لليوم الخامس.. الاحتجاجات تهز فرنسا واشتباكات مسلحة في قلب باريس
حرائق واعتقالات وفوضى عارمة تضرب أكبر المدن الفرنسية
مقتل الشاب نائل قد يفّجر حرباً أهلية بذرتها العنصرية والقمع والانتهاكات
عدوى المظاهرات تنتقل إلى بلجيكا وصربيا وسويسرا ضد عنصرية الغرب
الأسعار تتصاعد في منطقة اليورو والرفاهية أولى من الحرب
الثورة / محمد الجبلي
تواصلت لليلة الخامسة على التوالي الاحتجاجات العارمة التي تعصف بفرنسا والتي اندلعت إثر مقتل الشاب نائل من أصول جزائرية برصاص شرطي الثلاثاء الماضي في ضواحي العاصمة باريس.
وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية في وقت مبكر صباح أمس الأحد، أنه جرى توقيف 719 شخصاً، ما يرفع عدد المعتقلين منذ بداية الاحتجاجات إلى نحو ألفين، فيما كانت الشرطة قد نشرت 45 ألفاً من أفرادها في أنحاء فرنسا.
وجرى تعزيز الأمن في 3 مدن رئيسية هي باريس وليون ومارسيليا، كما أرجأ الرئيس إيمانويل ماكرون زيارة كانت مقررة الأحد لألمانيا للتصدي لأسوأ أزمة تواجه حكومته منذ احتجاجات «السترات الصفر».
وأُفيد بتسجيل حوادث في «الشانزليزيه» في باريس، وفي مرسيليا (جنوب) حيث أوقِف 56 شخصاً، وفي ليون (وسط شرق) حيث أوقِف 21 شخصاً، استنادا إلى حصيلة موقتة.
وكانت النقطة الأكثر سخونة في مرسيليا حيث أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، وخاضت اشتباكات مع شبان في محيط وسط المدينة في ساعة متأخرة من الليل.
وفي العاصمة باريس، نشرت قوة كبيرة من عناصر إنفاذ القانون على طول جادة «الشانزليزيه»، فيما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي منذ الجمعة دعوات إلى التجمع.
وعلى طول الجادة، جالت مجموعات من الشباب الذين ارتدوا ملابس سوداً تحت أنظار الشرطة أمام المتاجر.
وعند نحو الساعة 1:30 (23:30 بتوقيت غرينتش)، كانت الشرطة تعمل على إخلاء آخر المجموعات المتبقية.
وأعلنت السلطات المحلية في أنحاء البلاد فرض حظر على المظاهرات وأمرت بوقف عمل وسائل النقل العام في المساء.
وستزيد الاضطرابات الضغط السياسي على ماكرون إذ تمثل ضربة لصورة فرنسا على الصعيد العالمي قبل عام واحد من استضافة الألعاب الأولمبية، وعلّق الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على المواجهات المستمرة بين المحتجين والشرطة في مختلف المدن الفرنسية، أمس قائلاً: «قرّرنا اتخاذ مزيد من الإجراءات لحماية الممتلكات والمواطنين».
ومن جهة أخرى، أصبح تأثير أعمال الشغب في السياحة في باريس كارثياً بالفعل، ويضاف إلى ذلك الخسائر الهائلة والناجمة عن العنف، والتي يصعب تقديرها راهناً، بسبب تواصل أعمال العنف.
وفي ظل استمرار الاضطرابات، أقيمت مراسم جنازة الفتى نائل المرزوقي السبت، وشيّع جثمانه مئات الأشخاص من مسجد ابن باديس إلى مقبرة مونت فاليريان في ضاحية نانتير الباريسية.
وعمّ الغضب أرجاء فرنسا في إثر مقتل القاصر نائل ذي الـ17 عاماً بنيران الشرطة الفرنسية خلال تفتيش على الطريق في ضاحية نانتير، غربي باريس، وعقب ذلك، اندلعت الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد في مدن مثل مرسيليا وليون وتولوز وستراسبورغ وليل، بالإضافة إلى باريس، حيث قُتل الفتى.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها فرنسا أحداثاً كهذه، إذ كانت مسرحاً لأعمال عنف في مختلف المدن بسبب مقتل شبان يتحدّرون بغالبيتهم من أصول مغاربية ومن دول أفريقية أخرى خلال عمليات تدخّل للشرطة.
إلى ذلك قال المرشح للرئاسة الفرنسية السابق، إريك زيمور، أمس الأحد، إنّ «الاضطرابات في فرنسا يمكن اعتبارها بداية حرب أهلية وعرقية» ، وفي تصريحاتٍ لقناة «يورو ب1» التلفزيونية، أوضح زمور أنّ «الحرب الأهلية هي صدام بين السكان والسلطات، وهذا بالضبط ما يحدث الآن».
ورأى أنّ «سبب ما يحدث هو سياسة الهجرة في فرنسا، بالإضافة إلى تعرّض الشرطة لضغوط مفرطة الآن» ، وأشار زيمور إلى أنّ عناصر الشرطة أُمروا بعدم المشاركة في القتال، لأنّ «هذا قد يؤدي إلى وقوع إصابات، ما سيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات التي لا يمكن السيطرة عليها».
الدوافع والأسباب
كثيرة هي الدوافع التي تقف وراء استمرار الفوضى في فرنسا، إلا أن الدافع الطاغي على الجو العام هو تحجر السلطة وتمردها عن الاستجابة لمطالب الشعب الذي خرج في أكثر من تظاهرة لعدة أهداف.
الوضع الاقتصادي هاجس مشترك، كذلك الوضع الأمني والعنف الذي تمارسه الشرطة مع أبسط قضية في دولة تحب أن تسمي نفسها بحاضنة الديمقراطية وأرض الحريات.
فرنسا منقسمة بين يمين ويسار، ليس انقساما سياسياً فقط، بل أن الخطورة في الانقسام العرقي والعنصري.
وما يؤكد حدة الانقسام عبرت عنه صورة تمثلت في جمع التبرعات لكلى الطرفين – أسرة الشاب نائل – وأسرة الشرطي القاتل.. ومن خلال ما تم جمعه يتضح حجم الاحتقان.
– تم جمع ما يقارب 500 ألف يورو من التبرعات عبر الإنترنت لعائلة الشرطي الفرنسي الذي قتل الفتى نائل في نانتير بالقرب من باريس.
وفي ذات الوقت، بلغت التبرعات التي تم جمعها لوالدة الفتى المقتول، 76 ألف يورو. حيث بلغت التبرعات لأسرة الشرطي ضعف ما جمعت لأسرة نائل, ما يؤكد أن هناك عنصرية قوية تجاه كل من ليس له جذور فرنسية.
يكشف رقم التبرعات عن تأييد واسع لممارسة الشرطة العنصرية.
تم نشر دعوة للتبرع تحت عنوان «دعم عائلة ضابط شرطة نانتير»، على موقع التبرع Gofundme. وشارك في حملة جمع التبرعات أكثر من 24 ألف شخص في التبرعات.
مع العلم أنه تم فتح قضية جنائية ضد الشرطي البالغ من العمر 38 عاما، بتهمة القتل مع سبق الإصرار، وهو حاليا في السجن بانتظار المحاكمة.
بينما شارك في الحملة ما يقارب 5 آلاف شخص.
– الفرق شاسع بين 24 ألف شخص يدعمون القتل والعنصرية وبين 5 آلاف شخص يقفون ضد سلوك الشرطة.
مع هذا هناك موجة قوية تطالب بإلغاء قانون كازينوف.
إذ طالبت رابطة حقوق الإنسان وأحزاب اليسار في فرنسا، أمس الأحد، بإلغاء «قانون كازينوف» والذي يسمح للشرطة بإطلاق النار على من يرفض الامتثال لأوامرها.
وقالت رابطة حقوق الإنسان في بيان: «أن نكون ساخطين لم يعد كافيا، يجب أن نتصرف.. يجب إلغاء المادة L.435-1 من قانون الأمن الداخلي الذي تم تقديمه في عام 2017، وهو يسمح للشرطة بإطلاق النار أثناء رفض الامتثال، إذا كانت حالة دفاع عن النفس».
كذلك، ماتيلد بانوت رئيسة الكتلة اليسارية في البرلمان LFI) ) إلى إلغاء القانون.
شعار فرنسا فارغ
تحت هذا العنوان قال الكاتب الفرنسي كيث ماغي، إن شعار الجمهورية الفرنسية والمادة الأولى من دستورها سيظل حبرا على ورق ما لم تعد البلاد النظر في ممارسات التمييز العنصري فيها.
ويرى الكاتب تفسيرين واضحين لموت نائل؛ أولهما الرفض الوطني لمواجهة العنصرية المؤسسية وثانيهما غموض القوانين الفرنسية التي تحكم استخدام الأسلحة النارية من قبل الشرطة أثناء توقف المرور.
ويبدو أن المادة ١ من الدستور تؤكد ما تدعيه فرنسا من عمى الألوان والمساواة بين جميع المواطنين أمام القانون دون تمييز بسبب الأصل أو العرق أو الدين. ومع ذلك يعاني عدد كبير من المهاجرين من أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي وآسيا وذريتهم لعقود من العطالة عن العمل واستبعادهم من نظام التعليم والفقر المدقع ونقص الخدمات ونقص الرعاية الصحية والتنميط.
– آخر التطورات الميدانية تصعيد من الجهتين، الشارع الفوضوي يدمر كل ما يجده أمامه، وكل يوم يكسب عناصر جديدة إلى صفه.
الحكومة هي صعدت من عمليات العنف ضد التظاهرات.
تقول رئيسة الوزراء الفرنسية، أنها لن تدع أي عنف يمر وستعمل بقوة لاستعادة النظام.
وزير الداخلية الفرنسي، يتوعد ويهدد ويؤكد أن الهجوم على رئيس بلدية ليه لي روزيس جبان ومريع، معلناً عن فتح تحقيق في الشروع بالقتل.. دون أن يحدد الجناة.
بينما قائد الشرطة في باريس، أعلن أنه سنوفر حماية معززة لرئيس بلدية ليه لي روزيس بعد الهجوم على منزله، كما أعلن أن الحافلات وقطارات الترام لن تعمل بعد الساعة التاسعة من هذه الليلة. مؤكداً حشد كل القوى لمواجهة الشارع، ففي باريس فقط أعلن قائد الشرطة حشد 7 آلاف شرطي مساء أمس في باريس لمواجهة أعمال الشغب في محاولة للسيطرة على الوضع أو محاصرته كحد أدنى.
أكثر من 800 حريق في يوم
– محطة LCI الإذاعية، أعلنت نقلا عن معطيات وزارة الداخلية الفرنسية، إنه تم تسجيل أكثر من 800 حريق في الأماكن العامة على خلفية أعمال الشغب التي عصفت بالبلاد مؤخرا.
وأضافت: «تم تسجيل 871 حريقا في الأماكن العامة (بما في ذلك 2560 يوم السبت) و 577 حريقا في السيارات والمركبات (1350 يوم السبت) و 74 حريقا في المباني (234 يوم السبت)».
وأشارت المحطة إلى أن 10 مخافر للشرطة وستة أقسام للشرطة و 10 ثكنات لقوات الدرك تعرضت للهجوم.
عدوى الفوضى تنتقل إلى بلجيكا وصربيا وسويسرا
صحيفة 20Minutes، نقلت عن مصدر في الشرطة السويسرية، إنه تم اعتقال سبعة أشخاص بينهم ستة قاصرين، خلال أعمال شغب في مدينة لوزان السويسرية بسبب التمييز العنصري.
وأشارت الصحيفة إلى أن الوضع في فرنسا المجاورة، أثار الهيجان في النفوس لدى البعض في سويسرا، وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي الدعوات للنزول إلى الشوارع.
وهاجم المتظاهرون المحلات التجارية وتصدوا للشرطة الذين هرعوا لمقابلتهم ورموا رجال الشرطة بالحجارة وبزجاجة حارقة، وكان من بينهم أطفال تقل أعمارهم عن 15 عاما.
– وفي وقت سابق، تعطلت حركة الملاحة الجوية بمطار جنيف في وقت مبكر من يوم 30 يونيو، وأُلغيت 64 رحلة إقلاع ووصول مع إعلان موظفي الخدمة العامة إضرابا بسبب الأجور، التي وافق عليها مجلس إدارة المطار لتجميد أي زيادة في الأجور.
– عنف وشغب في بروكسل
في عاصمة القرار الأوروبي “بلجيكا” أعلنت الشرطة أنها اعتقلت 64 شخصا خلال أعمال شغب اندلعت في بروكسل يوم الخميس الماضي.
وقالت وسائل إعلام، نقلا عن مصادر في الشرطة: «تجمع الشباب في العديد من مناطق المدينة وشنوا استفزازات، ونتيجة لذلك، تم اعتقال 47 قاصرا و16 بالغا وتم وضعهم رهن الاعتقال الإداري».
وسائل الإعلام وصفت الوضع بأنه كان متوترا
مع أقدم مجموعة شبان على إضرام نيران، ومحاولة تطويق الممر الرئيسي في بعض المناطق.
وقالت مصادر ناطقة بالفرنسية في بلجيكا – غالبيتهم من المهاجرين من شمال أفريقيا – إن أعمال الشغب جاءت نظرا لما يجري في فرنسا..
– قطع طريق دولي في صربيا
أنصار المعارضة في صربيا قطعوا الطريق الرابط بين العاصمة الهنغارية بودابست ومدينة سالونيك اليونانية، مساء الجمعة، في منطقتين تقع إحداهما عند المدخل الجنوبي للعاصمة الصربية بلغراد، والثانية في مدينة نوفي ساد بشمال صربيا.
وتستمر احتجاجات المعارضة تحت شعار «صربيا ضد العنف» منذ منتصف مايو الماضي، حيث انطلقت على إثر حادثتي إطلاق نار، أسفرتا عن مقتل نحو 20 شخصا، بمن فيهم أطفال، إذ وقع الحادث الأول في مدرسة ببلغراد ويطالبون بسحب رخص القنوات التلفزيونية التي تحرض على العنف وإقالة وزير الداخلية. بحسب آرتي.
– التأثيرات الاقتصادية تهدد منطقة اليورو
– الأسعار مرتفعة والرفاهية أولى من تمويل الحرب
تراجع معدل التضخم في منطقة اليورو في يونيو 2023، مع انخفاض تكاليف الطاقة، لكن أسعار المواد الغذائية والمشروبات ما زالت مرتفعة، وفقا لما أظهرته بيانات رسمية الجمعة.
وارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية بنسبة 5.5 في المئة هذا الشهر، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 11.7 في المئة في يونيو 2023، مقارنة مع 12.5 في المئة في مايو 2023، بحسب «يوروستات».
وبما أن أسعار المواد الاستهلاكية ما زالت أعلى من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2%، يتوقع محللون أن يتواصل رفع معدلات الفائدة.
أما في ألمانيا خصوصاً وهي أكبر قوة اقتصادية في أوروبا.. فقد ارتفع معدل التضخم إلى 6.4% بفارق 2 عن شهر مايو وفق بيانات مكتب الإحصاء الفيدرالي.
بريطانيا ضمن القافلة
الاحتجاجات مستمرة والاضطرابات تشل الحركة بين فينة وأخرى في ظل تعنت الحكومة ورفضها زيادة الأجور.
تقول رئيسة هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا إن المرضى «يدفعون ثمن» الفشل في وقف الإضرابات في الخدمة الصحية.
وصوت الأطباء المبتدئون لصالح الإضراب لمدة خمسة أيام في منتصف يوليو ، وهو أطول إضراب حتى الآن.
وبعد أيام قليلة من انتهاء الإضراب، في 20 و21 يوليو ، سيضرب مستشارو المستشفى أيضا بسبب الأجور، إلا أن عمل الاستشاريين لا يمكن تغطيته «بنفس الطريقة» مثل الأطباء المبتدئين – وفقاً لبي بي سي.
وواجهت الخدمة الصحية الإضراب طوال هذا العام، وشارك به الأطباء الممرضات، عمال الإسعاف وموظفو الاستقبال وغيرهم بسبب نزاعات على الأجور بشكل رئيسي .
– بلا شك كل هذه العوامل ستقف وبقوة وراء الفوضى في المدن الأوروبية، لأن السلطات لم يعد بوسعها احتوائها، لقد فقد الأوروبيون امتيازات معيشية لصالح تمويل الحرب في أوكرانيا.. تأثيرات الأزمة والعقوبات المتبادلة بدأ يحس بها المواطن، وجعلته يتخلى عن فكرة الحرب التي لم تحقق أي نتيجة حتى الآن، بل انعكست آثارها على رفاهية المواطن الغربي.
– بوصول الغرب إلى أعلى درجات سلم الرفاهية والفساد، بدأ ينزل نحو الأسفل، ومع حالة التقشف وضعف القدرة الشرائية، يتجه الصوت العام لصالح الأحزاب المتطرفة التي ظهرت في الساحة وبقوة، هذه الأحزاب لا تؤمن بالديمقراطية ولا الحريات، إنما بالعنصرية تماماً، كما كان الوضع قبل الحربين العالميتين.