من المؤسف أن المخطط والمؤامرة الاستعمارية للوطن العربي جاءت منسجمة ومتناغمة مع تطلعات بعض الأسر العربية التي عانت من عقد حياتية وتهميش اجتماعي، فكانت أن وجدت ذاتها في سياق المخطط الاستعماري، فقبلت أن تكون للمستعمر (مطية) وخادمة أمينة له ولمخططاته التآمرية طالما وهو سيمكنها من التربع على عرش الحكم في هذا النطاق العربي أو ذاك، ومن ثم سيعمل على حمايتها عاقدة معه اتفاقاً كاثيوليكياً مقدساً يقوم بموجبه المستعمر بحمايتها مقابل أن تبقى وفية معه ومخلصة له وملتزمة بتلبية كل طلباته بما في ذلك تجنب هذه الأنظمة الصدام مع الكيان الاستيطاني المزروع في فلسطين أو التحريض ضده أو تشجيع رعايا ومواطني هذه الأنظمة في تبني أفكار وثقافة مناهضة للكيان..؟!
بل تم توجيه هذه الأنظمة لتكون بكل قدراتها وإمكانياتها مناهضة لكل القيم والأفكار والثقافة الوطنية والقومية، ومؤازرة لقوى الاستعمار في مناهضة هذه القوى العربية وشيطنتها، والذريعة (الدفاع عن الإسلام وقيمه من الأفكار العلمانية والشيوعية)..
فكان وفق هذه المفاهيم خطاب الوحدة والقومية وتحرير فلسطين وقومية المعركة، هو خطاب (شيوعي وعلماني ومعاد للإسلام)..
مفهوم سفسطائي عبثي ساخر من الوعي ومداركه، طالني ذات يوم – أنا كاتب هذه السطور – حيث شاءت الأقدار أن ألتقى بالشيخ عبد الله عزام الفلسطيني وابن صفد الذي قدم ذات يوم من جبال أفغانستان إلى مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان في مهمة تجنيد لشباب فلسطين ولبنان للجهاد في أفغانستان، يومها كنت أحد منتسبي الثورة العربية الفلسطينية، وبعد وقت من الجدل النزق دار بيني وبينه في قاعة أبو حسن سلامة في المركز الثقافي بالمخيم وبعد أن وصفني بالقومي والعلماني أنهى كلامه معي حرفياً بقوله (انتم تقاتلوا من أجل وطن ونحن نجاهد من أجل دين)..
هذا المنطق للأسف لا يزال سائداً لدى البعض في أمتنا سواء من قبل أنظمة عربية حاكمة أو نخب سياسية وثقافية وفكرية توزع انتماؤها بين (الليبرالي، والديني) حتى أن جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين وفي بقية الأقطار العربية لم تفكر بفلسطين إلا بوقت متأخر جدا، بدليل أن إخوان سورية مثلا انشغلوا بالمؤامرة على وطنهم سورية ونظامه، ولم يكترثوا بفلسطين، بل إنه حين توفر السلاح والدعم للجماعة وجهوه لصدور أبناء شعبهم فيما أبو محمد الجولاني يقضي فترة إجازته في رعاية الاحتلال الصهيوني في (يافا) و(إيلات) وأفراده يتلقون العلاج في المشافي الصهيونية داخل فلسطين المحتلة.. فيما حركة (حماس) وأول ما قوى ساعدها انقلبت على شعبها وخطفت (غزة) ونصَّبت نفسها حاكماً مطلقاً عليها وإن تذرعت بحماسها للمقاومة ورفضها اتباع سياسة السلطة الوطنية الفلسطينية، فإن هذه الحركة التي رعتها حركة فتح ومدتها بكل ممكنات القوة قبل أن تنطلق بعلاقتها الإقليمية وتجد في دمشق الفرصة والملاذ والدعم والرعاية، غير أنها تجاهلت كل هذا في لحظة توهم دفعت (خالد مشعل) لرفع علم الانتداب الفرنسي، ناهيكم عن مواقف الحركة عند صعود مرسي لحكم مصر، وهو ما أفقدها ثقة واحترام المواطن العربي وقواه الحية، وقبلهم ثقة المواطن العربي الفلسطيني، بعكس الحال مع حركة الجهاد التي استحوذت على ثقة محور المقاومة وقبلهم على ثقة شعبها في الداخل والخارج ..
نماذج وأمثلة ضربناها فقط للتدليل على رؤية بعض القوى العربية الفاعلة للقضية الفلسطينية وفهم بعض النخب الفلسطينية لقضية وطنهم، والمؤسف أن ما كانت (حماس) تنتقد عليه السلطة بالأمس وتشكو منه، تمارسه هي اليوم في غزة على بقية الفصائل المقاومة المجبرة قسراً للخضوع لمنطق حركة حماس وإلا ستجد نفسها مطاردة من قبل أجهزتها..
يتبع،،