدّل الفن ومغادرته للتاريخية الوثائقية وتعظيمه للفعل التجريبي المفاهيمي منذ أن دخلت أنظمة ومواد مستجده فأزاحت بنيته المسطحة إلى بنية معمارية تتعامل مع نقطة التلاشي الإيجابية وليست الوهمية، وذلك لتأثره بالمحيط المعماري ومواده التقنية.
وقد جاءت فصول الكتاب، بمثابة محاولة لرصد التأثيث المعماري في تشكيلات الرسم المعاصر، الذي بات ظاهرة تمثل جزءا مهما من التشكيل المعاصر وقدمت حلولا ديناميكية لتعويض متطلبات النسق البنيوي في إنتاج كم وكيف من أعمال فنية قادرة على تلبية الحاجات وتداوليتها، وعلى الصمود في وجه المتغيرات البيئية والتجانس مع التحولات المعرفية والوجودية المتسارعة وبما يحقق ظاهرة تستحق الدراسة والبحث. وتقول مؤلفة كتاب: «التأثيث المعماري لتشكيلات الرسم المعاصر» الفنانة التشكيلية والأكاديمية العراقية، سها عبدالجبار رشيد، إن فن تركيب الخامات المعمارية يُعد حالة من الانصهار بين مجالات الفن المختلفة، إذ يجمع بين أكثر من خامة ومجال فني وخبرة، وقد مثّل ذلك الأسلوب ظاهرة أصبحت تشكل الفهم العام للتشكيل المعماري، إضافة إلى التأكيد على إلغاء التجنيس الفني بين كل من تصنيفات الفنون التشكيلية، على الرغم من كونها ظاهرة تؤسس لجنس جديد في أنظمة الاشتغال الإبداعي، وفي البناء التركيبي للعمل الفني الذي تتجاذبه أطراف عدة، منها الأفكار والمفردات والتركيب الشكلي والخامات المتعددة، وهكذا أصبح فن تركيب الخامات المعمارية في العمل التشكيلي مركزًا يستقطب التحليل ويعيد بناء الواقع على أساس أبجدية بصرية جديدة.
وقد سعت المؤلفة عبر فصول كتابها، لتشخيص ظاهرة إضافة المواد المعمارية الاستخدام (حج رمل جص، وإسمنت، خشب، ومعدن، وشبابيك، ومقابض، وغراء وغيرها) إلى سطح العمل الفني للإفادة بالبعد الثالث من نزعة التجنيس في الفنون، بجانب دراسة الوحدات التركيبية والاستعارية التي تتواءم مع صيغة الفن الجديد والكيفيات التي أمكن للفن استثمار طاقاتها المادية.
ورأت المؤلفة أن تركيب الخامات المعمارية في تشكيلات الرسم المعاصر اعتمد الكثير من الأفكار في الأساليب والقدرة على استقصاء المرجعيات المؤثرة في خلق هذا الأسلوب عبر الكشف عن عناصره من خلال نظرية الشكل أي عناصر التشكيل وقيم التشكيل (الخامة – اللون – الكتلة – الملمس)، واعتبرت بأن تناول موضوع «الخامات المعمارية» هو بحد ذاته يتناول الإشكاليات التي أثيرت على صعيد مفهوم الخامات ذاتها، تحديدًا تلك التي قام بها الأفراد أو الجماعات.
وتشير صفحات وفصول كتاب «التأثيث المعماري في تشكيلات الرسم المعاصر»، إلى أن المكان يُعد عنصرا من عناصر تكوين الفن الذي يعبر عنه (المحيط المكاني) ويعكس القيم التي تمتد أشكالها وأفكارها في التراث الثقافي، والمحصلة التي تعبر عن مختلف الأنشطة لجوانب الحياة في المجتمع، والميدان الذي يعكس القيم السائدة فيه.
كما تشير صفحات وفصول الكتاب إلى أن المضمون والشكل في الإبداع الفني يطيران معا وجنبا إلى جنب وفي وقت واحد. ولا يتوالد واحد مهما عن الآخر، والشكل هو الإطار الذي يضم كل العناصر الفنية داخله، بغية الوصول إلى معنى وهدف العمل الفني فيقوم بتشكيل المادة والموضوع ناسجًا إياها بانفعال وتعبير ليصبها في قالب الشكل النهائي الذي يتحدد بدءًا بنظام أفكاره، ونظام الأفكار هو الذي يحدد طبيعة الأشكال ونظامها، وذلك بحسب نصوص الكتاب.
وتلفت كذلك إلى أن الفنون التشكيلية تحكمها ضرورات داخلية، تُشكل عناصر العمل الفني ارتكازات لبناء أشكال من خلال تناسق النقاط والخطوط، أو من خلال تفاعلها مع باقي العناصر حيث تتركب الألوان والمساحات والأشكال وفق أسس جمالية تضمن أن يكون لكل عنصر من عناصر العمل الفني قيمة خالصة بحد ذاتها.
يُذكر أن مؤلفة الكتاب، الأكاديمية والفنانة التشكيلية العراقية، سها عبدالجبار رشيد، درست الرسم بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، ثم كلية الفنون الجميلة، ونالت شهادة الماجستير في الفنون، وتمارس التدريس بمعهد الفنون الجميلة للبنات.
وهي عضو نقابة الفنانين العراقيين، وعضو جمعية التشكيليين العراقيين، ولها مشاركات فنية عديدة في الملتقيات والمعارض التشكيلية داخل وخارج وطنها العراق.