أحوال

* محمد القعود

1 –
صديق يشرح لك ظروفه القاسية وكيف قلبت له الدنيا ظهر المجن وتحرج أيما إحراج لأنك خالي الوفاض ويدك قابضة على ريحٍ ، وحالتك المادية تشكو من كثرة الأصفار .. وتتألم حينما لا تستطيع مساعدة المحتاج إليك..!! أن صديقك المغلوب على أمره ، يجعلك في حالة محزنة ، وتبحث له عما يساعده ويشدّ من أزره ..
وتتخيل أنك من ذوي الجاه ، لتمنحه المال الوفير ، وتقل له: عد إلينا إن عاد إليك الفقر .. أو تهبه صرّة من المال على سبيل القرض قائلاً له: هاك يا صديقي .. لحين ميسرة..!!
2 –
صديق يسرّب إليك من تحت الطاولة رواية أو كتاباً جديداً ولا يريد إعارته لغيرك وخاصة بعض المثقفين والمتأدبين ممن يحلو لهم استعارة الكتب, ولا تعود منهم أبداً لأن شعارهم من أعار كتاباً فهو مغفلا .. ومن أعاده فهو أكبر المغفلين..!!
3 –
أحدهم يسألك عن الطقس ودرجة الحرارة بينما هو يرتعش من البرد, أو يتعرّق من الحرارة باحثاً عن سبب التغيرّ المفاجئ للطقس..!!؟
أحدهم يلّح عليك أن تستمع إلى آخر ما كتبه من سطورٍ بهيئة وأفكارٍ ألمعية وكلمات مضيئة..!
أحدهم يبدي إعجابه بما تكتبه.
أحدهم يصبّ عليك ملله ومشاكله ويحاضرك بالصجر والتأفّف الخانق..!!
وآخر يقتحم خلوتك مع نفسك وبدون مقدمات ولا أحم ولا دستور يطلب رأيك في ثقب الأوزون..!؟
4 –
* يتعالى صوت أغنية قادمة من محل قريبٍ.. تتمايل بعض الرؤوس بجوارك في انسجام جميلٍ .. وكلما كانت الأغنية عن لوعة فراق أو حنين لزمنٍ ماضٍ أو لحبيبٍ غائب ، ترى أحداق العيون تومض بدموعٍ مؤجلة .. وترى أسراب آهات موجوعة ترفرف بأسى , منطلقة من قلوبٍ وصدور عامرة بالحنين .. تزفرها زفرة , زفرة.. لتفصح عن مكنوانات مكبوتة , ولتلمح ولا تصرّح , وتومئ ولا تفصح , وتبوح بأحاديث مترعة بالمشاعر النبيلة .. ولكن من دون لغة أو كلمة..!!
5 –
وأنت في حالة عناق واندماج مع صمتك وقهوتك وتأملاتك تجد أحدهم يقف بجوارك كعمود إنارة.
تتطلع إليه ، ثم تدعوه إلى الجلوس ، فيرد عليك بصوت ساخرٍ ومتعالٍ:
– القياصرة لا يجلسون مع الصعاليك ..!!
ثم يأمرك بصوتٍ فخيم:
– أنت أيها الآدمي هات لي وبسرعة ” واحد شاي وحبّة سيجارة مع سندوتش كبيرٍ يشبع المعدة .. مفهوم”..!!
أنفذ طلبه بسرعة قصوى .وأدعوه للجلوس على أحد مقاعد المقهى . لكنه يأبى ويأنف ذلك ويرد متنمّراً:
لن أمنحك شرف الجلوس مع حضرتنا المعظمّة أيها الصعلوك المتصعلك ..!!
فأتركه في عالمه ، وألجم صوتي عن مخاطبته ، حتى لا أجد نفسي وقد أصبحت أحد عبيد بلاطه الإمبراطوري .. هه .. هه .. هه!!
وما هي إلا لحظات حتى يتحرك بخطى واثقة ، نحو جهة الشارع الموغل في أحشاء المدينة .. ويغيب في أعماق المجهول..!!

قد يعجبك ايضا