تعتبر الحياة بمضمونها العام مجرد تفاعلات ومواقف وأحداث تجري بين الناس، والتي لا يجد الفرد في أي مجتمع ما بداً من الخوض فيها مع الخائضين، لأن “الناس حياة الناس” عموماً : كما يقال في المثل الصنعاني، فمنها ما قد يصير بين الناس ولا يفسد للود قضية، وهذا أمر طبعي ورائع، ومنها ما يخلق جراء تلك التفاعلات صراعات ومشاكل مصدرها الشيطان “ونعوذ بالله”، والتي لا يكاد يخلو منها مجتمع ما، كون المجتمع المثالي أمراً لا يوجد إلا في الخيال، وهذا ما يقر به فلاسفة العصور قديمها والحديث، بيد أن الواقع يشهد أن الصراع البشري أمر حتمي مهما تحاشاه الناس، فقد تأتي صراعات ومشاكل بمحض إرادة الفرد والجماعة لأسباب جمة إما حقوقية أو تفاعلية كشجارات وخلافات بسبب مواقف معينة ومثيرة ومؤججة غالباً ما يكون سوء الفهم وقلة الوعي والتسرع والظروف النفسية للأفراد والجماعات عاملاً مهماً وواضحاً، مما تؤدي لنتائج سلبية وملموسة، ومنها ما تأتي كظرف أجبلت عليه ولا يجد الفرد أو الجماعة حيلة وبداً من مواجهته، كما الصراعات القبلية والأسرية والمجتمعية التي لها ارتباطات معينة تحتم على ذلك أو أولئك الخوض فيها ومعها، كقتال قبلي وأسري ومجتمعي من حروب وعدوان وغيرها، والتي قد لا يكون للفرد أدنى ولا أعلى سبب من تأجيج المشكلة والصراع وغيره كذلك، إلا أن الدواعي المترتبة عليه تحتم عليه أو عليهم الاندفاع والتفاعل الإيجابي أو السلبي مع تلك الأحداث، وقد ينجو الفرد من حيثياتها ومسبباتها الإجرامية أو المانعة لحدوث شر ما وقد لا ينجو، وهذه المشاكل والصراعات بمجملها تؤدي في آخر الأمر إلى قيام السلطة بضبطهم ثم مثولهم واحتكامهم وتحاكمهم إلى القانون والعرف، عندها يستلزم توقيف أشخاص معينين ومحددين وإيداعهم في الإصلاحيات والسجون التي أوجدتها الدولة وتقوم عليها، كون مسؤوليتها الضبط والربط بما يثبت الوضع العام، وبكونها السلطة الوحيدة للمجتمع يخول لها القانون عمل ذلك بدون أي ممانعة أو عراقيل أو صد وتعد من أي فرد من المجتمع يحول دون ذلك، وكذا بأسلوب لا يوجد فيه تعسف أو تحامل أو استقصاد من أحد ضد أحد، إلا وفق ما حدده القانون الذي يحمي حقوق الناس فيما بينهم، والقانون والدولة ملك الجميع ويحمي الجميع.
ولذا ومن هذا المنطلق، فإن الدولة ممثلة بوزارة الداخلية قد أنشأت مؤسسة حكومية عادلة اسمها (مصلحة التأهيل والإصلاح) التابعة مباشرة لوزارة الداخلية، والتي من شأنها تنفيذ الأحكام والتحريات والقوانين للمحاكم والأقسام الشرطية وغيرها وفق القانون، وعلى أساس أنها مؤسسة إنسانية بحتة، مهمتها ضبط وإيواء واحتجاز نزلاء السجون والإصلاحيات المركزية والفروعية داخل الجمهورية، الذين صدرت بحقهم أوامر لتحريات حتى يتم استكمالها أو أحكام نافذة توجب إيداع الشخص في السجن وفق نطق الحكم بحقه والعقوبة المفروضة عليه، ولذا وبما أنه كذلك، فإنه تتبين لنا أهمية مؤسسة حكومية كهذه، كونها أنشئت لحفظ حقوق الناس وردعهم ومعاقبتهم بالسجن وهو كتنفيذ للأحكام القضائية ليس إلا، ضد كل مجرم ومتعد على حقوق العامة والخاصة.
من يتأمل في دور مصلحة التأهيل والإصلاح الحكومية، يجد أن دورها يبرز من خلال تسميتها، فالتأهيل والإصلاح لنزلاء السجون والإصلاح هو مهمتها الأساسية، قبل أن تكون مؤسسة للضبط والربط والتنفيذ، وهذا يدل على أن مهمتها مهمة إنسانية بحتة، كونها تضبط وتحبس ولكن لكي توقف أي متعد فلا يجرؤ غيره بالتعدي وتكراره من آخرين قال تعالى :” ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب” صدق الله العظيم، فضبط وحبس وتوقيف المجرم والمتعدي للحقوق والقوانين معناه وضع حد للمشكلة وتجفيف لمنابعها، أي وسيلة الردع هذه تعد وسيلة إنسانية لأنها
حتى لو تضرر المجرم والمتعدي كفرد معين واستحق وفق نطق الحكم عليه تلك العقوبة إلا أنها ردعت ومنعت وأدبت بشكل مباشر وغير مباشر باقي أفراد المجتمع وخاصة من تسول لهم أنفسهم ارتكاب نفس الخطأ والجرم بحق العامة والخاصة، وهذا يمكن اعتباره فعلاً تنفيذاً للمقولة :” إن من أهم مهام الشرطة منع وكبح الجريمة قبل وقوعها”، فالضبط منع للجرم والجريمة ومنع الجريمة وردع المجرم حفظ للحقوق والأرواح والممتلكات العامة والخاصة وحفظها حفظ لاستمرار الحياة بسلام ورخاء، وهذا بالضبط ما يريده الإنسان من عالمه ووضعه، ولذا فهذا عمل إنساني بحت، ناهيك عن أن المجرم والمتعدي داخل السجن بسبب جرم وتعد، والذي قد يكون كما ذكرت لكم أول المقال إما أخلاقياً أو نفسياً أو قلة وعي وإدراك، ولذا فمهمة المصلحة هي تأهيل نزلائها وفق الشريعة الإسلامية وتثقيفهم وتهذيبهم وحثهم على مراجعة أنفسهم والندم والاستغفار بما لا يعودوا لمثل ذلك، كما أن الكادر الوظيفي من منتسبي الشرطة في هذا المؤسسة البطلة لا يألون جهداً في توفير أقصى سبل الراحة والطمأنينة لنزلاء السجون والإصلاحيات كالمأكل والمشرب والإيواء السليم وفق برامج محددة ومعقولة وغير مجحفة أو منقصة أو متعسفة، وهذا يدل على نبلهم وإنسانيتهم، فلهم منا ورئيس المصلحة والوزير وقيادة الدولة والمسيرة القرآنية كل الشكر والتحية.
،،ولله عاقبة الأمور،،.