أحداث روسيا العاصفة تنتهي بإعلان قائد فاغنر عودة مليشياته إلى مواقعها

ماذا حدث خلال الساعات الماضية؟ طعنة أم لعنة !

 

 

الثورة / محمد الجبلي
كل هذه العناوين في الأعلى ليست ترجمة لفيلم أو تفسير حلم، هذا ما حدث خلال الساعات الماضية في روسيا التي عصف بها إعلان قائد مليشيات فاغنر التمرد والتوجه إلى روسيا ثم سيطرته على روستوف ومقاطعة أخرى وتوجهه نحو موسكو قبيل إعلانه التراجع مع حلول مساء أمس.
– ساعات عصيبة خيمت عليها الرمادية، والذهول مما حصل، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقشع الرماد وخاطب الروس بما جرى قائلا إنه تمرد وطعنة في الظهر، خطابه بعد ساعات من تمرد فاغنر وتوجهها مع مؤسسها للاستيلاء على البلدات الروسية والمنطقة العسكرية الجنوبية في روستوف.
سنة ثابتة
كل قوة على هذه الدنيا لديها نقاط ضعف مهما كانت نقاط القوة لديها.
لم يحدث حتى مع الأنبياء كمال درجة التحصين. كبرى الإمبراطوريات التي حكمت أجزاء واسعة من العالم لعقود، الفراعنة والملوك.. الكل سقط تحت ثغرة بسيطة، وهذا أمر مسلّم به تاريخياً وعقائديا.. يظهر أن الإنسان مهما كانت قوته واحترازاته سيسقط من حيث يحتسب أو لا يحتسب.
– للدخول في لب الموضوع.
جميع التكتيكات التي وضعها بوتين لحماية الوضع الداخلي، وجميع الخطوات الوقائية والقوانين كانت مثمرة جدا وفعالة، وفعلاً قطعت الطريق أمام الغرب لإحداث فوضى داخلية.
إلا أن بوتين لم يحسب حساب مرتزقته، وهنا ثغرة تسلل عبرها الغرب إلى قلب النظام الروسي أو إلى أخطر ما كان يجب ألا يحدث.
الغرب دخل على الكرملين من الباب بطريقة سحرية لم تكن متوقعة.
صحيح أن هذه الثغرة سيتم سدها ولكن ستكلف الكثير من الجهد والتضحية، هذا إذا تمكن الكرملين من السيطرة على الوضع بسرعة.
شركة فاغنر اليد القاسية لبوتين، هي شركة عسكرية مثلها مثل شركة بلاك ووتر الأمريكية إلا أن الفارق أن الأولى تختلف عن الأخرى أنها أكثر تنظيما ودعما ومقربة جداً من رأس الدولة الروسية.
فاغنر تتشكل من 25 ألف مقاتل ومنتسبوها يتلقون رواتب أعلى من رواتب الجيش الروسي.
بريغوجين مؤسسة المجموعة، بدأ بالتذمر تقريباً منذ بداية الهجوم الأوكراني المضاد، وفجأة وجه سلاحه إلى الخلف وبدأ بهجوم عسكري معاكس، أشبه بالأحلام أو بالأفلام بدون إشعار مسبق أو تحرك مريب غير حالة التذمر.
بعد دعوة بريغوجين للعصيان المسلح وعودته إلى داخل الأراضي الروسية لقتال الروس أنفسهم، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكلمة طارئة وصف دعوة العصيان بالخيانه لروسيا وشعبها متوعدا بمعاقبة منظميها.
وجاء في خطاب بوتين:
« ما نشهده اليوم هو طعنة في الظهر وعلى مقاتلي «فاغنر» تحمُّل العقاب وسيكون الرد قاسيًا نتيجة تمردهم المسلح، وأضاف محذراً.
« أحذر مقاتلي «فاغنر» من الخضوع للمغامرة الإجرامية في وقت تواجه فيه روسيا قتالًا صعبًا».
وأشار بوتين إلى أن القوى الأجنبية كانت تستفيد من الطعنات التي نتعرض لها ولن نسمح بتكرار ذلك وسنواجه اليوم هذه الخيانة الجديدة، كرئيس لروسيا وكمواطن روسي سأقوم بكل ما بوسعي للدفاع عن روسيا ووقف هذا التمرد المسلح».
– الآن يتم تقرير مصير الشعب الروسي ونحن بحاجة لوحدة الصف وحشد جميع القوى في البلاد، ولا بد من نبذ أي خلافات داخلية.
محاولة التمرد العسكري طعنة في الظهر، والسلطات الروسية لن تسمح بانقسام روسيا وستحرص على حماية الشعب.
مقاتلو «فاغنر» سطروا البطولات في العملية العسكرية في أوكرانيا، والخيانة جاءت ممن نظموا التمرد.
الانخراط في التمرد ضلوع في الخيانة، ولا مفر من العقاب.
أي اضطرابات داخلية تمثل تهديدا مصيريا، وإجراءات القيادة الروسية ستكون قاسية.
وسنتخذ كافة الإجراءات وأشدها لإعادة الاستقرار في مدينة روستوف.
إجراءات عاجلة
بعد الخطاب وقَّع الرئيس الروسي بوتين قانوناً يسمح باحتجاز من ينتهك الأحكام العرفية لمدة شهر كامل من التوقيع.
وأعلن الكرملين عن عدة قوانين طارئة وقع عليها بوتين، منها قانون يعفي العسكريين المستدعين في إطار التعبئة والمتعاقدين من المسؤولية الجنائية، وقانون يرفع حد سن الخدمة التعاقدية مع الجيش إلى 70 عاماً.
خطوات عملية واصطفاف خلف بوتين
أما مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية اعتبر محاولة التمرد العسكري أفظع جريمة ولا تبررها أي ميزات سابقة. – البطريرك كيريل، بطريرك موسكو وعموم روسيا، دعا إلى وحدة الصف ودعم جهود الرئيس فلاديمير بوتين، مؤكدا أن أي محاولة لبث الفتنة في البلاد تعد «أفظع جريمة ترتكب بلا مسوّغ».
نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف هو الآخر حث على الالتفاف حول الرئيس بوتين لمواجهة أعداء روسيا في الداخل والخارج الذين يحاولون تمزيق البلاد.
وقال مدفيديف: لن ندع الأحداث تسير وفقا للسيناريو المخطط له كي يتمكن قطاع الطرق من الحصول على أسلحة نووية.
رئيس جمهورية الشيشان الروسية، رمضان قديروف، أعلن بأن قوات الجيش والحرس الوطني الشيشاني توجهت نحو مناطق التوتر مؤكداً على ضرورة قمع التمرد المسلح، وأعلن عن جاهزيته لاتخاذ إجراءات صارمة إذا تطلب الأمر ذلك.
من جهتها دعت وزارة الدفاع الروسية مقاتلي فاغنر للتحلي بالحكمة والتواصل مع قيادات الجيش وأجهزة إنفاذ القانون بأسرع وقت.
– أما لجنة مكافحة الإرهاب الروسية فأعلنت عقب التمرد المسلح عن فرض نظام مكافحة الإرهاب في العاصمة الروسية موسكو ومقاطعاتها تحسباً لأي أعمال إرهابية حد قولها.
– النيابة العامة بموسكو، بدورها ذكرت في بيانها « نحذر الأحزاب ووسائل الإعلام من تشويه المعلومات الرسمية المتعلقة بنظام مكافحة الإرهاب».
– رئيس بيلاروسيا عقد اجتماعين على خلفية الأحداث في روسيا مع قيادة الجيش والحكومة، كما أن مجلس الأمن البيلاروسي، اجتمع بصورة طارئة وأكد على أن بيلاروسيا كانت وما زلت حليفا لروسيا ولا يمكننا البقاء بمعزل عن الأحداث التي تجري في جنوبها.
– الخارجية الروسية، حذرت الدول الغربية من استخدام تمرد فاغنر لتحقيق أهدافها المعادية لروسيا
أصداء خارجية
نقلت وكالة (بي بي سي) البريطانية نقلاً عن متابعين، «أبدى البعض تخوفهم من مجريات الأحداث في روسيا واصفين الأمر بـ «الخطير جداً» لأن اختراق الغرب حسب تعبيرهم لقوات فاغنر وتوجيهها لقتال روسيا، قد يدفع بوتين لاتخاذ تدابير مخيفة جدا.
كما نقلت الوكالة أن أجهزة استخباراتية بريطانية قد أشارت إلى أن جنود فاغنر يتحركون منذ صبيحة السبت باتجاه العاصمة موسكو من مدينة فورونزه الجنوبية، التي سيطروا عليها قبل ساعات.
التمرد بغلاف وطني
لم يدعُ في رسالته إلى إسقاط النظام ولا الانقلاب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اكتفى مؤسس فاغنر بالحديث عن فساد العسكر.
يدرك بريغوجين أن الدعوة لإسقاط الدولة، سترتد عليه شعبياً، ولن يحقق أي تقدم، ما يعني أن الخطة مدروسة وخلفها مخابرات الغرب مجتمعه.
خروج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخطاب إلى الشعب، لم يعد لدى أي من الجنود أدنى شك في أن بريغوجين يقف في وجه الدولة الروسية، وليس ضد وزارة الدفاع.
ودعا بريغوجين إلى انتفاضة ضد قيادات الجيش الروسي، تعهد بأن «يستمر حتى النهاية» و «يدمّر كل ما يعترض طريقه» وطلب في رسالته» عدم المقاومة، أي شخص يفعل ذلك سيعتبر تهديداً لنا وسيتم تدميره. ينطبق ذلك على أي نقاط تفتيش وطيران على طريقنا».
وقال بريغوجين إن جميع قوات فاغنر، التي يفوق عددها 25 ألف شخص، «على استعداد للموت» لتحقيق هدفهم بعزل القيادات العسكرية الروسية.
وكان بريغوجين خلال الأشهر الماضية يتهم قيادات الجيش الروسي، بإعاقة عمل قواته في أوكرانيا، ومنع الإمدادات عنها على الجبهات المختلفة، وهدد مرارا بسحب قواته، في صورة متسلسلة عن التذمر الذي أدى إلى هذه الفوضى.
بولندا ولاتفيا وجميع دول الغرب المحادة لروسيا أعلنت عن تعزيز أمن حدودها وفرضت منع دخول الروس إلى أراضيها.
انعكاس التمرد على أرض المعركة.
تمرد فاغنر وانسحابها من المناطق الأوكرانية وتغيير وضع الهجوم إلى الهجوم المعاكس، لم يؤثر على سير المعارك في الميدان، ولم تحقق القوات الأوكرانية أي تقدم ما عدى بعض المناطق.
تقول القوات الأوكرانية والخليط الغربي، أنها استعادت السيطرة على مواقع كانت محتلة منذ عام ٢٠١٤ في منطقة كراسنوغريفكا جنوب شرقي دونيتسك.
– حلف شمال الأطلسي يراقب الأحداث بصمت، لم يتسرع ببيان إعلان الدعم للتمرد، لكنه وبلا شكوك وراء هذه الهزة التي تطغوا عليها مطابخ الإعلام.
إلا أن صحيفة وول ستريت جورنال، نقلت عن مصادر، بأن واشنطن تعتزم تأجيل فرض عقوبات جديدة على فاغنر حتى لا تبدو منحازة لأي طرف في روسيا.
مع خروج بوتين ليطلع الشعب على الواقع، ربما ينتهي مفعول خطاب فاغنر المصبوغ بالوطنية لكسب الجيش والسكان.
تحركات موسكو يظهر فيها الجدية، من هذه التحركات اتضح أن المؤامرة كبيرة.
من خلال متابعتي للوضع منذ بداية الأحداث أعتقد أن أمام بوتين خطة من ( أ و ب ) .. مع اعتقادي بأن الانقلاب محسوم بالفشل في كل الأحوال خطة ( أ ) تسعى لحسم المعركة قبل أن تتمدد وتتدخل قوى معادية.
خطة ( ب ) في حال طالت المعركة في الداخل الروسي، أعتقد أن لدى بوتين خيارات لنقل المعركة إلى أوروبا.. سننظر ماذا سيحدث!
أخيراً…
نجحت الخطة ( أ ) بإعلان بريغوجين التراجع وجاء في رسالته: تجنبا لسفك الدماء الروسية قررنا ونحن على بعد 200 كلم من موسكو إعادة المقاتلين إلى معسكراتهم.

الآن أمام بوتين مشكلة وهي كيف سيتعامل مع جيش غير نظامي وكيف سيتمكن من تفكيكه إذا لزم الأمر ؟
هذه القوات باتت تشكل تهديدا داخليا خطيرا، والخيار الوحيد أمام القيادة الروسية هو التخلص من هذا الجيش المرتزق قبل أن يصنع هزة داخلية، تشغل القادة عن رسم السياسة الخارجية.
السؤال الذي يبحث الجميع عن الإجابة..؟
هل فعلاً فاغنر اتخذت هذه الخطوة بتأثير من مخابرات الغرب.. ؟
أم أنها عفوية.. وحالة منضبطة لكل فئات الارتزاق.. المال مقابل القتال.

قد يعجبك ايضا