البحث عن السلام مهمة صعبة ولكنها رغم هذه الصعوبة تُعد المهمة التي يفترض أنها تميز الإنسان عن بقية الكائنات الحية ولهذا فإن مدى التزام الإنسان خاصة من بيده سلطة ما بالسير في اتجاه التعايش والتآلف والقبول بالآخر هو المعيار الذي يقاس من خلاله مستوى تحضره.
لكن المؤسف أن بعض من يعدّون أنفسهم بشراً من الحكام أو المتحكمين هم أقرب إلى التوحش منهم إلى الأنسنة، ومن يقارن بين حياة الوحوش الطبيعية وحياة الوحوش الذين يرتدون الثياب لستر عوراتهم المادية أو ما تعارف عليه الناس بأنها كذلك يدركون بالمقارنة الفاحصة حجم الفارق المأساوي بين وحشية الحيوانات المفترسة المكشوفة عورتها وغرائزها وبين الوحوش المتنكرة في هيئة الإنسان يجد الفرق مهولاً وفي مصلحة الوحوش الطبيعية التي تعيش حياتها بكل تفاصيلها على الفطرة وبدون سواتر ولا أردية ولا تنميق أو طقوس، وليس لها عقل تتسابق باستخدامه في ابتكار أفتك الأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل التي تهلك الحرث والنسل بلمسة زر من أضعف الأنامل، الوحش الطبيعي يستخدم قواه الطبيعية من مخالب وأنياب وعضلات وغيرها ويكد ويتعب ويبذل ما أمكنه من قوى طبيعية لاستدراج فرائسه والإيقاع بها والانقضاض عليها، أما الوحش غير الطبيعي وأقصد به الإنسان المتوحش فإنه يتفنن ليس فقط في ابتكار وصناعة الأسلحة الفتاكة لممارسة القتل المباشر والدمار بل ويبتكر الحيل والسياسات التي يعمل من خلالها على القتل غير المباشر ليس فقط قتل من يعاديه بل وتجويع ونهب ثروات من يحكمه للاستئثار بها وتدمير كل الإمكانات النفسية والمعنوية، وأحيانا يختلق الدعاوى الدينية التي تنمي بؤر الصراع الأبدي على السلطة ويغذيها بدعوى أنه بذلك يصنع السلام ويضع حداً للصراع ويعذب كل من يختلف معه أو يعارضه أولا يسلم بحقه في ادعاء الحق الإلهي في الحكم تحت الراية المقدسة أو باسم الوطن والثورة والجمهورية وحقوق الإنسان، إنسانية اليوم صارت لها أنياب ومخالب جديدة تستخدمها الدول الكبرى والصغرى بحسب الظروف والأحوال وبأساليب معلنة ومكشوفة تديرها مؤسسات تمارس من خلالها التضليل أو تنظمه وتحميه بشتى الأساليب الماكرة أو تستخدم أساليب علمية لتنمية الجهل وأسبابه.
أي أن المؤسسات المفترض أنها وجدت من أجل حماية حقوق الإنسان صارت تؤدي عكس المهمة وتحمي القتلة واللصوص وتعمل على شرعنة بقائهم حكاماً بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم أو معتقدهم أو نظام حكمهم المعلن فهم إخوة يجمعهم ميثاقهم المقدس فهي ترعى القداسة بكل ألوانها وأشكالها وممارساتها الظاهرة والخفية ما دامت تؤدي نفس الغرض في قهر الإنسان لأخيه الإنسان بكل وسائل القهر والاضطهاد،
البحث عن السلام إذاً سلوك يحميه معيار واضح وهو أن يكون استخدام القوة في مجتمع الدولة الواحدة حكرا على سلطاتها تستخدمها لتحقيق العدالة ومنع الاقتتال وليس في التدمير والخراب وممارسة الاضطهاد والقهر للمواطنين وسلب أموالهم وممتلكاتهم، وعلى المستوى الدولي استخدام القوة الدولية في فض النزاعات في مناطق النزاعات وليس في دعمها وإدارة الأزمات، وفي دعم الشعوب للوصول إلى نظام حكم مدني تكون فيه القوة بيد الدولة لإنفاذ سلطة القانون أيضاً وتحقيق العدالة لأن ذلك هو المفهوم العام للدولة المدنية والشرعية الواجب احترامها هي النابعة من إرادة الشعب الفعلية وليس المفترضة، وهو الأصل لاكتسابها، وإذا وجدت سلطة أمر واقع في ظروف استثنائية ما فلا بد أن تكون مؤقتة وأن يلتزم من يمثل هذه السلطة بصون دماء المواطنين وأعراضهم وأموالهم وجميع حقوقهم وحرياتهم واحترام القوانين الصادرة في ظل الشرعية الدستورية أيا كانت التحفظات عليها أو العمل على تغييرها وعدم المساس بالنظام السياسي للدولة وتحقيق الأمن والعدالة والعمل الجاد من أجل الوصول إلى تداول سلمي للسلطة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة تنتج عنها سلطة شرعية حقيقية، هذا هو المعيار الذي يتفق مع الدين والأخلاق والدستور والقانون والمواثيق الدولية والمعاهدات وبدون هذا المعيار سيبقى باب الصراع على السلطة مفتوحاً على كل الاحتمالات وأي دعاوى أخرى أو مغالطات لا ينتج عنها سوى مزيد من الدماء والدمار ومن يمارسها سيكون أول ضحاياها والسلام.
مروا على الأكفان
على الأجفان إن شئتم
ولكن أينما تمضون حذار
الدماء لا تصنع الأوطان
جسر السلام تشيّده المحبة والوئام
أن ترفضوا العدوان أيا كانت الألوان