إرادة أمريكا تجبر السعودية على التخلي عن مشروع زراعة القمح رغم إمكانياتها المادية المهولة

ما بين مصداقية قيم العمل التعاوني وعجز قوانين ونظريات القيمة: المهندس وائل الفار: إعادة إحياء وتفعيل المشـاركة المجتمعيـة فـي التنمية كأولوية وركيزة مهمة للنهوض الشامل

في أمريكا.. مهمة الدولة لا تتعدى التخطيط وإدارة السوق ومن ينتج هو المزارع والجمعيات التعاونية
منتجو قوانين القيمة والقيمة المضافة لم يصلوا إلى القمة بمعايير وشروط قوانينهم وإنما بتضحيات المنتجين
الإنسان اليمني.. تاريخ حافل بأصالة العمل التعاوني وفزعات التغلب على الشدائد وصناعة المستحيلات

تلعب المشـاركة المجتمعيـة بالارتكاز على تضافــر الجهــود والتعاون والمساندة المشتركة بين كل أصحــاب العلاقة في (الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية والسلطات والفعاليات المحلية والقطاع الخاص)، دورا محوريا في تحقيــق تنميــة شاملة وتلبيــة الاحتياجــات المتناميــة والمتنوعــة للمجتمــع فــي كافة المجــالات.
في ضوء ذلك، وبالتزامن مع بدايات انطلاقة مؤسسة بنيان التنموية في العام 2017م، كحامل رئيسي لبرنامج إعادة إحياء وتفعيل المشاركة المجتمعية، والشريك المجتمعي الأكثر فعالية في ميادين العمل التعاوني التنموي الحكومي- المجتمعي وتطبيقات البرنامج الوطني الشامل للرئيس الشهيد صالح الصماد «يد تبني، ويد تحمي».
ولتسليط الضوء على خلفيات البرنامج، واطلاع القارئ الكريم على نبذة عن خلفيات ومرجعيات العمل التعاوني في اليمن، التقينا المهندس وائل الفار أحد قيادات العمل الطوعي بمؤسسة بنيان التنموية، وكانت هذه هي حصيلة اللقاء:
لقاء/ يحيى الربيعي

قال مدير منطقة الأمانة وصنعاء بمؤسسة بنيان التنموية، المهندس وائل مهدي الفار: «يمتاز اليمنيون منذ فجر التاريخ الإنساني بأصالة التعايش بمبادئ وأعراف العمل التعاوني والتكافل الاجتماعي وتضافر الأيادي في فزعات التغلب على شدائد الملمات أو صناعة المستحيلات.. وهذه حقيقة مثلت المرجعية التاريخية لانطلاقه برنامج إعادة إحياء وتفعيل المشـاركة المجتمعيـة فـي التنمية كأولوية وركيزة مهمة، ومتطلباً ملحاً لتشييد مداميك مشروع النهوض الشامل اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وفي الجانب الزراعي على الوجه الأخص.
مشيرا إلى أن من يرى في ما جاء به «قانون القيمة»، مسارا صحيحا لقيادة الثورة الزراعية ومركبا آمنا للوصول بالبلاد إلى بر أمان الاكتفاء الذاتي من أولويات الغذاء والملبس والدواء، لا يعي حقيقة المرحلة التي تمر بها البلاد، أو قل إنه يرى أن الوضع طبيعيا، وأن البلاد تعيش حالة مستقرة، والكل يمر بشكل شبه طبيعي، حينها يأتي اللجوء إلى هذا القانون أو هذه الآراء والأطروحات من باب الترف، وحب إثارة النقاش وإضاعة الوقت في الأخذ والرد.

ويضيف: «وجائز- أيضا- القول بأن صاحب هذا الرأي أو هذه الأطروحة، لم يتطرق إلى العوامل المؤثرة والمحيطة بعملية زراعة القمح في الوطن العربي.. وكأنه- أيضا- لم يلق نظرة إلى الوضع السابق في الثمانينيات، ويقارن بينه وبين ما سبقه بـ 50 سنة، عندما كانت اليمن مكتفية ذاتيا في غذائها وملبسها وحتى في دوائها كي يتساءل هل كان حينها قانون ماركس في القيمة معمولاً به؟

»ويسترسل « ألم يتساءل صاحب هذا الطرح بصيغة أو بأخرى، ثم يبحث لتساؤلاته عن إجابات: هل كان السابقون يعملون بقانون القيمة حتى أنهم عندما تخلوا عنه تدهور إنتاجهم من القمح أو شيء من هذا القبيل؟

مقترحا «وإذا ما افترضنا جدلا أن هذا القانون كان موجودا، ومعمولا به كنظرية، فإن ذلك الاقتراض لابد سيقودنا إلى طرح أسئلة أخرى من مثل: هل كانت الإمكانيات متوفرة وفقا للشروط والمعايير التي يضعها هذا القانون أو هذه النظرية؟»

وينفي «طبعا، الإجابة ستكون حتما «لا»، بل لم يكن لينطبق على إمكانيات ذلك الزمان أو المكان شيء من شروط ومعايير هذا القانون، هذا ثانيا.. وثالثا: ما هو وضع الدول التي عملت بهذه القوانين؟»

ثم يستشهد «عندما نأتي نحلل الوضع بشكل صحيح، سنجد أنهم لم يعملوا بهذه النظرية بحذافيرها، من أول انطلاقة لهم، ولا حتى من عاشر انطلاقة، وإنما كانت هناك عوامل أخرى مساندة وهي كثيرة، ولعل أهمها إحكام السيطرة التامة على مقدرات الأمم اقتصاديا والتحكم في قرارات بلدان العالم سياسيا من خلال تكوين وفرض هيمنتها على عدة منظمات أممية وشركات احتكارية عالمية».
ويؤكد أن «ذلك هو ما مكن تلك الدول من النجاح؛ أي: أن نظرية المؤامرة هي التي فرضت هيمنة تلك الدول الاستعمارية والشركات الاحتكارية على ما سواها من دول ما يسمى بالعالم الثالث، والذي تحول بطبيعة حاله- حاضرا- إلى سوق لاستهلاك ما تنتجه تلك الدول والشركات من منتجات وصناعات، واستجلاب العمالة الرخيصة، وفي أحسن الأحوال مناطق طاردة للعقول المهاجرة إلى تلك الدول».
ويسترجع «قد لا ننكر حقيقة أن ثمة كلاماً علمياً مطروحاً في قوانين القيمة والقيمة المضافة أو النظريات الاقتصادية، لكن ذلك يظل مجرد وهم إن لم نقل رمادا يذر على أعين المتوهمين في إمكانية أن يصير لمثل هذه الأطروحات مجال في إدارة حركة إنتاج واقتصاد دول العالم أو حتى في بقعة منها».
موضحا «لو تعمقنا في بعض مما يطرح من كلام علمي في هذه القوانين أو مثيلاتها من النظريات، وأخذناه إلى حيز التطبيق العملي، لا شك أننا سنحصد في الميدان نتائج مغايرة تماما لما طرح».
ويدلل «نأخذ التجربة السعودية عندما اتجهت لإنتاج القمح، واشتهرت بنشر تلك الصور من مساحات القمح المروية بوسائل الري المحوري كمثال.. ولنتساءل: لماذا لم تنجح السعودية، وهي البلد العربي الأكبر والأجدر بما لديه من الإمكانيات المادية والمالية بحكم ما تستحكم عليه من الموارد الضخمة من عائدات بيع النفط، بل إنها الدولة التي بإمكانها ألا تفكر في قانون الربح مطلقا كعائق لتحقيق هدف الاكتفاء الذاتي من الغذاء، لأن الحكومة السعودية كانت قادرة بإمكانياتها الحكومية الكبيرة أن تغطي أي عجز، وأن تقفز بزراعة القمح قفزات نوعية نحو الاكتفاء الذاتي، لكن الضغط الدولي الذي حدث على حكوماتها وخصوصا من أمريكا -المصدر الأكبر للقمح في العالم- جعل السعودية تتراجع عن التقدم خطوة في المشروع».
مضيفا «اليمن، هي الأخرى، جربت- واعتقد أن ذلك كان في عهد حكومة الدكتور عبدالكريم الأرياني- حينما قامت بعمل مساندة للمزارعين من خلال شراء كميات الإنتاج من القمح، واتجه- في المقابل- كبار الانتهازيين المفسدين إلى خلط قليل من المنتج اليمني بالكثير من المنتج المستورد والمدعم من قبل الدول المنتجة كي يصل إلى يد المستهلك اليمني بـ 30% من كلفة إنتاجه محليا.
ويواصل «وهذا أدى ضربة قاصمة للحكومة حينها، فقد باتت في الواقع لا تشتري المنتج اليمني من القمح، وإنما القمح الأجنبي، ومن التاجر المستورد ذاته بأضعاف أضعاف قيمته الشرائية من المصدر، ثم ترده إليه بثمن استيراده من الخارج، وربما أقل، وبالتالي أصبح المستورد حينها هو المستفيد الوحيد».
مضيفا: «لذا، لا بد أن يصل إلى إدراك وفهم الجميع أن منطلق الثورة الزراعية في اليمن، هو منطلق جهادي يعتمد التوكل على الله عز وجل كركيزة أساسية، خاصة ونحن نعيش الواقع الراهن، لا ولن نعتمد مطلقا على قانون الربح والخسارة (القيمة)، أو على أي من النظريات المادية المماثلة له في الطرح والاستنتاج، لأن ذلك سيكون غير مجد، بل ومستحيل التطبيق».
ويشدد «من هنا، كان لازما أن تكون بداية مسار الثورة الزراعية، هي بالعودة إلى المنهجية التي كان عليها الآباء والأجداد، في الاعتماد على الله عز وجل، وترك المزارعين أنفسهم كي يعملون على استعادة قدراتهم على الإنتاج وتحسين الجودة، على أن يبرز دور الدولة في وضع الاستراتيجيات الواضحة لتوزيع الإنتاج وترتيب وضبط حركة التنقل بين حلقات سلاسل القيمة».
ولفت إلى انه «في أمريكا وزميلاتها من الدول المتحكمة بصادرات القمح في عالميا، الدولة لا تقوم بزراعة المحصول، وإنما تركز اهتماماتها بوضع الاستراتيجيات ورسم الخطط وضبط حركة سلاسل القيمة.. من ينتج القمح هو المزارع بإدارة جمعيات تعاونية وشركات مساهمة واستثمارية».
وأضاف قائلا: «الدول المتحكمة بزراعة وتصدير القمح في العالم ركزت على جانب التسويق، فهي تخلق السوق في بلدان ما يسمى العالم الثالث، وتحميه من الاختراق بالمنتج المحلي بفرض هيمنتها وسيطرتها كي تضمن استمرارية السوق متاحا أمام منتجات مزارعيها من القمح وغيره من المحاصيل أو المنتجات».
واختتم: «نستنتج أن التضحيات في بدايات الدول التي تحتكر إنتاج وتصدير محصول القمح، حاضرا، كانت من جهة المنتج؛ أي أن المجتمع الرأسمالي نفسه الذي أنتج قانون القيمة، لم يصل إلى قمة ما وصل إليه بمعايير وشروط ذلك القانون كما يدعي، وإنما بتضحيات المنتجين، وبما رسمته دولهم من سياسات وآليات للتسويق.. اضطرت المجتمعات المنتجة في تلك الدول إلى التضحية على مدى 4 عقود من الزمن حتى استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم كمحتكرين للسوق عالميا».
إذن، كي نصل إلى نقطة البداية، لا بد أولا أن يقتنع المجتمع أولا بدوره، وأن يقوم بدوره كما ينبغي، بحكم أنه الدور الأساسي والأكبر، ومن ثم تقوم الدولة- وبالتزامن- بدورها المحوري والهام في وضع الاستراتيجية ورسم الخطط، ووضع الآليات الضابطة لحركة التنقل بين حلقات سلاسل القيمة والتحكم بترمومتر خفض فاتورة الاستيراد، كي نحصل على اكتفاء ذاتي ليس في المجال الزراعي فحسب، وإنما في جميع المجالات، كغاية سامية نحفظ بها حق العيش بكرامة».

قد يعجبك ايضا