تدرك أمريكا ومنظومة الغرب الاستعماري أن (الكيان الصهيوني) الذي زرع في قلب الجغرافيا العربية -فلسطين – أنه كيان غير قابل للبقاء إلا في تفتيت العرب وتمزيق مواقفهم، وفي تشطير وتمزيق الموقف الفلسطيني، فإذا ما توحدت المواقف العربية وتوحد الموقف الفلسطيني فإن هذا سيكون كفيلا بزوال هذا الكيان..!
لذا عملت أمريكا وبقية المحاور الاستعمارية الغربية على تكريس استراتيجية تمزيق المواقف العربية عبر توظيف وسائل وأدوات وخلق كل مقومات التفرقة بين العرب، بعيدا عن تداعيات المشهد الفلسطيني وإن كان هو المشهد المستهدف.
لعبت القضية الفلسطينية دورا في إيقاظ الوعي القومي العربي وكانت ثورة يوليو والزعيم جمال عبد الناصر إيقونات الوعي القومي وقومية المعركة ووحدة الهوية والمصير للأمة، فتمت شيطنة عبد الناصر والقومية وقامت عليهما معارك ومؤامرات برعاية الاستعمار وأذنابه من الأنظمة الرجعية العربية..
كان عبدالناصر زعيما عربيا بامتياز، وكان مدركا للمخططات الاستعمارية والطرق الاحتيالية التي اتبعها الغرب لضرب وحدة المواقف العربية، وبرحيله تم عزل مصر ثم عزل بقية أنظمة الأمة عن بعضها، ومع أن قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994م مثل مكسبا فلسطينيا وانتصارا وطنيا حققته الثورة العربية في فلسطين، بعد رحلة اغتراب وتنكيل واستهداف تعرضت لها الثورة الفلسطينية حتى بلغ الحال بقائدها الراحل المناضل ياسر عرفات (أبو عمار) إلى أن قال :(أتمنى أن أحصل على كيلو متر مربع داخل فلسطين لنستقر فيه ومنه ننطلق لتحرير بقية التراب الوطني الفلسطيني)..
بيد أن سياسة تفرق تسد التي تكرست في العلاقة العربية _العربية، تم تكريسها في مفاصل الواقع العربي الفلسطيني وداخل مفاصل الثورة الفلسطينية، وفيما وجدت السلطة الوطنية الفلسطينية نفسها مكبلة بأغلال الاتفاقيات الدولية، ذهبت بقية فصائل المقاومة تبحث عن ذاتها وإن على أنقاض المصلحة الجمعية للوطن والقضية والشعب..
اليوم (الصهاينة (يستهدفون فصيلاً مقاوماً دون آخر، ويجزرون الجغرافيا الفلسطينية، وفيما شهدنا بالأمس استهدافاً لحركة (حماس) وتحييد حركة (فتح) باعتبارها قد أصبحت سلطة ملزمة باحترام تعهداتها، نرى اليوم استهدافاً لحركة (الجهاد) وتحييد (حماس) باعتبارها هي الأخرى قد أصبحت جهة اعتبارية مسؤولة منذ سيطرت على قطاع غزة بانقلابها على السلطة وحركة فتح..!
تداعيات عبثية تعيشها الأمة والقضية، هي من يراهن عليها العدو في بقائه وديمومة غطرسته وارتكابه للجرائم المنظمة بحق الشعب العربي في فلسطين وبصورة يومية وكل يوم يركز على فصيل، والمؤسف أن نجد بعض العرب يتدخلون كوسطاء بين الفصيل المستهدف والعدو القاتل وكأن فلسطين لا تعني له شيئا إلا بعض من دوافع إنسانية يقوم بها الوسطاء العرب ليس من أجل فلسطين بقدر ما هي من أجل العدو وفي سبيل سكينته واستقرار وأمن مستوطنيه..!!
وساطات تساوي بين الضحية والجلاد، بين القاتل والمقتول، بين المحتل وصاحب الأرض المحتلة..!
إن وحدة الموقف العربي الفلسطيني هي خيار وليست فعلاً من ترف، ووحدة الموقف بين السلطة والفصائل هو طلب مقدس يفترض إنجازه وتحقيقه إذا ما أراد الشعب الفلسطيني وفصائله وكل فعالياته استعادة وطنهم وإعلان دولتهم بعاصمتها القدس الشريف، ووحدة الموقف العربي مطلوبة لتعزيز الموقف العربي الفلسطيني، وإن كانت المقاومة قد وصلت لمراتب نضالية متقدمة في مواجهة العدو فإن تعزيز دور المقاومة يزداد متانة إذا ما وحَّد العرب مواقفهم، ليس في تبني فكرة قومية المعركة، فهم أعجز من أن يتبنوا فكرة كهذه التي لا يتبناها إلا رجال صدقوا مع الله ومع أنفسهم وأمتهم، وأمثال هؤلاء تفتقدهم الأمة، لكن ما هو مطلوب من أنظمة المرحلة العربية يندرج في سياق أضعف الإيمان وهو توحيد رؤيتهم تجاه فلسطين وشرعية مقاومتها للاحتلال وأن لا يضعوا أنفسهم وقدراتهم في خدمة العدو والمستعمرين الداعمين له، ويهرولوا للوساطة والضغط على هذا الفصيل أو ذاك لوقف المقاومة والدفاع عن كوادره الذين يستهدفهم العدو بطرق غير شرعية وغير أخلاقية وغير إنسانية، بل تعكس الهوية الإجرامية لكيان إرهابي محتل.
إذاً يكفي النظام العربي أنه وضع السلطة الوطنية في مربع حرج، مربع تبدو فيه عاجزة ومهددة بالويل والثبور أن تحركت منه، وفي ذات الوقت لم يلتزم بالمقابل من وضعوا السلطة في هذا المربع بتعهداتهم تجاهها، وهذا السلوك هو ما يراهن العدو وأمريكا على ديمومته، ألا يكفي إن مصطلح الصراع العربي -الصهيوني، قد أصبح صراعا فلسطينيا -إسرائيليا، ثم أصبح صراعا بين -غزة وإسرائيل، وها هو اليوم يوصف بأنه صراع بين الجهاد وإسرائيل..
ليس هذا وحسب، بل طال التجزير في التوصيف الجغرافية الفلسطينية، فهناك مشكلة القدس، وهناك غزة، وهناك الضفة، وهناك عرب 48..!
وكل هذه التقسيمات صناعة أمريكية استعمارية انجر لها العرب وتورط في مستنقعاتها حتى أبناء فلسطين الذين عليهم أن يدركوا أن انتصارهم في وحدتهم وكما هي منظمة التحرير تمثلهم سياسيا ووجوديا عليهم الاعتراف بها وجعلها المعبر عنهم في مختلف الجوانب ومنها العسكرية والأمنية ..فما تشهده الساحة الفلسطينية مؤلما بفرقته ومثيرا للإعجاب والدهشة بمقاومته، إذاً فلتتوحد البندقية والإرادة داخل فلسطين، ففي هذا التوحد بداية الطريق نحو النصر المبين.