منذ ما قبل الحربين العالميتين سادت ثقافة الغاب، وثقافةُ استئثار القوي المهيمن بـ»الصوف والخروف» معاً!.. وغدا الغرب العنصري المهيمن السالب الناهب والقاتل بكل الوسائل، في كثير من الأحيان والحالات.. هو اللاعب الرئيسي في الغابة العالمية، والممسك بكل خيوط اللعبة، وآلت الأمور إلى سقوط معظم شعوب العالم تحت أقدام التوحش المعمِّمِ للمآسي والمجاعات والكوارث السياسية والاجتماعية التي لا حدود لها، وصارت الصورة النهائية لواقع المجتمعات العربية الإسلامية وبقية المجتمعات الواقعة بين أنياب ذاك التوحش المسعور فوق قدرة الواصف على الوصف..!
في قلب هذا الواقع.. أمسى تفقيرُ المجتمع المستهدف ووضعُ أفراده وأُسَرِه تحت ضغط الفاقة والعوز الشديد، مدخلاً أساسيا للكثير من الأخطار والانحرافات.. وكثيرٌ من الثوابت والمبادئ والخطوط الحمراء الدينية والثقافية والأخلاقية والقيمية والوطنية.. يسقط تحت أقدام المال المهيمن المتربص، ويتهاوى أمام بريقه، بالنسبة إلى إنسان يسحقه الفقر وشظف العيش، خصوصا عندما يكون هناك هشاشة في الوازع الإيماني والضميري والثقافة المحصِّنة، وأيضا بالنسبة إلى واقع تتحكم فيه آفات الفساد وانعدامِ العدالة والظلم.. والسلطةِ الفاسدة.
إن الفساد والفقر صنوان متلازمان في الوصول بالمجتمعات إلى قعر أوضاع تهددها بالانهيار والتلاشي، وهذه حقيقة أضاء عليها، باكرا، الإمام علي(عليه السلام)بقولته الحكيمة البليغة:»ما جاع فقير إلا بتخمة غني».. وهذا حال معظم بلدان منطقتنا العربية والإسلامية، التي دأب الأعداء-ورأسُهم أمريكا والغرب الصهيوني-على الدوام، لنهب ثرواتها وخيراتها الطائلة، بتواطؤ النخب الفاسدة العميلة.. وإغراقها في لجة الفساد والفوضى والشلل المؤسسي، على النقيض من شعاراتهم المعلنة تماما! لأن الفساد-بكل أشكاله-يخدم أولئك الأعداء.. فهو يضعف الدولة المستهدَفة، ويدمرها ببطء ويقوض بِناها الثقافية والروحية والمعنوية الضامنة.. ، ويوفر لأولئك الأعداء الذرائعَ والمبررات للتدخل في شؤونها والهيمنة عليها..
ولعل من أخطر تجليات السياسات الاستنزافية الإفقارية للشعوب، التي تتبعها دول الرأسمال الهيمني المتوحش والمستكبر.. استهداف العقول النوعية وذاتِ الكفاءة والتأهيل والقابلية للإبداع في شتى المجالات وروادِ الصناعة الثقافية الواعدة.. إما باستقطابها ودفعها إلى الهجرة نحو الغرب هربا من سوء أوضاع بلدانها الطاردة للعقول والكفاءات.. أو بمحاولات التصفية الجسدية والاغتيال، وقد نجحوا في كثير من هذه الجرائم خلال العقود الماضية وحتى اليوم.. حيث اغتيل العشرات من العلماء والأكاديميين والمثقفين الإيرانيين وقبلهم من نظرائهم العراقيين ،وقبل ذلك تمت تصفية الكثير من هذه الكفاءات البارزة ،على فترات مختلفة، مثل العالِم في مجال الذَّرة يحيى المشد والروائي غسان كنفاني والفنان الكاريكاتوري والتشكيلي الملتزم ناجي العلي، وصولا إلى الدكتور أحمد شرف الدين والعلامة المرتضى المحطوري والدكتور عبد الكريم جدبان والأديب والسياسي الشهيد عبد الكريم الخيواني، وسواهم الكثير.. وجلُّهم من مصر ولبنان وفلسطين واليمن ومن بلدان عربية وإسلامية أخرى..
هذه الجرائم وسواها تكشف عن أنانية وعنصرية هذا الغرب المتأمرك والمتصهين وإجراميته وعقليته المريضة وثقافته الاستحواذية الاستئثارية النهمة والجشعة.. وفي جرائم أخرى، على السياق نفسه، وضمن ملابسات ودوافع سياسية أكثر حقدا وإجرامية وتوحشا استهدفوا قيادات ورموزا كبيرة ، كالشهيد القائد السيد حسين الحوثي، والشهيد الصماد ، والشهيد الحمدي، وكذلك القائدين الشهيدين سليماني والمهندس في العراق وغيرهم الكثير في منطقتنا عموماً..