* محمد القعود

أحوال 2

 

 

1
لا أحد يفهمك يا فتى الشجن ..
لا أحد يتفهّم رؤاك يا فتى المطر..
لا أحد يستوعب جموح شغفك بالأمكنة والأزمنة وألحان الملامح، والظلال، ولا أحد يتركك مع ذاتك وتأملاتك وسفرك في الوجوه والمعاني واللحظات..!!
تريدُ أن تتسكع كريحٍ طليقةٍ بين الدروب والآفاق، تحلّق وترفرف بأجنحة الحريّة وما تُملي عليك رغبة خُطاك المتحررة من قيود الاتجاهات ولاءاتها.
تريد أن تمشي وعلى فمك أغنية وصفير..
تريد أن تجول وتصول طويلاً وعميقاً في ثنايا أرصفة المدينة، وتنهل من حكاياها ودفء أسرارها، وتخزن في أعماقك طاقة جديدة من الروعة والذهول..!!
تريد ُأن تركض تارة .. وتهرول تارة .. أو تتوقف فجأة لتضحك من خاطرٍ عابرٍ..
ومن مفارقة ساخرة ومؤلمة ..!!
2
تريدُ أن ترتشف فنجان الشاي بطريقتك البسيطة.. وتتلذّذ بكل ارتشافٍ، وتُصغي بمتعة فائقةٍ لصدى صوت الارتشاف.
تريدُ أن تجلس في المقهى.. وتتأمل وجوه الناس.. وحالاتهم وأحوالهم ونظراتهم القلقة وملامحهم المختلفة وآمالهم المتدلية من عيونهم وتقرأ ما بها من سطور ناطقة وما تخفيه أو تبديه ملامحهم المتغضّنة والمكتهلة والمتوارية خلف تقاطيع الزمن والشجن والتعب والقلق والتوجس والانتظار لشيءٍ ما !!
وتستمع إلى النقاشات الحادة والمرتفعة بينهم حول كل شيء، وعن كل شيء والتي دوماً تنتهي إلى لاشيء..!!
3
تجلس على رصيف حديقة متهالكة، عامرة بالذكريات, وبصدى من امتلأوا بجمالها ونسيمها وتركوا في عهدتها عطر محبتهم وظلالهم.. وتستمع إلى فوضى العصافير.. وشغب المارة .. وجدل الأشجار مع الريح .
تحاول أن تخرج دفترك الصغير لتدوّن عليه فكرة طارئة أو مطلع قصيدة.. أو جملة تداهمك قبل أن يطويها النسيان ويلّفها المجهول بين طياته..!!
أو تحاول استحضار تقاسيم وجه أو تضاريس فمٍّ أو تماوج ضفيرة أو تمايل وردة، ورسم ذلك على ورقة تائقة لأنيس يبدد وحشة بياضها ..!!
تتلمظ بشفتيك متذكراً قَبلة اتخذت من شفتيك وطناً، وحقلاً، لتلقي بنفسها وتسفح شهدها .. وتغمرك بجنون جموحها وتشوّقها، وبترف لهفتها..!!
4
تمدَّ بصرك إلى أول الشارع.. فترى خيالها يخطو.. وعلى فمها بسمة وردية وفي عينيها لوعة ودعوة للمشاغبة والمرح والتسكع والسفر على أجنحة الأشواق والخيال..!!
تحاول أن تنهض من مقعدك وتسرع إليها.. وما تكاد تفعل، حتى يتلاشى خيالها، ساحباً ظلالها، ليتركك وحدك مع خيبة أملك وحسراتك التي ستظل دائماً آهتك المزمنة وجرحك الذي لا يندمل.. وانتظارك الذي يطول.. وأغنيتك المحببة، التي يتردّد صداها في أعماقك..
ياآآآه .. وآآآه على قلبي..
5
تستمع إلى حديث مجنون جديدٍ، يظهر في محيطك، وتتأمل حركاته ولفتاته ومفرداته وكلماته الغريبة وهيئته المختلفة عن رفاقه الكرام.
تحاول أن تجادله .. فتجد نفسك في عالم غير واقعي وملخبط.. وفي كوكب بعيدٍ!!
تضحك من القلب لنكتة طازجة أو لموقف مر بذاكرتك ..
6
متسوّلة حسناء ترمقك بشراسة ومن عينيها تطل ذئاب الغواية بعواءاتها المخترقة أعلى حصون الممانعة والصدّ والرهبة..
7
صديق يشرح لك ظروفه القاسية وكيف قلبت له الدنيا ظهر المجن، وتحرج أيما إحراج لأنك خالي الوفاض ويدك قابضة على ريحٍ، وحالتك المادية تشكو من كثرة الأصفار .. وتتألم حينما لا تستطيع مساعدة المحتاج إليك..!! . ان صديقك المغلوب على أمره، يجعلك في حالة محزنة، وتبحث له عما يساعده ويشدّ من أزره ..
وتتخيل أنك من ذوي الجاه، لتمنحه المال الوفير، وتقول له: ُعدْ إلينا إن عاد إليك الفقر.. أو تهبه صرّة من المال على سبيل القرض قائلاً له: هاك يا صديقي .. لحين ميسرة..!!

قد يعجبك ايضا